قضية أخلاقية خاسرة
<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>
(4) اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية
يُصر مناصرو ومؤيدو إسرائيل على تكريس عدة أمور وعلى رأسها:
ـ القيمة الاستراتيجية لإسرائيل
ـ أنها دولة ضعيفة ومحاصرة من الأعداء في جميع الاتجاهات
ـ أنها منارة للديموقراطية وهو الشكل الأفضل والأمثل الذي تفضله أمريكا والغرب شعوباً وحكومات
ـ أن اليهود عانوا كثيراً في الماضي وتعرضوا لجرائم بشعة ومن ثم وجب معاملتهم معاملة خاصة
ـ أن سلوك إسرائيل الأخلاقي أفضل من سلوكيات خصومها كافة
وبالتدقيق في هذه النقاط كافة سنلاحظ القصور والعجز والإفلاس في مضمونها، وبقليل من الموضوعية سيكتشف الجميع أنها شعارات غير مقنعة. ورغم اقتناع معظم الأمريكيين على امتداد الأعوام بأهمية إبقاء إسرائيل على خريطة العالم إلا أن حجم ما وصلت إليه من قوة وعدوانية يلغي هذا القلق. بل إن النظرة الموضوعية تؤكد أن سلوك إسرائيل في الماضي والحاضر لا يقدم الأساس الأخلاقي الذي يؤهلها للتميز على الفلسطينيين.
ومن المعروف للجميع أن هناك صورة ثابتة يعززها اللوبي الإسرائيلي بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية. وهي صورة الدولة الضعيفة المحاصرة، وهي استمرار لصورة "داود" اليهودي الذي يحاصره جوليات أو جالوت العملاق الذي يمثل العرب العدوانيين. وهي صورة تحظى بالتغذية والتجديد وحسن الإخراج من جانب زعماء إسرائيل وجميع المتعاطفين معها من الكتاب والصحافيين. ولكن الصورة الحقيقية عكس ذلك تماماً.
فعلى عكس ما تم ترويجه حتى أصبح يمثل الاعتقاد العام فإن الصهاينة كان لديهم قوات عسكرية أكثر عدداً من القوات المصرية والعربية أثناء حرب إنشاء الدولة الصهيونية من 1947 إلى 1949، فضلاً عن تفوق تجهيزاتها وتميزها بقيادات خاضت غمار الحرب العالمية الثانية. وفي سنة 1956 حققت قوات "الدفاع" الإسرائيلية انتصارات سريعة وسهلة ضد مصر في أثناء العدوان الثلاثي، كما حققت نصراً ساحقاً على مصر وسورية والأردن سنة 1967، قبل أن تتدفق على إسرائيل المعونات الهائلة والمساعدات العسكرية الكبيرة. وهذه الانتصارات تقيم الدليل الساطع على القوة العسكرية الإسرائيلية فضلاً عن حسن تنظيمها وحماس أفرادها ولكن الأهم من ذلك أنها تؤكد أن إسرائيل لم تكن أبداً ضعيفة أو عاجزة كما حرصت أبواق الدعاية المشتركة بين الدولة ومناصريها في أمريكا على تأكيدها، منذ بدايتها.
واليوم لا يختلف اثنان على أن إسرائيل هي أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط. بل إن مسمى الشرق الأوسط الذي أصبح يتفوق على مصطلح العالم العربي جاء نتيجة لهذه القوة والحرص الأمريكي على تأكيد مسمى جديد تكون إسرائيل لاعباً أساسياً فيه (مشروع الشرق الأوسط الجديد).
والقوات التقليدية الإسرائيلية تفوق بمراحل وبقوة ما لدى كل جيرانها، وهي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة (يلاحظ إضفاء التعتيم الإعلامي المستمر على هذه الحقيقة وتوجيه الضوضاء إلى إيران مثلاً). وقد قامت كل من مصر والأردن بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل ويعرض الغير توقيع مثل هذه الاتفاقيات. وقد فقدت سورية الكثير من مخالبها وأنيابها عندما خسرت راعيها في موسكو، أما العراق فتتعرض لحملة تقويض وإضعاف لا مثيل لها في أعقاب دخولها ثلاثة حروب كبرى (ضد إيران وضد أمريكا وحلفائها مرتين) إلى جانب التدهور الداخلي الذي ينذر بحرب أهلية تأتي على ما تبقى "برعاية أمريكية لا تخلو من شبهات تحريض إسرائيلية". والفلسطينيون لا يملكون قوة تذكر، إذ لديهم قوة شرطة ضعيفة وليس لديها أي كيان عسكري يهدد إسرائيل. ومع ذلك لا تخجل أقلام أمريكية صهيونية من ترديد أسطوانة التهديد الذي تتعرض له إسرائيل. وحسبما أظهر تقرير صدر سنة 2005 عن مركز جافي للدراسات الاقتصادية التابع لجامعة تل أبيب إن التوازن الاستراتيجي في صالح إسرائيل بقوة، وقد نجحت إسرائيل في توسيع الهوة النوعية بين قدراتها العسكرية وقوة الردع لديها وبين ما لدى جيرانها".
فإذا ما كان هناك حاجة لدعم الأضعف فإن على الولايات المتحدة أن توجه دعمها ومساعدتها لخصوم إسرائيل، فهم الأضعف بشدة.
وثمة تبرير مستمر للدعم الأمريكي المكثف لإسرائيل يتمثل في أن إسرائيل "رفيقة على درب الديمقراطية" تحاصرها دكتاتوريات معادية. وهذا منطق يبدو في ظاهره مقنعاً ويدفع إلى تصديق المقولة أن الولايات المتحدة وإسرائيل حريصان على استمرار النظم - الدكتاتورية لتبرر الدعم المستمر، ولكنه منطق مبالغ فيه، ولا يبرر هذا التصعيد في المساعدات لإسرائيل.
ودليلنا أن هناك عشرات الديمقراطيات في العالم ولكن لا يوجد بينها من يتلقى هذا الدعم أو أي دعم على الإطلاق. بل إن الولايات المتحدة قامت بانقلابات على أنظمة ديموقراطية وشعبية لصالح ضباط انقلابيين مغامرين حملوا بلادهم إلى درب التهلكة، وفسرت واشنطن ذلك أنه لمصلحة الولايات المتحدة. ومن منا ينسى انقلاب الجنرال جمال جورسيل التركي ضد حكومة عدنان مندريس المنتخبة، أو انقلاب الجنرال أيرونسي في نيجيريا ضد الحكم الديموقراطي للرئيس أبو بكر تيفاوا باليوا وأحمد وبيللو إلى جانب انقلاب سوهارتو على الزعيم الشعبي سوكارنو في إندونيسيا وانقلاب أنكراه على الزعيم الشعبي نكروما في غانا، وأكثر من عشرة انقلابات في المكسيك والبرازيل وشيلي "بنيوشيه بدلاً من الليندي اليساري" وفنزويلا وبوليفيا وكولومبيا وأكوادور وبيرو وباراجواي والأرجنتين إلى جانب جمهوريات الموز (هندوراس – نيكاراجوا – جواتيمالا – سلفادور – بليز – وهاييتي وكوستاريكا وغيرها). والطريف أن معظم من أطيح بهم كانوا ينادون بالديموقراطية والليبرالية ولكن الرئيس جونسون حرص على إرسال مبدأ أن الديموقراطية ليست مشاعاً للجميع، وأن المبدأ الوحيد هو المصالح – ولعله كان أكثر رؤساء أمريكا صراحة ووضوحاً في هذا الصدد. كما ينبغي ألا ننسى أن الولايات المتحدة لها علاقات صداقة بعدد من الدكتاتوريات المكروهة حول العالم، فالمعيار هو المصلحة مما يؤكد أن ورقة الديموقراطية كمبرر للمساندة العمياء لإسرائيل ورقة متهاوية ومتداعية.
كما أن منطق "المشاركة في الديموقراطية" يضعف من جراء عناصر في الممارسة الإسرائيلية للديموقراطية تصطدم مباشرة بالقيم "الديموقراطية" الأمريكية. فالولايات المتحدة ديموقراطية ليبرالية يتمتع فيها الفرد بحقوق متساوية مع جميع أفراد المجتمع بصرف النظر عن عرقه ولونه ودينه أو جنسه. أما إسرائيل التي تأسست صراحة كدولة يهودية تعطي جنسيتها على أساس الدين وتحت أيدينا نصوص وأدلة وبراهين من قلب صحافة وكتابات إسرائيل على شاكلة "اليهود هم الأفضل" و"لا للزيجات المشتركة" وهو ما يؤكد تفاقم العنصرية المضادة لأي شكل من أشكال الديموقراطية. وبهذا المفهوم فإن سكان إسرائيل من العرب والبالغ عددهم 1.3 مليون مواطن يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وكما أبرزت إحدى الدراسات الإسرائيلية التي أجرتها إحدى اللجان الحكومية، فإن معاملة هؤلاء العرب تتم بأسلوب ينم عن الاستعلاء والتجاهل والإهمال والتمييز.
وعلى المستوى نفسه من العنصرية، لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين الذين يتزوجون مواطنين إسرائيليين بأن يصبحوا إسرائيليين ولا يعطى للزوج أو الزوجة في هذه الحالة الحق في الحياة في إسرائيل. وقد أطلقت منظمة بتسليم Btselem العاملة في حقل حقوق الإنسان – وهي منظمة إسرائيلية – تعبير "غير إنساني وعنصري" على هذا القرار وقالت إنه يعني أن العنصرية هي القيمة الأعظم في إسرائيل. وقد نفهم هذا التوجه الإسرائيلي على ضوء تكوين إسرائيل من الأساس، ولكنه يصطدم حتماً بصورة الأمريكيين عن الديموقراطية. فمن هو المسؤول عن تعمية الأمريكيين وتضليلهم عن انتقاد هذا السلوك المخل؟ إنه اللوبي المستشري في أرجاء الإعلام ودوائر صنع الرأي والصورة وتشكيل المواقف ولا ينسى أحد أن ترنم الصهاينة بالحديث عن الديموقراطية تصطدم أبداً بموقفهم القبيح من رفض حقوق الفلسطينيين في إنشاء دولة قابلة للحياة والاستمرار. فهي تتحكم في مقادير نحو أربعة ملايين مواطن في الضفة الغربية وغزة وتحتل الأراضي التي عاش عليها الفلسطينيون لآلاف السنين. وإذ تعلن إسرائيل رسمياً أنها دولة ديموقراطية تمارس الديموقراطية في الانتخاب والحكم إلا أن الفلسطينيين الذين تسيطر عليهم – محرومون من حقوقهم السياسية كافة. ومن ثم فإن أي حديث عن "مشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل في الديموقراطية وتطابق أسلوبهما في الحريات" هو حديث لا يعدو لغواً فارغاً.