Author

اكتتابات الوهم والكوارث المتوقعة

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> سألني قريب إن كان باستطاعته تحويل شركة المحروقات التي يمتلكها إلى مساهمة عامة، وطرح أسهمها للاكتتاب العام، فأجبته بنعم!. لم يقتنع بإجابتي ما دعاه إلى تكرار السؤال مع إضافة معلومات تفصيلية عن رأس المال وعدد محطاته المنتشرة في أنحاء المنطقة، وحجم المبيعات، إضافة إلى الأرباح السنوية. رددت دون تحفظ؛ قد أجبت بنعم قبل الشرح وأزيد "نعم وربي" مرغما على الحلف بعد اليقين، عطفا على ما سمعت من أرقام خيالية، واعتمادا على ما رأيت في سوق الإصدار. بدأت أقرب له الصورة، وأقارن بين نشاطه الحالي المميز، ونشاط بعض الشركات الخاصة التي لا تقارن بشركته، والتي تحولت إلى مساهمة عامة أكسبت ملاكها ثروات طائلة من خلال علاوات الإصدار الخيالية التي لا تستحقها، استوقفني معقبا: "هذا نوع من أنواع التلاعب في التقييم" قلت لا تتعجل فالتلاعب بالتقييم أصبح ضربا من ضروب المحاسبة التي ابتلي بها اقتصادنا الوطني، ولا أستبعد أن تكون لدينا مستقبلا قوائم مالية خاصة بغرض التحول إلى مساهمة عامة، أسوة بالقوائم المالية التي عادة ما تقدم إلى مصلحة الضرائب في بعض الدول الأوروبية. سألني بحزم: "هل يندرج هذا ضمن الأعمال المباحة شرعا؟"، أجبت دون تردد، "كلا. بل هو الحرام بعينه، وهو نوع من أنواع الغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل". لم يكتف بأسئلته المتشعبة، وهذه المرة أصر على معرفة السر في نجاح هؤلاء على بيع شركاتهم البائسة للمساهمين، وفق النظام وتحت أعين المسؤولين، قالها بطريقة ساخرة جدا مردفا: "أحتاج من الوقت شهورا طويلة لإنهاء تسجيل بعض أنشطتي التجارية الخاصة، وأضطر إلى تقديم بيانات، والتزامات، ومستندات تجعلني أحيانا أتراجع عن تنفيذ المشاريع الفريدة، فكيف ينجح هؤلاء من حيث أفشل أنا" أجبت: لا تعليق!!!!. قال: ومَن المسؤول عن ذلك؟ قلت الجميع دون استثناء وبمستويات مختلفة؛ وأكملت مستشهدا: تعلم أنك عندما تبدأ في استيراد بعض بضاعتك من الخارج فإنك تضطر إلى فتح اعتمادات مستندية عن طريق البنوك، وتشترط ضمن فتح الاعتماد شروطا خاصة وأخرى عامة تتطلبها مصلحة الجمارك ووزارة التجارة والبنوك، وتعلم أيضا أنك تتسلم تلك المستندات مصادقا عليها من غرف التجارة الدولية، وقبطان السفينة، وشركة الشحن، إلا أنك قد تفاجأ أحيانا بأن حاويات البضاعة المستوردة أتتك فارغة، أو مليئة بأغلفة الوهم، وربما بالحجارة، في الوقت الذي التزم فيه البنك المصدر بدفع المبلغ بغض النظر عن محتوى الحاويات!، بمعنى أنه اعتمد على المستندات الرسمية دون أن يقحم نفسه في مضمون الحاويات. ولو أنك رجعت للبنك محتجا على ما تعرضت له من غش وخيانة، فإنك ستجد الجواب المعد سلفا وهو: "نحن نتعامل مع المستندات الرسمية ولا علاقة لنا بالبضاعة". هز قريبي رأسه موافقا ثم تذكر شركات التفتيش، فصرخ في وجهي: ولكن يفترض أن نلجأ لشركات التفتيش والمعاينة في ميناء التصدير إن أردنا ضمان سلامة العلاقة التجارية ووصول البضاعة دون تزييف. قلت وهل تفعل أنت ذلك؟ قال كلا فهي مكلفة. قلت دون تردد: وهذه أيضا لا تطبق هنا، إلا أنني أعتقد بأن تطبيق عملية التفتيش على بعض الشركات الراغبة في طرح أسهمها للاكتتاب العام يمكن أن يظهر لنا كثيرا من المبالغات في أرقامها المالية، ولعلنا نكتشف المصانع التي يتحدثون عنها وقد تحولت إلى أحواش ومظلات شبيهة بورش تغيير الزيوت وإصلاح السيارات. أعتقد أننا افترقنا على شبه اتفاق بنتائج الحوار، وهو ما أعطاني مساحة جيدة للتفكير والتأمل في وضعية بعض اكتتابات الشركات التي لا تستحق أن تدرج في سوق الأسهم السعودية، عوضا عن حصولها على علاوات إصدار خيالية جعلتها تتفوق سعريا على كثير من شركات العوائد في قطاعات الصناعة، الخدمات، والكهرباء. يمكن القول إن بعض ما يحدث في سوق الإصدار حاليا هو أشبه ما يكون بالاستغلال النظامي الذي يستنزف أموال المواطنين ويمهد لحصول كوارث مالية مستقبلية في سوقي الإصدار والتداول. الأرباح التي يحققها المستثمرون من عمليات الاكتتاب قد تغطي على سلبيات التقييم الحالية، وتجعلهم أقل حساسية تجاه علاوات الإصدار المرتفعة، وهو أمر لا يمكن القول باستمراريته. فطرح أسهم الاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية في سوق التداول قد يتسبب في عزوف المستثمرين مستقبلا عن سوق الإصدار، ما قد يخلق أزمة حقيقية في تغطية الاكتتابات وتوفير ضامن الاكتتاب بسبب ارتفاع نسب المخاطرة. يمكن أن ننظر لاكتتاب شركة طيبة الأخير كمثال حي على ما قد تواجهه السوق الأولية مستقبلا بسبب ارتفاع علاوات الإصدار. الكوارث المتوقعة في سوق التداول ناجمة عن إدراج شركات ضعيفة في سوق الأسهم ما يجعلها هدفا للمجموعات، ولملاكها الأصليين الذين سيقاتلون من أجل رفع أسعارها السوقية بغية التخلص مما تبقى لديهم من أسهم التأسيس بعد انتهاء مدة الحظر الرسمية، مشكلين فقاعات جديدة قد تتسبب، مستقبلا، في انهيار السوق. التعجيل في طرح أسهم بنك الإنماء، الخطوط السعودية، السكك الحديدية، الموانئ، ومشاريع الدولة الضخمة، إضافة إلى التعجيل في طرح أسهم زيادة رساميل الشركات الرائدة كـ "اتحاد اتصالات"، وغيرها، هي ما يحتاج إليه السوق والمستثمرون، وهي الداعم الحقيقي لسوقي الإصدار والتداول، وما عدا ذلك فهو لا يعدو أن يكون وسيلة لإثراء الأقلية على حساب الأكثرية. والله من وراء القصد.
إنشرها