Author

وداعا حقبة نجيب محفوظ

|
اسمه الكامل نجيب محفوظ بن عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد باشا، واسمه الأول اسم مركب هو نجيب محفوظ، سماه به والده تقديرا منه للطبيب العالمي البروفيسور نجيب باشا محفوظ (1882 - 1974) الذي أشرف على ولادته، ولد في حي الجمالية الشعبي في القاهرة في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1911، ثم انتقلت عائلته سنة 1924 إلى حي العباسية. وفي سنة 1954 انتقل من بيت أبيه إلى شقة في الجيزة تطل على نهر النيل حينما تزوج من عطية الله إبراهيم التي أنجب منها بنتين. أتم دراسته الابتدائية والثانوية وعمره 18 سنة ثم التحق بجامعة القاهرة سنة 1930 وحصل فيها على ليسانس الآداب في الفلسفة سنة 1934. أمضى بعد ذلك سنة في برنامج الماجستير لكنه قرر ترك الدراسة والتفرغ للكتابة. كان كثير القراءة من صغره، وكانت أمه كثيرا ما اصطحبته لزيارة المتاحف، ولذلك نجد أن قضايا التاريخ المصري القديم من المواضيع الرئيسية التي برزت في رواياته الأولى. كان أبوه يعمل موظفا في الحكومة ومشى هو على خطى أبيه، حيث عمل موظفا حكوميا حتى تقاعده عن العمل سنة 1972. بدأ العمل سنة 1939 حين تم تعيينه في الأوقاف المصرية في وزارة الشؤون الإسلامية. وتدرج في الوظائف الحكومية حتى وصل عام 1959 إلى مرتبة مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية. ثم ترك هذه الوظيفة ليعمل مديرا لمؤسسة دعم الأعمال السينمائية. كما عمل مستشارا لشؤون السينما في وزارة الثقافة وعضوا في مجلس إدارة دار المعارف للنشر ومحررا في جريدة "الأهرام" التي يكتب فيها زاوية بعنوان "وجهة نظر". وقد كان لمحفوظ أثره الكبير على السينما المصرية لا كموظف في هذا القطاع وحسب، بل الأهم من ذلك ككاتب وروائي. ومعروف أن صناعة السينما في مصر تأتي في حجمها وتأثيرها بعد السينما الأمريكية والهندية. كان من ضمن نشاطات مؤسسة دعم الأعمال السينمائية التي عمل محفوظ مديرا لها الحصول على الدعم المالي، وكذلك التصنيف والرقابة السينمائية والسماح أو عدم السماح بالإنتاج والعرض. وقد عُرض ما لا يقل عن 30 عملا من رواياته وقصصه القصيرة في السينما المصرية، ونالت إحداها وهي جائزة الدولة التقديرية عام 1962، وكان قبل ذلك قد حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1959. وقد انتقده بعض المثقفين على عمله في الرقابة وعلى مهادنته للدولة، والبعض اتهمه باستغلال منصبه لترويج أعماله. كما أن الراديكاليين والناصريين لم يغفروا له انتقاداته لسياسة جمال عبد الناصر وتأييده وحماسه لمبادرة السادات ومعاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1979. وقد أدى تأييده لمبادرة السلام إلى منع كتبه في الكثير من البلاد العربية، لكن الوضع تغير بعد حصوله على جائزة نوبل. ولم تقتصر متاعب نجيب محفوظ مع معارضيه على هذا الحد. فقد تعرض للهجوم والمنع من قبل بعض الإسلاميين المتطرفين الذين رأوا في كتاباته مساسا بالرموز الدينية، حيث إنه يستخدم الرموز الشعبية لتقديم شخصيات الأنبياء خصوصا في روايته "أولاد حارتنا" التي نشرها بالتسلسل في أعداد جريدة "الأهرام" خلال سنة 1959. فقد منعت الرواية في مصر ووقف الأزهر ضد نشرها واتهمه فيها بالتجديف ضد الدين ورموزه المقدسة، وتظاهرت حشود من المنددين بالرواية أمام مبنى "الأهرام". وبعد ثلاثين سنة لما صدرت فتوى الخميني سنة 1989 بقتل سلمان رشدي واتهامه بالردة صرح الشيخ عمر عبد الرحمن لأحد الصحافيين آنذاك أنه لو تمت معاقبة نجيب محفوظ على روايته لما تجرأ سلمان رشدي على إصدار آياته الشيطانية سنة 1988. وقد دافع محفوظ عن حق رشدي في الكتابة والتعبير لكنه مع ذلك اعتبر عمله مهينا للإسلام. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من سنة 1994 وبينما كان يستعد للذهاب كعادته إلى مقهى قصر النيل تعرّض نجيب محفوظ خارج منزله لمحاولة اغتيال فاشلة بطعنه بسكين في عنقه، وكان عمره حينها 84 سنة، والذي طعنه ينتمي إلى تنظيم الجهاد المتهم باغتيال السادات. لكن هذا لم يمنع من نشر "أولاد حارتنا" سنة 2006 مع مقدمة لأحمد كمال أبو المجد. وإلى أن حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1988 والتي تقدر قيمتها بـ 390.000 دولار، والتي ذكر أنه تبرع بالجزء الأكبر منها للمؤسسات الخيرية، عاش نجيب محفوظ مع عائلته عيش الكفاف، بالرغم من شهرته ورواج أعماله. وقد ظل حتى أيامه الأخيرة محافظا على برنامجه اليومي في الالتقاء بأصدقائه في بعض فنادق القاهرة، حيث كانوا يقرأون له عناوين الأخبار ويستمعون إلى تعليقاته على الأحداث. توفي في الثامنة وخمس دقائق من صباح الأربعاء الموافق 30 آب (أغسطس) 2006 في مستشفى الشرطة في حي العجوزة وسط القاهرة عن عمر يناهز الرابعة والتسعين. جاءت وفاته جراء قرحة نازفة بعدما أصيب بهبوط مفاجئ في ضغط الدم وفشل كلوي. وكان قد أدخل في المستشفى نفسه في تموز (يوليو) من عام 2005 إثر سقوطه في الشارع وإصابته بجرح غائر في الرأس تطلب جراحة فورية. ومن ضمن من نعاه البيت الأبيض والرئيس جورج بوش الذي لم ينس له تأييده لمبادرة السادات. بدأ نجيب محفوظ الكتابة وعمره 17 سنة وعمل في بداية مسيرته الأدبية محررا في جريدة "الرسالة" ونشر فيها بعض القصص القصيرة، كما كتب في "الهلال" و"الأهرام"، وفي تلك الفترة المبكرة تأثر كثيرا بالكاتب سلامة موسى، الذي كان بدوره متأثرا بجماعة الفابيين الاشتراكية Fabians التي كانت قد تأسست في 4 كانون الثاني (يناير) من عام 1884 في لندن وهي تنشد التغيير الاجتماعي بالطرق السلمية. كما قرأ الآداب الأجنبية من القصص البوليسية الإنجليزية إلى الأعمال الكلاسيكية الروسية وتأثر بالعديد من الكتاب العالميين من أمثال برَوْست Proust وكفكا Kafka وجويس Joyce. هذا مع العلم أنه لم يخرج قط خارج مصر، وحينما فاز بجائزة نوبل ذهبت ابنتاه لتسلم الجائزة باسمه. وأول عمل نشر لمحفوظ كان ترجمة كتاب جيمز بيكي James Baikie عن تاريخ مصر القديمة نشرته المجلة الجديدة سنة 1932. وقبل قيام الثورة المصرية سنة 1952 كان قد نشر عشرا من رواياته. بدأ بكتابة الرواية التاريخية، ثم انصرف إلى الرواية الاجتماعية. نشر خلال فترة الحرب العالمية الأولى من 1939 حتى 1945 ثلاث روايات تتعلق بتاريخ مصر القديمة هي عبث الأقدار (1939) و"رادوبيس" (1943) و"كفاح طيبة" (1944). بعد ذلك ظهرت ثلاثيته التي بلغ عدد صفحاتها 1500 صفحة ووضعت قدمه على سلم الشهرة وتشمل الثلاثية "بين القصرين" (1956) و"قصر الشوق" (1957) و"السكرية" (1957). خلال خمسة عقود نشر محفوظ العديد من المسرحيات و13 مجموعة قصصية و33 رواية، تم تحويل 30 منها إلى نصوص سينمائية. وتُرجمت معظم أعماله إلى جميع اللغات العالمية. كما تمت معالجة روايته "زقاق المدق" لتخرج في فيلم مكسيكي مثلت بطولته سلمى الحايك (ِEl callejon de los milagros). ولما أصدر الموسيقار الأمريكي ديف دوغلاس Dave Douglas ألبومه المعنون Witness الذي أصدره سنة 2001 عنون أحد أغانيه "محفوظ". تستغرق هذه المقطوعة 25 دقيقة يقرأ فيها المغني Tom Waits مقتطفات من أعمال نجيب محفوظ. تتميز روايات محفوظ بالقدرة على التفاعل مع بيئته المحلية والقضايا المحيطة به وإعادة إنتاجها على شكل أدب يربط الناس بما يحصل في المراحل العامة التي عاشتها مصر. كما يتميز أسلوبه بالبساطة والقرب من الناس مما حقق له شعبية منقطعة النظير في العالم العربي كله. ونظرا لمقدرته الفائقة على رسم صور ثرية ومليئة بتفاصيل الحياة الدقيقة لأهالي القاهرة ومعضلاتهم ومشاكلهم الاجتماعية والسياسية والدينية لقبه البعض بالزاك مصر تشبيها له بالكاتب العالمي بالزاك Balzac، والبعض الآخر يشبهه بتشارلز ديكنز Charles Dickens والصور التي كان يرسمها لمدينة لندن أو إميل زولا Emile Zola في باريس أو دوستويفيسكي Fyodor Dostoyevsky في بطرسبرغ St. Petersburg. يقول عنه الناقد الأمريكي بيتر ثيرو Peter Theroux، الذي ترجم العديد من الأعمال العربية، بما فيها بعض أعمال نجيب محفوظ "من يقرأ نجيب محفوظ يأسره سحر اللغة، شخصياته تنبض بالحرارة وسرده متسارع لا تشعر معه بالملل وحواراته تلقائية تنساب بسهولة عذبة وتزخر بالتفاصيل". أما إدوارد سعيد فيقول عن نجيب محفوظ "مصر بالنسبة لنجيب محفوظ، من حيث هي فضاء جغرافي وتاريخي، لا يضاهيها أي مكان آخر في العالم. فهي أقدم من التاريخ وتتميز جغرافيًّا بوجود نهر النيل وواديه الخصب. مصر نجيب محفوظ تراكمات هائلة من التاريخ تعود في الزمان إلى آلاف السنين وبالرغم من التغيرات المذهلة التي مرت بها من الحكام والحكومات والديانات والأعراق فإنها تظل محتفظة بهويتها المتماسكة" (New York Review of Books, November 30, 2000). وللتذكير فإنه لم يحصل على جائزة نوبل من العرب عدا نجيب محفوظ إلا اثنان هما الرئيس محمد أنور السادات 1978 مناصفة مع مناحيم بيجن وأحمد زويل 1999 بعد توصله لاختراع كاميرا تقوم بتصوير عملية التفاعل الكيماوي في مدة زمنية تعادل واحد على ألف مليون مليون في الثانية الواحدة. <p><a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a></p>
إنشرها