كل من يعمل في قطاع أو صناعة أو تجارة، يستطيع أن ينتج ولكن من يستطيع أن يتميز ويبدع هنا السؤال؟ فالإبداع هو الخروج عن التقليدية والنمطية في العمل وهو التفكير خارج الصندوق والقدرة على تحقيق رغبات المستفيدين من المنتجات أو الخدمات بأفضل المواصفات والامتيازات والبحث عن كل جديد وهناك دورات متخصصة في الإبداع يمكن الاستفادة منها ومعرفة قصص النجاح في قطاع الأعمال.
أتذكر أني كتبت مقالة منذ أكثر من سنة في هذه الزاوية عن صناعة الموجة وركوبها، وتحدثت عن وجود نوع من الناس يتميزون ببعد النظر أي أن لديهم رؤية مستقبلية جيدة ونظرة ثاقبة لحاجة السوق إلى قطاع الأعمال إضافة إلى تمتعهم بصفة الجرأة التي تقترن بالمخاطرة من أجل إظهار وإبراز نوع من الأعمال يحتاج إليه الفرد والمجتمع، وقد تسنت لي الفرص للعمل مع بعضهم واستفدت من تجربتهم، وهؤلاء المبدعون هم من يصنعون الفكرة ويضعون بصمة لأعمالهم وهم عادة من يدفع ضريبة الإبداع ماديا ومعنويا، وهناك الفئة الأخرى ممن يتفرج وينتظر المبدعون ليبدأوا ويتحملوا المخاطرة وفي حال نجاحهم يتم تقليدهم وتطبيق الأفكار نفسها إن لم يكن أسوأ منها إذ لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والاستثمار في الفكر وصناعة الفرصة أو الصرف على البحث والدراسة وهؤلاء هم راكبو الموجة، وهناك نماذج لمشاريع وأعمال بعضها لم يتم تنفيذه إلا على الورق وبعضها تم تنفيذ جزء يسير منه وتوقف والسبب التقليد الأعمى والاندفاع واللهث وراء سراب الثروة وتوقف المشروع وأغلقت الشركة.
وهناك مبدعون يصنعون النجاح ومن الأمثلة التي يمكن مشاهدتها بعض المجمعات التجارية في جدة وخصوصا الحديثة منها فتجد لمسات الإبداع والتميز فيها، لذا تجد الارتياح حين ترتادها، فسهولة الدخول إلى السوق والخروج منها من المميزات ومواقف السيارات متوافرة والماركات العالمية موجودة وتقسيم الأنشطة داخل السوق منظم وجذاب ووسائل الترفيه للأطفال متنوعة ومقبولة والجلسات العائلية مميزة، التصاميم المعمارية جذابة، مما يولد الانطباع الجيد لديك والرغبة في العودة مرة أخرى. والبعض يرتادها لأول مرة ولا يعود إليها مرة أخرى والسبب التقليد والاستعجال والشغل التجاري البحت وليس النظرة البعيدة والاستثمار طويل الأجل. فالمستأجر لن يستمر إلا إذا نجحت السوق وزاد عدد مرتاديه وأصبح الاستثمار مجديا. أضف إلى ذلك أهمية إدارة السوق وتفعيل برامج ووسائل الجذب التي يبحث عنها المستهلك.
السوق تحتاج لمن يكون الإبداع جزءا من عمله ولكنهم للأسف قلة، فصناعة الفكر تكلف الكثير والإبداع يحتاج إلى مواصفات خاصة وتضحيات كبيرة فنسبة المخاطرة عالية والإبداع يحتاج إلى بيئة مناسبة تساعد على تطبيقه فلن يكون إبداعا إذا وجدت عوائق في الأنظمة أو الإجراءات ولن يتطور الإبداع ويستمر وأنت تتعامل مع نوعية من الشركاء أو المساهمين أو المستثمرين أو المستفيدين من منتجاتك لا يقدرون الإبداع ولا يرغبون في تحمل المخاطرة. أتمنى أن يكون الإبداع العملي صناعة وفنا يمكن تدريسه وتعليمه ونقله إلى الأجيال القادمة.. مجرد أمنية.
