غرامشي فيلسوف الهيمنة الثقافية

غرامشي فيلسوف الهيمنة الثقافية

<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>

قضى الفيلسوف الإيطالي أنتونيو غرامشي Antonio Gramsci الذي عاش قليلا 38 سنة (1891- 1937)، معظم حياته في سجون الفاشية، مذكرا بالروائي (غارسيا لوركا) الذي اختفى بدوره على يد الفاشية الإسبانية من عصابة فرانكو. ولكنه ترك إرثاً ثقافيا ما زال الجدل يدور حوله. وكانت فكرته الرئيسية تدور حول هيمنة الثقافة. والثقافة حسب فهمه عديدة المراكز، ومنوعة التأثيرات، بدءا من المدرسة، ومرورا بالمؤسسة الدينية، وانتهاء بدوائر المال والإعلام. وجاءني يوما شاب بكل براءة ليقول لي ممنوع أن أقدم حتى الجرائد المفسوحة لمن حولي، حرصا منه على نقاوة عقل القطيع من أي مشاغب مثلي. ولم يعرف الناس غرامشي وثقله الفكري إلا بعد موته بربع قرن عام ،1960 أما أعماله الفكرية فلم تطبع إلا عام 1975م. واعتقد الرجل بالوحدة العضوية للحياة الاجتماعية، وخرافة الحتمية الاقتصادية. وكان يقول إن الفعالية التاريخية تدور حول فكرة واحدة هي الهميمنة، و(الهيمنة) شيء مختلف عن (السيطرة). وحسب (راسل) فالطاقة هي القوة المركزية في الفيزياء، كما كان (السلطان) القوة المركزية في المجتمع، ويتخذ صورا شتى، كما يمكن أن يتحول من شكل لآخر، فالكهرباء تنقلب إلى طاقة حركية، أو حرارة أو تبرد بالمكيفات، فيعمل البراد وتشع الحرارة.
وفي القرآن عرض لمظهري القوة من المال والنفوذ "ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه". وهنا يتفق (غرامشي) ويختلف عن (برتراند راسل) فهو يرى أن القوة المركزية في المجتمع هي قوة الثقافة أكثر من السلطة. ويقرأ القارئ أفكارنا ممزقة في كثير من الأحيان، وعلى الرقيب أن يقطع من كلامه خوف قطع رزقه.
وأوربا تعذبت كثيرا حتى استطاعت أن تتحرر من سطوة المؤسسة الدينية. وهذه المؤسسة عصب غليظ يمتد في كل جسم الأمة. وسبب قوة تأثيرها أن الواعظ أو القديس أو الكاردينال والبابا حينما يقول فهو ينقل عن الرب. وهل هناك من أحد مستعد لمواجهة الرب شخصيا؟
ولذا كانت المؤسسة الدينية على امتداد التاريخ في حالة تفاهم مع السلطة السياسية فكل يغذي الآخر ويحافظ عليه.
ويرى (غرامشي) أن الطبقة الحاكمة تنظم وتدير المجتمع من خلال هذه القوة الثقافية التي تحسن التعامل معها. وفي يوم عوقب غاليلو أشد العقاب لأنه خالف الكتاب المقدس، وهي تفسيرات قال بها رجال الكنيسة.
وفي الوقت الذي تتحول تفسيرات الناس إلى نصوص منزلة تصبح اللعبة خطيرة، ولكن لا أحد يتجرأ فيلمس الموضوع، وإلا احترق غير مأسوف عليه.
جاء في كتاب الخرافات أن حيوانات الغابة اعتبرت يوما أن البومة سيدة الحكماء، وأنها شبه إله لأنها ترى في الليل؛ فقال ثعلب ماكر: ولكن هل ترى في النهار مثل الليل، فقالوا له أيها الفاسق، وهل يسأل أحد مثل هذا، ثم إن أهل الغابة نصبوها زعيما مدى الحياة وبدأوا بالهتاف بحياتها كما حصل مع صدام وحافظ الأسد، حتى قادتهم إلى حتفهم.
والتفسيرات البشرية التي تقود إلى الكوارث يجب إعادة النظر فيها. والنتيجة التي خرج بها غرامشي أن الفرد ليس أمامه إلا الرقص في المربع. وأن الطبقة المسيطرة القائدة تحاول إقناع بقية الطبقات بقيمها الفكرية. وهو بهذا مهد الطريق لدور الثقافة كقيمة مركزية في تحليل اللحظة التاريخية، والأشياء التي تم تجاهلها سابقا من دور المفكرين والذكاء الشخصي والشعور العام والثقافة الشعبية والفردية أعيد إحياؤها من جديد. فهذا هو الواقع، وهكذا تعمل قوانينه، ويجب فهمه والتعامل معه بموجب قوانينه الموضوعية. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

الأكثر قراءة