قال الحبيب "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"

هي كلمات قليلات ولكنها جوامع الكلم عن رسول البشرية, صلى الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين", وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد نفس المعنى في سورة يوسف عليه السلام وذلك على لسان يعقوب عليه السلام "‏‏هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل"، ‏رسالتي هذه المرة موجهة بكل الحب والتقدير والحرص إلى كل مستثمر في سوق الأسهم السعودية ممن وجدوا أنفسهم ومنذ الخامس من شباط (فبراير) في خضم خسائر متلاحقة سواء خسائر اسمية لمن لم يبيعوا، أو خسائر حقيقية عندما قرر البعض الخروج من السوق أو من حاول التعديل والتبديل للمحافظة على ما تبقى من رأس ماله, وكذلك ممن خرجوا من صناديق الاستثمار وقرروا تسييل أموالهم في تلك المحافظ. وقد وقفت على بعض القصص التي يشيب لها الولدان.
وهي تحمل تحذير واضح وصريح كما هي رسائلي منذ أكثر من سنتين عن سوق الأسهم ولكنها تختلف عن الرسائل السابقة كونها بعد 25 شباط (فبراير), حيث أنه قبل ذلك لم يستمع أحد أو لم يشأ أحد أن يصغي لسبب بسيط وهو أن المؤشر كان في حالة نمو هستيري، وبالتأكيد كل ما قلت لم يكن ينطبق على أرض الواقع وبالتالي المستثمر "الذكي" يشاهد ما يجري ويمشي معه ولا يستمع لمن يحذر. بينما الآن الجميع يعاني من التراجع الحاد الذي شهده مؤشر سوق الأسهم.
آمل وأتمنى أن يواجه الجميع أنفسهم ويحللوا نتيجة الاندفاع إلى سوق الأسهم. أعتقد وأتمنى أن يستمعوا ويستوعبوا لأن ذلك هو خُلق وديدن المؤمن كما ذكر ذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عندما قال ونفذ "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وفي رواية لا يلسع، وهو بذلك ينفى صفة الإيمان عن المؤمن الذي لا يحذر من شيء سبق أن لدغة، وقصة الحديث بشكل مختصر كما تروى أن أبا عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ظفر به الرسول, صلي الله عليه وسلم, في معركة أحد بعد أن أطلق سراحه في معركة بدر, وقد طلب من الرسول, صلى الله عليه وسلم, أن يقيل عثرته ويعفو عنه للمرة الثانية، فقال عليه السلام في المرة الثانية والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين ثم أمر بضرب عنقه، فضُرب.
ومنذ 25 شباط (فبراير) فإن الجميع كما ذكرت لُدغ ولٌسع، إلى درجة أن الكثيرين طفح بهم الكيل، وبدوا بالتذمر العلني والسخط على ما يحدث, ولولا تدخل خادم الحرمين الشريفين, أطال الله عمره، كان يمكن أن تكون المأساة أكثر فتكون بأربعة ملايين محفظة، إلا من فر بجلده أو بمعرفته بخفايا الأمور وهم قله قليلة، والذين قد يكونون هم سبب ما حصل السوق الأسهم، ويبقى السؤال: هل سوف يلدغ أو يلسع المساهمون الآخرون مرة أخرى عندما يحاول بعض كبار المضاربين جر السوق إلى أهدافهم الآنية والضيقة من جديد؟
والله لا أتمني ذلك لأني أحسب أننا مؤمنون, والرسول نفي الإيمان عمن يلدغ من جحر مرتين. فهل نعي الدرس جيدا ونقطع الطريق ونساعد الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال على إنجاز مهمته الصعبة كما قال؟ إنه يحتاج إلى الدعم والمساندة من إخوانه المواطنين. وكما فرح الجميع بقدومه وحتى يمكن لنا ترجمة هذه الفرحة إلى شيء ملموس يجب العمل معه على عدم الانجرار خلف بعض المضاربين الذي لا يلون فينا إلاً ولا ذمة، هذا هو التحدي الحقيقي الذي لن يستطيع أي مسؤول إنجازه إلا بمساعدة المستثمرين على اختلاف إمكانياتهم المادية ومستويات ثقافتهم الاستثمارية لهذا المسؤول، وذلك من خلال وقف سياسة اتباع الكثرة للقلة دون تفكير أو تمحيص، وكذلك علينا الاعتزاز بالنفس ومعرفة قدرات كل واحد منا لنفسه ومن ثم اتخاذ القرار المناسب في كيفية وطريقة الاستثمار بناء على تلك الإمكانيات والقدرات.
والرجاء الأخير هو أن علينا أن نعي أن هناك دروسا معينة يمكن أن نقول عنها إنها مشتركة يجب أن نتذكرها جميعا وباستمرار، رغم أن التجربة الشخصية لكل واحد منا كفيلة بأن يكون لدى كل واحد منا النتائج والاستنتاجات الخاصة به ولكن لا يمنع من أن نتشارك في النتائج والاستنتاجات وذلك للمصلحة العامة ومن تلك الاستنتاجات:
أولا, إن الاستثمار المباشر لغير المتخصص هو في كل الحالات ذو مخاطر عالية جداً، وللتدليل على ذلك ورغم أن متوسط التراجع في السوق بلغ نحو 50 في المائة، إلا أن الشريحة العظمي من المستثمرين فقدوا أكثر من تلك النسبة بكثير وقد وصلت في بعض المحافظ إلى نحو 80 في المائة و85 في المائة، وبكل أسف لا يزال نحو 90 في المائة من عدد المحافظ في السوق يدار بشكل مباشر من قبل مستثمرين أفراد وليس مؤسسات يفتقدون الحد الأدنى من الدراية والخبرة اللازمة لإدارة محافظهم بشكل مباشر.
ثانيا: إن الشراء وبناءً على المعلومات "الخاصة" تتخلله مخاطر عالية, كما أنه في المقابل عوائده قد تكون عالية، وبالتالي على المستثمر أن يعي تلك الحقيقة, والقرار في النهاية هو للمستثمر.
ثالثاً: لا توجد نصيحة مجانية "ببلاش"، حتى ولو ظهر لك ذلك من صديق أو قريب، فوراؤها ما وراؤها من فرق تعمل بهدف التضليل وجر المستثمرين إلى رغبات المضاربين الذين هم وفي جميع الحالات كاسبون والمستثمر البسيط خاسر. وما حدث قبل 25 شباط (فبراير) من هروب محافظ معينة دليل على ذلك، فلم يترددوا لحظة واحدة في الهروب والمحافظة على مكاسبهم وترك الجميع بلا رحمة حتى من كانوا يروجون لهم تُركوا ولم يعلموا إلا آخر الناس بذلك الهروب، ولا يحتاج ذلك إلى دليل فقد اختفى الكثيرون منذ ذلك التاريخ بعد أن تكشفت الأوراق.
رابعا: إن أسواق المال هي أسواق التخطيط المستقبلي وليست المضاربة اليومية التي هي ليست جريمة ولكنها ليست كل شيء، وحتى المضاربين الكبار فهم لا يضاربون بكل ما لديهم ولكن بجزء منه، كما أني أعرف حالة من بعض كبار المضاربين في بداية التسعينيات الماضية دخل صاحبها السجن بعد أن كان يدير محفظة بأكثر من ملياري ريال. وانتهى الحال به مفلسا لا يملك حتى بيته. فما بالك بمن لديه مبالغ محدودة وليس لدية خبرة ومعرفة بالمضاربة، أو يكون مقترضا لهذا الهدف.
هي رسالة محبة وصدق لمن لدغوا ولسعوا في سوق الأوراق المالية السعودية، وإن شاء الله هي تجربة مرت نأمل الاستفادة منها كما كانت الحال مع تجارب أخرى قاسية، ولكننا اكتشفنا أن الله أَراد بنا الخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي