سيكولوجية فض الخلافات بين الزملاء داخل محيط العمل
يخجل كثير من الناس من التحدث والتعبير عن آرائهم بصراحة في الوقت الذي يجب فيه أن يقوموا بفعل ذلك، فمعظم الناس يتجنبون بل ويفرون من مثل تلك المواجهات. أضف إلى هذا أن مناخ العمل لا يساعد على تبني هذا النهج من الوضوح والصراحة والمباشرة في التعامل. وترى إليزابيث كال أستاذة سيكولوجية الأعمال التنظيمية والاجتماعية في جامعة (إيش شتيت إنجيل شتات) أن هذه من الأمور الخاطئة في مكان العمل وهذا الأسلوب يلحق الضرر بالقدرات الإنتاجية للمؤسسة المعنية.
لماذا؟ لأن هذا الأسلوب يعمل على تعزيز وتنمية رغبة دفينة في الصدام في اللاوعي لدى الإنسان .
وترى الخبيرة كال أنه لا يمكن تفادي تداخل الخلفيات الثقافية وسط أجواء العمل واختلاف مهارات الاتصال بين العاملين في السيطرة وتخفيف الصراعات والمنازعات والتوسط في الخلافات لكن الكلمة الصريحة والمباشرة ضرورية كونها تهدف إلى تقديم توضيح سريع عن النزاع أو الخلاف في الرأي, ولكن في ذات الوقت لا يُفترض في هذه الكلمة أن يكتفي بسماعها, بل يجب على متلقيها أن يتقبلها أيضا.
ومن وجهة نظر كال فإن كل ما هو مطلوب ألا يتسرع طرف بالرد على الطرف أو الأطراف الأخرى بطريقة مباشرة وكان أحد الجانبين متورطا في جريمة ما وتجنب استخدام أساليب التحذير أو التأنيب. وكذلك عدم الخضوع للمشاعر الوقتية التي تسيطر على الموقف أو استخدام الذاكرة في استدعاء مواقف وتجارب خاصة. وفي مقابل ذلك يمكن الاعتماد على شرح الموقف من وجهتي نظر متباينتين للمتداخلين في الموقف ومحاولة شرح كل طرف وجهة نظره هو وأسباب الخلاف مع الطرف الآخر.
وتستند كال في نظريتها على مبدأ مهم وهو ارتباط النزاعات التي تحدث في محيط وبيئة العمل بشكل غير مباشر بمناخ وجو العمل نفسه الذي لا يؤدي إلى ظهور الخلافات فقط بل يساعد أيضا في تصعيدها .
وتقول كال: "إذا توافر مناخ جيد وصحي في العمل فإن هذا المناخ يعمل على وأد أي خلاف في مهده, فإذا تطور الخلاف فإن الجو العام يبقي الخلاف في أضيق حيز ممكن إلى أن يحل".
وترى كال أن أي نزاع في العمل يمكن حله بعدد لا يحصى من الأساليب البنّاءة على افتراض أن تكون الروح السائدة في محيط العمل تعتمد على دفن الخلافات بدلا من حلها, وثانياً في حالة النزاع لا يُفترض أن يبحث كل طرف بطريقة آلية عن اتهامات يوجهها إلى الطرف الآخر ولكن يفترض أن يبحث عن الفرضيات التي توضح موقفه والأسس التي يمكن بناء عليها التوصل إلى حل. وترى أستاذة سيكولوجية الأعمال التنظيمية والاجتماعية أنه إذا طبق هذين المبدأين في بداية ظهور الخلاف فإن هذا لا يؤدي إلى تقليل مساحة الخلاف فحسب, بل يعمل على زيادة مساحة الحوار دون عصبية واتساع أفق الحل الذي يرضي الطرفين بشكل كبير.
إن أي مؤسسة أو شركة أو هيئة يوجد فيها بالطبع أشخاص سريعو الانفعال والغضب.هؤلاء الأشخاص يجبرون حتى أكثر الناس قدرة على التواصل والانفتاح مع الآخرين على تجنب المواجهة المباشرة والصريحة وفي مثل هذه الحالات ينصب الجهود على تهدئة الوضع.
إن الخطوة الأولي كما تراها كال في هذا الطريق هي المعرفة:
معرفة الموقف الذي يصبح فيه الموظف أكثر رغبة في الصدام؟
في مواجهة من الأشخاص تظهر هذه الرغبة؟ وكيف يعبر عن ميله نحو الصدام والعدوانية؟ وإلى جانب تلك الأمور تلزم أيضا معرفة متى يتصرّف نفس هذا الشخص بطريقة مسالمة وبناءة؟
إن هذه المعلومات هي التي ترسم طريق الحل من وجهة نظر كال .
وهنا من المفترض التفكير في عدة حلول مختلفة قدر المستطاع. فمن الممكن مثلا في الخلافات البسيطة تنبيه الوعي بمشكلة سلوك هؤلاء الأشخاص سريعي الغضب وحثّهم على إدراك تصرفاتهم قبل تطور الموقف وقبل فوات الأوان وكأن تصرفاتهم معكوسة أمامهم على سطح المرآة. ومن الممكن أن يكون وضع قواعد عامة تفرض عقوبات اجتماعية على مرتكبي السلوك العدواني من خلال طرح هذا السلوك للحوار والمناقشة. ووفق هذا الإطار من القواعد العامة يضطر هؤلاء لا إلى السيطرة على سلوكياتهم العدوانية فحسب بل أيضا التعامل بإدراك ووعي وفق الأجواء المهنية السائدة في المؤسسة والتعبير عن أنفسهم بطريقة مباشرة وصريحة.
وترى كال أن النجاح في خلق مناخ هادئ ومستمر في جو العمل يعتمد على تغيير ظروف العمل الشكلية ومن خلال ذلك الحيلولة دون إثارة عدوانية الأشخاص سريعة الانفعال. ومن أمثلة نماذج الحل في هذا الإطار تغيير أفراد فريق العمل بصورة دورية وتجنب الضغط على الأشخاص في المواقف التي لا تتطلب ضغطا في العمل وكذلك عدم الدخول في قضايا جدلية خلافية قبيل الإجازات الأسبوعية أو السنوية.