الرؤى والأحلام (2)
<a href="mailto:[email protected]">d_almakdob@hotmail.com</a>
كثير من يتهافت في هذا الزمان على المفسرين للرؤى ويشغلون أهل العلم بأحلام سيئة أو أخلاط مواقف لا رابط لها، لذا شرع أهل العلم في بيان علامات لأضغاث الأحلام أو الرؤيا السيئة, وعلامات للرؤيا الصادقة حتى يفرق الناس.
فمن علامات أضغاث الأحلام أو الرؤى الفاسدة أن النائم يرى في منامه مناظر متناقضة ومتداخلة، لا يعرف أولها من آخرها، ومن علاماتها أن بعض الناس يمرض فيرى في منامه ما يوافق مرضه، ومن علامتها كأن يرى مستحيلات لا يمكن أن تقع، أو يرى ما تحدث به نفسه في اليقظة، ومن علامات الرؤيا الصادقة انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة، ومن علاماتها أن يكون الرائي معروفا بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا" وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته، ومن علاماتها أن يعرف أولها وآخرها، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها، ومن علاماتها أن تكون تبشيرا بالثواب على الطاعة أو تحذيرا من المعصية.
والرؤيا الصالحة قد تكون واضحة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.
فإن الرائي لحال كثير من الناس اليوم يرى أخطاء فادحة تجاه الرؤى وجهلا ذريعا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، لذا فهذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في ذلك.
أولا: انشغال الناس بهذه الرؤى وتقديسها، وصرف الأوقات الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعليم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر قدره فلا إفراط ولا تفريط.
ثانيا: إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تعبير الرؤى، مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يسأل أصحابه بعد الفجر: "من رأى منكم رؤيا؟". فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقاس عليه غيره، وكان في طور تنزل الوحي ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تعبير الرؤى، ولا سيما وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف بتعبير الرؤى.
ثالثا: من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها، ففيه إثم عظيم، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تحلم بحلم لم يره كلف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" قال الإمام الطبري رحمه الله: "الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره".
رابعا: بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدا إلا وقد سأله عنها، وقد يسأل أحيانا جهالا لا يفقهون فيها شيئا. تفسير الرؤى يا رعاكم الله ـ علم ليس لأي أحد أن يتكلم فيه، سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يلعب؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما" أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتيا في الرؤى، يتكلم بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".
خامسا: يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب الرؤى والاعتماد عليها، فكلما رأى في منامه شيئا فتح كتابه، ألا فليعلم أن الرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، وقد تكون الرؤيا واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف.
جاء رجل صالح لابن سيرين فقال: رأيت أني أؤذن في المنام فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى: "وأذن في الناس بالحج" وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام فعبرها له بأنه يسرق لقوله تعالى: "ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون".
وختاما من أراد الرؤيا الصالحة فعليه بالصدق في أقواله وأفعاله، وألا ينام إلا على وضوء، وينام على جنبه الأيمن، ويأتي بالأوراد الثابتة عند النوم، ويسأل الله الخير، ولا يغتر بما يرى ولو عبر بما عبر فالإمام أحمد رحمه الله يقول: "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره".