بريطانيا تعيش فيضاً من تدفق الأيدي العاملة من أوروبا الشرقية
تعيش السوق البريطانية في ذهول حالياً، حيث ارتفعت نسبة البطالة العمالية في الوقت الراهن إلى نحو 5.5 في المائة. وهذه أعلى نسبة منذ ستة أعوام.
مع أن معدلات البطالة في الكثير من دول القارة الأوروبية تسجل أعلى بكثير من تلك النسبة. وبالرغم من هذا فإن هذه المسألة لا تدخل السرور للبريطانيين، حيث تفاخرت الدولة على مدى أعوام بمعدل التشغيل الكامل لديها. وفي الحقيقة، أن معدل البطالة العمالية المرتفع في العادة إشارة إلى الضعف الاقتصادي في الدولة. ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو الواقع في بريطانيا، حيث تحسّن الوضع الاقتصادي بعد كساد طفيف من جديد. وهكذا عدّل بنك بريطانيا توقعاته بالصعود نحو الأعلى. والآن صار من الممكن القول إن مستشار الخزانة، جوردون براون، أثبت مقدرته بشكل كبير. و يبدو أنه قادر على الوفاء بما خصصه من دخل الضرائب. ومن الممكن أن ينمو الاقتصاد البريطاني هذا العام بنحو 2.8 في المائة، و3.1 في المائة خلال العام المقبل.
ولكن ليس معدل البطالة العمالية في بريطانيا الذي يشهد ارتفاعاً فقط، ولكن حتى نسبة التوظيف مسألة تحتاج لإعادة النظر فيها. حيث إن الارتفاع الأخير في حجم البطالة العمالية، يتزامن مع تعزيز في حجم التوظيف إلى نحو 29 مليون يد عاملة، وهذا الرقم يُعد معدلاً قياسياً في تاريخ الاقتصاد البريطاني. ويُعزى هذا إلى قدوم نحو 400 ألف يد عاملة من وسط شرق أوروبا، والذين عمدوا إلى تسجيل أنفسهم في سوق العمل البريطانية منذ عام 2004. وهنا يدور الأمر حول الأيدي العاملة الوافدة من الدول الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصا البولنديين الذين يحظون بنشاط واسع وكبير في بريطانيا في مجالات مهن الإنشاء والخدمات في الفنادق والمطاعم، وفي إنتاج المواد الغذائية.
ولقد كانت بريطانيا، إلى جانب السويد، وايرلندا، إحدى الدول القليلة من دول الاتحاد الأوروبي التي أمّنت مدخلاً حراً أمام الأيدي العاملة الوافدة من أوروبا الشرقية مباشرةً عقب انضمام تلك الدول إلى الاتحاد الأوروبي في أيار (مايو) من عام 2004. ولاحقاً فرح البريطانيون بتدفّق الأيدي العاملة الشابة والمجتهدة، لأن الدولة احتاجت في أقوى وأطول فترة ازدهار اقتصادي لها إلى أيد عاملة رخيصة. وبالإضافة إلى هذا، عمل هذا التدفق على وقف ارتفاع الأجور والأسعار، حيث يتقاضى نحو ثلثي الوافدين الحد الأدنى من الأجر. وبالفعل أدى هذا التدفق من الأيدي العاملة الرخيصة، وبالأخص في قطاع الصناعة الإنشائية، ومعالجة المواد الغذائية، وفي مهن الفنادق، بالحد من تدافع معدل الأجور إلى الأعلى، والذي شهدته بريطانيا خلال العامين الماضيين. والآن تدور المناظرات في بريطانيا، فيما إذا كان بإمكان الدولة العمل على تعزيز فيض الأيدي العاملة الجديدة. وبصورة عامة لم تتوقع الحكومة لدى فتح سوق العمل هذا الحجم من التدفق من أوروبا الشرقية. وفي الواقع أن معدل 400 ألف لا يضم سوى هؤلاء المسجلين لدى السلطات البريطانية. وتفترض الحكومة، أن الرقم الحقيقي للوافدين من أوروبا الشرقية يبلغ بالأحرى نحو 600 ألف فرد.
وازداد الوضع حدة، حيث إن المزيد والمزيد من البريطانيين، الذين لم يكونوا مؤهلين أصلاً لسوق العمل فيما مضى، يبحثون عن العمل في الآونة الأخيرة، وبالأخص منهم النساء، وكبار السن. ولم يتبقى للكثير من المتقاعدين، نظراً للأجور الهزيلة، وسيلة أخرى سوى العمل أكثر حتى بعد بلوغهم 65 عاماً من العمر، حيث إن تكاليف الحياة ارتفعت، وهذا يُعزى إلى ارتفاع أسعار الطاقة نحو الثلث، وكذلك فوائد الرهن العقاري والقروض العقارية. ويشكّل المتقدمون في السن نحو الثلث من الحجم الإجمالي من الأيدي العاملة، والتي تقدّمت حديثاً خلال الأشهر الاثني عشر شهرا الماضية إلى سوق العمل.
وحتى الآن شهدت بريطانيا موجة من التوظيف في القطاع العام بجزء كبير من الأيدي العاملة. ولكن هذا أصبح من الماضي، حيث أن مستشار الخزانة، جوردون براون، مُجبر على وقف ارتفاع النفقات في القطاع العام. ولكن فرص العمل الجديدة التي يحققها القطاع الخاص غير كافية لتغطية الحجم المتزايد من عروض الأيدي العاملة. ولهذا تشكل نسبة البطالة العمالية المتزايدة الكثير من القلق في بريطانيا، حيث إن الأيدي العاملة المضافة خلال العام المقبل من دول الانضمام الجديدة، منها رومانيا، وبلغاريا، ستعمل على زيادة حدة الوضع تأزّماً. وبدأت صرخات الاحتجاج بالانطلاق منذ الآن، تلك التي تطالب بالعمل على الحدّ من الدخول الحرّ أمام الأيدي العاملة الوافدة من رومانيا، وبلغاريا.
والسؤال يبقى، فيما إذا كان الوافدون من أوروبا الشرقية يؤدون فعلاً إلى سلب فرص العمل من البريطانيين. من الممكن أن تكون هذه هي الحال في قطاع الأجور المتدنية. ولهذا يشكو الحرفيون البريطانيون بشدة من منافسة زملائهم الوافدين من أوروبا الشرقية. ولكن على ما يبدو أن تأثير موجة الوافدين في المناصب عالية التأهيل ضئيل جداً. وهذا يُبيّن، لماذا يظهر ارتفاع الأجور والمرتبات في بريطانيا مفرطاً إجمالاً. حيث ردّ بنك بريطانيا مباشرةً على هذا برفع سعر الفائدة. وإذا ما أخذ المرء الارتفاع القياسي لمدفوعات العلاوات المرتفعة للقطاع المالي ضمن الحسبة، يسجّل نمو الأجور والمرتبات نحو 4.3 مقابل العام الماضي.
ومن ناحية أخرى، فإن تأثيرات الأيدي العاملة الوافدة من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا محدودة. أغلب الوافدين شباب عزاب، ويطمحون إلى العودة من جديد إلى وطنهم. وبرغم هذا، يوجد الكثير من المهاجرين الذين يُقيمون ويستوطنون في المملكة، ويسحبون عائلاتهم، يُقبلون على المقاعد الدراسية، ويسهمون في الأنظمة الاجتماعية، وهم يدفعون الضرائب أيضاً. إن بريطانيا تعيش اليوم من جديد نتائج سوق العمل المنفتحة والمرنة فعلاً، كما في السابق غالباً. لقد تمتعت الدولة خلال الأعوام الأخيرة بحجم من النمو الاقتصادي الخالي من التضخم، الأمر الذي أسهمت فيه الأيدي العاملة الوافدة من أوروبا الشرقية. وتشير البطالة العمالية، إلى أ، سوق العمل البريطانية حددت لنفسها سعات الفيض الدائم والكبير من المهاجرين.