يجوز التنفل في السفر على الراحلة سواء كانت سيارة أو طائرة حيث توجهت, ويسقط استقبال القبلة في هذه الحالة بإجماع أهل العلم، حكاه أكثر من واحد كابن عبد البر والنووي والحافظ ابن حجر وغيرهم، وشرطه ألا يكون سفر معصية يدل على ذلك حديث عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله وهو على راحلته يسبح يومئ برأسه قبل أي وجهة توجه, ولم يكن يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة" رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته" رواه البخاري ومسلم.
والحكمة من التخفيف في ذلك بإسقاط الاستقبال عن المسافر لأن الناس محتاجون إلى الأسفار فلو شرط فيها الاستقبال للنافلة لأدى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم، ووقع خلاف في جواز ذلك في الحضر وكذا في السفر القصير وفي لزوم افتتاح الصلاة باستقبال القبلة، ومن ثم سقوطه في بقية الصلاة وهذا ما سأبينه.
فأما سقوط استقبال القبلة في صلاة النافلة داخل البلد فإن الأظهر والله أعلم هو عدم سقوط استقبال القبلة في صلاة النافلة داخل البلد لعدم ورود دليل صحيح يدل عليه، ولأن الغالب في أهل البلد اللبث والمقام فلا مشقة عليهم في النزول من سياراتهم واستقبال القبلة بخلاف المسافر فإنه يشق عليه الوقوف والنزول لصلاة النافلة خصوصا إذا جد به السير، لذا أبيح له التنفل بصلاة الضحى وقيام الليل والوتر وهو في وسيلة النقل، لذا فإن الفرق ظاهر بين المسافر ومن هو داخل البلد، ثبت عند البخاري من حديث جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة".
أما السفر القصير الذي لا يبيح القصر فقد وقع خلاف بين الفقهاء في سقوط شرط استقبال القبلة في صلاة النافلة أثناء السير في مثل هذا السفر, فمذهبا الحنفية والشافعية والصحيح من مذهب الحنابلة أنه يسقط استقبال القبلة في صلاة النافلة على الراحلة في طويل السفر وقصيره لعموم الأحاديث الدالة على سقوط استقبال القبلة، فلم تفرق بين القصير والطويل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر وكان يصلي على الدابة تطوعا جهة خيبر، أخرجه مسلم في باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به.
ولأن القول بإسقاط استقبال القبلة شرع من باب التخفيف في صلاة التطوع كي لا يؤدي إلى قطعه أو تقليله فاستوى السفر الطويل بالقصير، وكما أن الجمعة تسقط عمن كان خارج البلد فيقاس عليه سقوط استقبال القبلة في صلاة النافلة على الراحلة، وهذا القول هو الأظهر فهو يتقوى بعموم الأدلة التي لا مقيد لها، والنافلة يجوز فيها ما لا يجوز في الفريضة, ومن ذلك صحة الصلاة فيها قاعدا مع القدرة على القيام لحديث عائشة مرفوعا: كان يصلي ليلا طويلا قاعدا" رواه مسلم. وإلى الملتقى.
