"فسَّرَ المِشْكِلْ بأشْكَل"
<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
المعرفة ضالة حيوية ومهمة للإنسان المتحضر في العصر الحديث، والمتطلع لمستقبل أفضل، في مجتمع تتزاحم نشاطاته للبقاء المستدام أمام المتغيرات والمستجدات التي تفرضها طبيعة الحياة الداخلية ومواجهة الضغوط الخارجية، والالتزامات لتنظيمات متفق عليها دولياً، وهي أقرب لشعوب أكثر تقدماً، دون تقدير لأهمية فهم السلبيات المحتملة على خلافها، ولا الاهتمام بتقصيها وبدون القدرة المعرفية لفهمها.
فاقد الشيء لا يعطيه ولا يعرف حقيقة خسارة الاقتصاد الوطني لنقص المعرفة والتقانة محلياً، ولا يعي سرعة أهمية تصحيح الإعوجاج لتوجهات مسيرة الاقتصاد الوطني والتقدم لتوفير احتياجاته الصحيحة لمنابع العلم الحديث، بفكر ثاقب وانفتاح نابه بعيد عن الْبلادة لاستشعار النواقص والمحبطات من الفكر التعليمي السائد ونقص فاعلية الوسائل والأساليب غير المكتملة من الأماكن والفصول وأعداد الطلبة التي تحتويها والمناهج وحتمية تطوير وصقل كفاءة المعلم ليقوم بمسؤولياته التدريسية ويفهم الفرق بين خيار الثمر ومضار الجمر على النسيج الاجتماعي الإنتاجي الذي نواقصه تشغل العباد دون وقفة تحصر أعدادها وترتب أوضاعها رغبة في التعامل معها والاستمتاع من الخيرات المتوافرة على قدم وساق دون الوعي لقيمتها والحمد لله لبقائها وحفظها من الزوال.
التباين الواسع لفرص الاستفادة من الخيرات للمواطنين محلياً من المعطيات القومية ضار، وبعثرتها بثقل متحيِّز لاعتبارات غير واضحة وتفسيرات معلنة وغير مبررة لأهداف مجملة حول احتياجات الاقتصاد الوطني وتخص مواطنيه لمسافات متباعدة يفرغ المصلحة ويؤكد نقص عطائها من استمرار الارتجالية في تنفيذ المهام وتقديم الخدمات دعماً لمبدأ النشاطات المتعلقة بحياة الإنسان على أرض الوطن.
التقدم الاجتماعي والاقتصادي لنصف قرن لم يتحقق من فراغ، وركض خلف قيامه واستمراره عزيمة خلاَّقة وقيادة حكيمة مؤسساتية وكيانات متعددة مسايرة الزيادة السكانية وتزايد الطموحات، بعد أن توسَّعت وكثرت بوفرة هبة الدخل الريعي وتحسنت المعيشة والخدمات الاجتماعية لبعض المناطق وعزيمة الرجال وحنكتهم في البحث عن الجديد المفيد وإدخاله في التركيبة الاجتماعية تجانساً مع العقائد السائدة والمفاهيم القائمة، واعية لاحتمال زيادة متطلبات قوة الفكر العلمي الحديث القادم للداخل مع الغير من الخارج بقوة وعنفوانية، قد تفلت تأثيراته و"تطرطع" مقوماته بما يخرج عن القدرة المحلية لاستيعابه وهضمه بعد أن فقدت القدرة لتحافظ على قديمها، ولم تتهيأ لتصبح قادرة على استيعاب جديدها، فائدة للتقدم والنماء، عوضاً عن اهتمامهم بالمظهر الغربي أكثر من المخبر المعرفي العلمي المهني، والنقل "بالمسطرة" دون استيعاب تأثير اختلافات القيم وعلاقاتها بالالتزام.
تنمية المدارك لتفهم المسؤوليات الاجتماعية والأمانة الوطنية في إحسان العمل وإتقان أدائه تستفيد من توسع المعارف القائمة على الناتج العلمي والبحثي المؤسساتي المتشبِّع بالعادات والتقاليد والقيم والمفاهيم بالقدر المتوافر محلياً على أسس علمية واضحة المعالم. العكس المخيف من تلاشي همة المدارك ودهسها كلما نقص الفهم، وضعف قدر البحث العلمي وقلَّ عطاؤه وتغلب عليه التدفقات البحثية الخارجية. القناعة المتوافرة من المتابعة المحلية للبحث العلمي توفر القناعة أنها بلا فاعلية وتفتقد القيمة العلمية النافعة ولا توفر إضافات علمية قيمة محسوسة وملموسة يمكن قياسها ومقارنتها بأبحاث مقارنة محلياً وإقليمياً ودولياً (سواء فيما يتعلق بالبحوث العلمية الرصينة والأصيلة المبدعة ذات القيمة العلمية المرتفعة في علوم الاتصالات وعلوم الحاسب وعلوم البرمجيات ...) والمهارة والإدارة والاقتصاد والصناعة والتعليم والثقافة والرياضة وأمن الوطن.
مكتسبات نصف قرن تدخل في أساسيات تكويناتها سلبيات اجتماعية وعلمية وثقافية ومعيشية، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان المواطن. إن من الغبن إدارة ظهورنا لها، لأننا لا نعرف عن تفشيها أو جهل لداخل مظهر تقدمنا، لا يعفينا من مسؤولية متابعتها أسباب هايفة ومبررات جوفاء. الاهتمام بالبحث في أمورها كنشاط أساسي للتنمية والنمو وفق خطة وطنية يتوافر لها الضبط والربط لا تختلف عن المفهوم العسكري لترابط المحاور العلمية والعملية في توفير حماية الوطن من تهديدات الجهل داخلياً والغزو الفكري الخارجي والبعد عن التشدد محلياً بحجة دفع الذرائع أو تكاسلاً في الإصلاح. الحاجة للتلاقي الفكري والشفافية والوضوح في طريق حياة أفضل، مما يتطلب تضييق فجوة التخلف في الثقافة والمعرفة وتوفير قاعدة متساوية للتناغم مع المخترعات والتقدم العلمي في مجالات الحياة المختلفة، لنصبح مطوعين للتقانة ومطورين لها بجانب استيرادنا، ونوفر صيانتها وإدارتها بطرق علمية توفر إضافات لقيمتها المستوردة وتمثل تقدما في التقنية والمعرفة، وزيادة الخير من حسن إدارة تطويع التقانة لتقوية مكاسب فوائد معطيات هبة الدخل الريعي للمواطن بدرجات متفاوتة في الثراء كل حسب عمله ومجهوده وعلمه ومعرفته والحاجة لتنمية القدرات في مشاركة فرص الأعمال التنموية.
قد نختلف على المسببات وحجم المشكلة في تخلفنا وأسلوب معالجتها وخيارات الصرف عليها. لا بد أن نتفق لحتمية تيقظنا لعدم قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل بعثرة الخير من الدخل الريعي في نمو يتشكل وفقاً لمبررات مفترضة خارجة عن الأطر المرسومة والمدروسة لتحقق تنمية طريقها تحقيق النمو الذي يوفر مجالات العمل والاستثمار لشرائح متعددة وكبيرة من الاقتصاد الوطني، ويتدرج في إدخال ما لا يقل عن 50 في المائة من الشباب والكبار العاطلين محدودي الدخل والفقراء.
البحث العلمي الخيار الأمثل لمعرفة أحسن الطرق والمسالك لاستثمار الزيادة في هبة الدخل القومي في مجالات العلم النافع والتقانة والأخلاق والقيم. التنمية الاقتصادية الاجتماعية المتأثرة بأفكار قاصرة على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وخريجي هارفارد وما شابهها، بدون الغوص في واقع حياة الناس ومشاكلهم وطموحاتهم في الاقتصاد، لا تخص الاهتمام بتنمية مواهب وقدرات المواطن بجانب تنمية المنشأة. الوقت حان لنراجع الحسابات القديمة ونتعلم من عبرها وإفرازاتها، ونتحاور في الخيارات والاتفاق على المسارات وفق خطة للهدف الوطني الاقتصادي الاجتماعي على أسس علمية تضم أصحاب اختصاص في الدوائر المختلفة الترابط للتنمية الاقتصادية الاجتماعية.
صادف استعدادي جمع أفكار بحث هذا اليوم، وقوع بصري على منقول الكلام لمحاضرة ألقاها الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز عام 1997 فيما يتعلق بمصادر تهديد دول مجلس التعاون الخليجي، وقوله (كيف نتحدث عن الأمن الجماعي مع غياب المصلحة المشتركة؟ وكيف نخطط للدفاع المشترك مع عدم اتفاق على الخطر المشترك؟ وكيف ننادي بالحماية المتبادلة في ظل وجود الشك المتبادل؟ وكيف نستشرف المستقبل الواحد ونحن نعيش الحاضر المنقسم المفكك؟)، والبدائل المتوافرة في محاضرته متعددة لقوله (البديل الأول: الإبقاء على الوضع الذي نحن عليه دون أن يكون لنا هدف واضح ، ولا دور فعَّال، وبغير أن نعرف كيف نلحق بقطار العصر، ولا كيف تكون لنا بصمة في الحياة، فكل قد حدَّد دوره، وكل يؤمِّن مراكزه على أبوابه ومخارجه، تحت سمعنا وبصرنا، ونحن نفهم ونسكت، ونحن نسكت ولا نفهم)، وانتهت المحاضرة بأهمية (الاتفاق على الهدف المشترك).
تعدد الأفكار الاقتصادية والتوجهات الاجتماعية تثري معرفية الحقائق للأوضاع القائمة والفرص المتوافرة والمقترحات المقدمة في اجتماعات علمية متخصصة مفتوحة ومقالات مكتوبة وآراء متناقلة تجمعها أهداف صريحة وواضحة للمشكلة الاقتصادية وفقاً للمراحل المتعلقة بها والتغيرات التي تطرأ عليها وتغير الأحوال والظروف وزيادة المعلومات السليمة ووضوح الفرص الاستثمارية العامة والخاصة بالأسلوب الذي يستهدف اشتراك المواطن في بناء الوطن تحريراً لقدراته وتحسيناً لدخوله بعد أن اعتبرنا من أولويات عناصر التحدي الاقتصادي الاجتماعي البطالة والفقر والتخلف المهني والفجوة الكبيرة التي تبعدنا عن العالم الغربي في العلم والمعرفة والتقانة.
الأسلوب الغربي التقني متفوق على جميع المستويات، لكن هذا لا يعني أن نأخذ الأمور من قصيرها ونصبح من جهته مديرين لشهاداتنا من جامعات الغرب، نعمل من خلف "ماصات" ومن جهة أخرى معقبين وكتبة صادر/ وارد، وبيننا خبرات أجنبية من بقية البشر. طالما أننا لا نقبل أن نُصنِّف شاطر ومشطور، فحري بنا أن يتوافر لاقتصادنا تكامل السلم الهرمي الوظيفي بالكفاءات المطلوبة والمكافآت المناسبة.
الوفرة يعيشها الاقتصاد الوطني منذ منتصف السبعينيات وعمرها يزيد على ربع قرن. ليست حقيقة أننا ندخل في الطفرة الثانية، لأن العرض مستمر في الدخل وزيادته والقصور في همم الرجال. حان الوقت لأن لا نعطي الغير الجزء الأوفر من الدخل الريعي لخدمتنا في التشييدات وبعضنا يتفرج في تكديس الأموال وكثرتنا تشكو الفقر والتخلف المعرفي الحديث. تجربة ربع قرن مضت تعطي القناعة أن استمرار الحال من المحال لتعظيم الاستفادة من زيادة الدخل الريعي، ولا بد أن تهتم جهودنا للتنمية المستدامة ضمن مشاركة عددية لمواطنين عاطلين وفقراء بعد تلقيهم العلم الحديث والمعرفة العصرية بفكر منفتح أكثر مما نحن عليه دعماً لنجاح هذا التوجه والاهتمام بالبحث العلمي، ليصبح ضرورة ولا خياراً لمعرفة الطريق السوي والاتفاق على الهدف الاقتصادي الاجتماعي والبعد عن الإدارة عن طريق اللجان وتفعيل طريق النمو من ضمن التنمية الشاملة. الوقت سيف قاطع لهمم الرجال والنساء إذا أضعته. والله أعلم.