"التجارة العالمية" تبقى دون حلول بديلة

"التجارة العالمية" تبقى دون حلول بديلة

كلا، لم يمت مجلس الدوحة، حتى وإن وصفت وسائل الإعلام العالمية "المهمة بالفاشلة"، أو اعتبرته"يوماً أسود للتجارة العالمية" أو بمثابة "النهاية للأطراف المتعددة"، لكن هذا لم يتضح بجلاء بعد. و ما هو ثابت فعليا، هو أن مفاوضات منظمة التجارة العالمية ( WTO) انفضت دون نتائج تذكر. هذا يذكرنا بحالـة حدثت قبل ذلك مرة في هذا المجلس بعد مؤتمر الوزراء الذي انعقد في مدينة "كانكون - Cancun". حتى جلسة الأوروجواي تلقت من قبل مثل تلك الصدمات حتى قبل أن تنتهي في عام 1994 إلى ختام جيد، وذلك بعد ثلاثة أعوام من تعليق المفاوضات. والشيء الملفت للانتباه هو ألاَّ أحد من الأعضاء يستطيع أن يؤكد كيف ومتى سيتم التواصل في هذه المسائل. حتى أن نداء ألمانيا الموجّه إلى رؤساء دول رابطة الثمانيـة الكبار (جي G-8) للتعاون فيما بينهم للوصول الى نتائج ملموسه حتى نهاية آب (أغسطس) من هذا العام، بقي للأسف دون نتيجة مؤثرة.
انقطاع محادثات الوزراء في رابطة الدول الست الكبرى، وهي أستراليا، البرازيل، الاتحاد الأوروبي، الهند، اليابان، والولايات المتحدة مسأله صعبة لكن إيقاف المفاوضات هو أشد وقعا من ذلك الذي صاحب تقليص الفروق المرجو تجاوزها إلى مستوى قياسي منظور. من خلال المفاوضات لم تتعرض السياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي للخطر، وكذلك لم تؤد المفاوضات إلى تسليم رقاب الدول النامية لرغبات الدول الكبيرة في التصدير، بل أكثر من ذلك، فقد جلبت جلسة الدوحة مجموعة كافية من النتائج الطيبة كتلك المحاولات الحثيثة لاندماج وتكامل الدول النامية في نطاق التجارة العالميـة.
عندما أعلن وزراء منظمة التجارة العالمية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 في الدوحة عن عقد جلسة تجارية أخرى جديدة. حدث ذلك في الواقع في ظل أحداث 11 أيلول (سبتمبر). الهدف من الجلسة التنموية المنعقدة في الدوحة هو ما يمكن أن تسهم به الجلسة وعلى المدى البعيد في إيجاد فرص معيشية جيدة في الدول النامية وبتر الشريان المغذي للإرهاب والعنف. كما أن تحرير الأسواق الزراعية في الدول الصناعية لعب دورا مهما هنا ومنذ خمسة أعوام.
محادثات الدول الستة الكبرى التي منيت بالفشل أظهرت في النهاية إمكان التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف ما بين المطالبة بدخول أفضل إلى الأسواق الزراعية وبين مسألة متابعة انفتاح الأسواق العالمية أمام المنتجات الصناعية والخدمات.
الاتحاد الأوروبي كان له دور بناء في نجاح مؤتمر الوزراء لمنظمة التجارة العالمية في هونج كونج في كانون الأول (ديسمبر) 2005 حيث تم التوصل إلى نتائج بينيـة كانت في الدرجة الأولى تصب في مصلحة الدول النامية. في هذا المقام أوجه حديثي إلى أعضاء منظمة التجارة، بأن عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار بأن كل ما تم إنجازه في هونج كونج مهدد بالإخفاق في حال فشل مؤتمر الدوحـة.
على الرغم من كل الدلائل والمؤشرات على الاستعداد التام لقبول حلول وسط، لكن المحادثات فشلت في نهاية الأسبوع الماضي حول موضوع الزراعـة. وانقطعت المحادثات حتى قبل أن تتم مناقشة أهم موضوع يخص ألمانيا وهو دخول المنتجات الصناعية والخدمات إلى الأسواق العالمية. وبهذا نكون قد ضيعنا فرصة أخرى سنحت لنا لتحريك عجلة التجارة العالمية قدما، ليس فقط لصالح الدول الصناعية فحسب، بل لصالح الدول النامية في المقام الأول.
نتيجة للمفاوضات المتقطعـة يتواجد الآن طوفان من الإعلانات حول توسيع اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية كبديل لنظام التجارة متعدد الأطراف. جميع الدول تحاول من خلال مثل هذه الاتفاقيات تمكين اقتصادها من الحصول على مزايا تنافسية جيدة في الأسواق المهمة، وحتى الآن يوجد ما يقارب من 300 اتفاقية في التجارة الحرة بين معقودة أو قيد الابرام. من جانبه كانت ردة فعل الاتحاد الأوروبي على مثل هذه التطورات نابعة من مبادرات ذاتية، وتخوض دول البحر المتوسط ودول الميركوسور (البرازيل، الأرجنتين، البارجواي، الأوراجواي، وفنزويلا) ودول الخليج محادثات مع شركاء من دول آسيويـة مختلفه.
الاتفاقيات الثنائية لا تعتبر علاجاً نهائياً بل تمثل أفضل حل بديل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وهنالك أخطار في هذه الاتفاقيات، والتي تكمن في إعاقة التعاملات غير المعقدة في التيارات التجارية العالمية، وإيجاد شكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تكاليف إدارية إضافيـة عاليـة جدا. وهذا يمثل للدول المتوسطة في التصدير عناء إضافياً وثقلاً زائداً دون أي نمو في السوق بالمقابل.
إضافة إلى ذلك يجب التذكير بأن المحادثات والمفاوضات في الاتفاقيات الثنائية قد تمتد إلى سنين طويلـة، وأكبر مثال على ذلك المفاوضات القائمة منذ 1999 بين الاتحاد الأوروبي ودول الميركوسور. أما مع دول الخليج فتجري مفاوضات منذ عام 1990 حول إبرام اتفاقية للتجارة الحرة والتي تخللتها انقطاعات متعددة. المعضلة الكامنة في هذه المفاوضات الثنائيـة، كما هي أيضا في منظمة التجارة العالمية، هي كيفية التوصل إلى حل يرضي الطرفين فيما يخص الدخول إلى أسواق المنتوجات الزراعية والصناعية والخدمات.
لهذا فإن انقطاع المحادثات في جلسة الدوحة نهائيا لم يكن له عواقب اقتصادية فحسب، بل أيضا عواقب سياسيـة متوسطة المدى. وأساس التنظيم المحدد من قبل المنظمة العالمية للتجارة أصيب بضعف في جوهره بشكل كبير مما أدى إلى تهديد كيان نظام تسوية النزاعات. والخلافات التجاريـة - كما يروي التاريخ - يمكن أن تؤدي إلى نزاعات وأزمات سياسية حادة بين الدول، تتهاوى على أثرها التجارة العالميـة إلى تجارة دهاليز ومجالات مؤثرة، وتتحول في الوقت نفسه السياسة التجارية إلى سياسة تملك نفوذاً تكون ثقلا وعبئاً على الدول النامية الضعيفة اقتصاديـا وهذا ما لا يلائم الجميع بالطبع.
ولهذا السبب لا يوجد في النهاية أي بديل مقنع لنظام التجارة متعددة الأطراف. هذا الإنجاز لو تحقق فسيسهم في هدم الموانع التجارية، والجمارك و تقليص المعونات المالية، وكذلك إلى تبسيط المعاملات الجمركية ودعم التعاون الجماعي على مستوى واسع بين الدول. كل هذه التسهيلات التجارية كانت من الممكن أن تكون من مصلحة الدولة المصدرة رقم 1 ألمانيا وبصورة ملموسة، وكذلك كادت هذه التسهيلات أن تدفع إلى تأثيرات إيجابية على نمو الاقتصاد العالمي. والعديد من الدراسات العالمية تتوقع في هذه الحالة تحقيق أرباح عامة تقدر بمئات المليارات، وكذلك إلى مشاركة الدول النامية في اندماج أفضل في التجارة العالمية.
لهذا السبب لا يسعني إلا أن أناشد أعضاء منظمة التجارة العالمية، في البحث عن طرق وأساليب جديدة لحل المسألة المتأزمـة. ولتحقيق مثل تلك الحلول يجب أن تعي جميع الأطراف السياسة المعنية أن الاهتمام بعيد المدى بإنشاء نظام تجاري ثابت يراعي بالدرجة الأولى التشغيل والنمو، هو أهم بكثير من تكتيكات سياسية قصيرة المدى، مردها أولا الفوز بالانتخابات والتألق الشعبي ليس إلا.

الأكثر قراءة