أسباب نجاح الصناعات البتروكيماوية في المملكة

أسباب نجاح الصناعات البتروكيماوية في المملكة

كل الدراسات تشير إلى نمو الطلب العالمي على الطاقة من نفط وغازات، وهذه الدراسات تشير أيضاً إلى أن دول الخليج العربي ستقوم بتلبية نحو 50 في المائة من هذا النمو على الطاقة. إذاً من أجل مستقبل أبناء هذه الدول، ومن أجل توظيف هذه الثروات التي حبانا الله بها بشكل أفضل مع الطاقات البشرية الموجودة في هذه الدول، قررت حكومات هذه الدول المضي قدماً في صناعات تحويلية رائدة هي الصناعات البتروكيماوية، حيث تتحد فيها الطاقات النفطية والغازية مع الطاقة الأهم وهي الإنسان، لتقوم هذه الصناعات التي من شأنها العود بالنفع والرفاهية على أبناء بلدان هذه الدول وبناءً عليه يستطيع المراقب مشاهدة ازدهار هذه الصناعات في دول الخليج العربي. فمثلاً يقدر إنتاج دول الخليج من مادة الإيثيلين الأساسية لصناعة البتروكيماويات نحو 10 في المائة من إنتاج العالم أجمع، وهذا الرقم مرشح أن يتضاعف في المستقبل القريب.
ونرى أن كل دولة من دول الخليج قد ازدهرت بصناعة حسب ظروفها، فوجود الغاز الطبيعي بكثرة في قطر مثلاً أدى إلى ازدهار صناعة الميثانول واليوريا، فأصبحت شركة قافكو أكبر منتج للسماد في الشرق الأوسط، وكذلك في الشعيبة في الكويت الكثير من المجمعات البتروكيماوية.
أما في المملكة، فأشرت في المقال السابق إلى حدوث طفرة نوعية في هذه الصناعة والتي تركت بصمات واضحة على حياة المواطن السعودي، حيث قامت هذه الشركات بتأمين حياة رغيدة لمنسوبيها وتدريبهم في الداخل والخارج وتكفلها بنظام الرعاية الصحية لهم ولعائلاتهم. وأيضاً لا يفوتنا توفير المنازل القريبة المناسبة، فأدى هذا إلى تطوير كلٍ من مدينتي الجبيل وينبع لتصبحا مدينتين صناعيتين عالميتين بكل المقاييس. ويبدو أن مدينة رابغ تمضي قدماً على خطى هاتين المدينتين العصريتين، مع إنشاء "بترورابغ" وما سيتبعها من شركات.
والسؤال هنا: ما أسباب نجاح هذه الصناعة في المملكة؟ أعتقد أن صناعة البتروكيماويات ازدهرت في المملكة للأسباب الآتية:
* وجود قرار سياسي على أعلى المستويات بالنهوض بهذه الصناعة وتذليل كل الصعاب أمامها.
* وجود المجمعات البتروكيماوية بالقرب من مصادر الطاقة.
* تقديم المواد الأساسية لهذه الصناعة، مثل الغاز الطبيعي، بأسعار خيالية من الدولة، وذلك لمساعدة أهل هذه الصناعة على المنافسة العالمية. فمثلاً نقلاً عن منظمة إندو لتطوير الصناعات التابعة للأمم المتحدة UNIDO، أن الصناعات البتروكيماوية في المملكة تحصل على الغاز الطبيعي بسعر يساوي سدس السعر الذي تحصل عليه مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى مثل الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية.
* وجود الغاز الطبيعي اللازم يعد عاملا رئيسيا في نجاح هذه الصناعات، والمملكة بحمد الله حباها الله بهذه المادة الاستراتيجية، فشركة أرامكو السعودية تنتج يومياً ما قيمته نحو خمسة مليارات متر مكعب من الغازات، وهذا الرقم مرشح للصعود إلى سبعة مليارات متر مكعب عام 2009م. وبقي أن نذكر أن إنتاج الإيثيلين والبروبيلين وهما المادتان الرئيسيتان في الصناعات البتروكيماوية، أرخص بكثير من إنتاجهما عن طريق تكسير النافثا، كما هو الحال في البلدان التي لا يوجد لديها غاز، إذ إن الدراسات تقدر أن قيمة إنتاج هاتين المادتين عن طريق الغاز الطبيعي، كما هو الحال في المملكة، أرخص بأربع مرات من إنتاجهما عن طريق النافثا كتقنية مغايرة. إذاً صناعاتنا تحظى بعوامل نجاح كبيرة تتمثل في وجود الغاز الطبيعي القريب من المصانع البتروكيماوية بتكلفة نقل غير كبيرة وبأسعار زهيدة.
* الموقع الإستراتيجي الفريد للخليج العربي والبحر الأحمر، فالخليج قريب من الأسواق الآسيوية مثل الصين، والبحر الأحمر قريب من الأسواق الأوروبية.
* توافر اليد العاملة المدربة بأسعار معقولة وأيضاً توافر الإخصائيين العالميين ذوي الخبرة.
* رغبة الشركات البتروكيماوية العالمية في الاستثمار في المملكة عن طريق عمل شراكات مع الشركات السعودية، ونرى في هذا السياق أسماء كبيرة مثل "إكسون موبيل"، "شيفرون"، و"سموتومو" وغيرها، ولا سيما أن القوانين السعودية الخاصة بهذه الحالات تعتبر مشجعة جداً.
* الاستقرار السياسي والأمني، وهو من أكبر النعم التي وهبها الله لهذه البلاد الكريمة.
وفي الختام نرى أن كل هذه العوامل أدت إلى ظهور صناعة بتروكيماوية عصرية بكل المقاييس، قادرة على التنافس مع أكبر الشركات العالمية، ويجب أن نذكر أن هناك عامل إضافياً يعلل أسباب زيادة الاستثمارات البتروكيماوية، سواء الوطنية أو الخارجية في المملكة، ألا وهو وجود بنية تحتية على أعلى المقاييس والمستويات العالمية، وهذه البنية جاهزة (أو تجهز) في كل من الجبيل وينبع ورابغ لاحتضان المشاريع البتروكيماوية والكيماوية المستقبلية.
وكشاهد على نجاح هذا الدعم وهذه البنية التحتية في المملكة الذي تتطلب الكثير من الجهد والعمل المتواصل والتضحيات، فإننا نرى أن المملكة تستحوذ الآن على 7 في المائة من الصادرات العالمية للبتروكيماويات، ومن المتوقع أن تنمو هذه النسبة بصورة كبيرة في السنوات القليلة المقبلة بعون الله وتوفيقه.

* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران
[email protected]

الأكثر قراءة