جلوريا .. لماذا كانت هنا؟.. من وجهة نظر فلبينية

<a href="mailto:[email protected]">najeeb@sahara.com</a>

في الفلبين لاسم السعودية وقع خاص، تكاد تكون الأكثر تداولا بين الناس وفي الإعلام بعد الولايات المتحدة. والعلاقة مهمة جدا، وتختلف عن معظم علاقاتنا مع دول العالم، فهي في أغلبها علاقة بشرية بحتة.. أكبر عنصر نأخذه من الفلبين هو البشر، وهم يصدرون لنا أهم ما عندهم.. نفس البضاعة.

واختلط اسما أمريكا والسعودية في الفلبين بين الوهم والحقيقة، ومن معرفتي بالشعب الفلبيني فهم أكثر شعوب العالم نمطية، تجدهم كلهم يتحمسون ويصدقون معلومة واحدة بغض النظر عن مدى ثبوتها.. إنهم شعب تتشابه بينهم السلوكيات وطرائق التفكير. فبينما الولايات المتحدة هي الجنة الموعودة، رغم آلاف قصص الفشل والمعاناة، فالسعودية بلد المال والظلم .. والمطاوعة والسجن. وخذ أي فلبيني في المملكة، أو في كل الأرخبيل الفلبيني وتجد أن هذين الكلمتين هما الأكثر تخويفا وإرهابا في تصورهم لبلدنا.. وذلك بعد صور عديدة ليس مدعاة للفخر مثل سوء المعاملة، وخرق العهود، والتحرش بالنساء الفلبينيات.

منذ زمن وأنا أحاول مع مجموعة من الفلبينيين، وبتعاون مع السفارة السعودية في مانيلا تغيير الصورة النمطية في قطاع الاقتصاد في تطوير التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين إلى عناصر اقتصادية أخرى، ونصطدم بالنمطية الفلبينية باللعب وراء الستار وضمان الكسب المريح ولو على حساب التخطيط للسمعة البعيدة، فهم يحبون أن يتقاولون بالباطن، ويؤمنون على أموالهم.. لا أكثر، ولا أقل. ومفهوم الاستثمار الخارجي في الفلبين ثقافة شحيحة جدا، والتفاهم مع المستثمرين في بلدانهم نظرة رسمية حكومية ليس لأنهم خالين من رجال الأعمال الكبار، ولكن لنقص روح المغامرة، ولندرة العقليات العصامية البناءة، وارتباط الكبار بالحكومة بشكل عضوي في الغالب.. لذا جاءت زيارة السيدة "جلوريا ماكاباجال أرويو" مفهومة جيدا من هذه النمطية الواضحة في المشهدين الاقتصادي والدبلوماسي في الفلبين.. وتثبته التقارير التي قرأتها لكبار الكتاب والمحللين في صحفهم الكبرى مثل مانيلا بولتين، و"الدايلي ستار"، و"بيبول".. وغيرها.

ومن السهل أن تخرج بصورة غير شاقة عن الرأي هناك في زيارة الرئيسة للمملكة، فهم يؤكدون أن الرئيسة جلوريا تمر بمحن صعبة، وقضايا شائكة هزت سمعتها وأضعفت ثقتها أمام الشعب، وتهدد كامل مستقبلها السياسي، من قضايا تبدأ بفساد العائلة الأولى، ولا تنتهي بسوء الحكم في قضايا المناطق الجنوبية والوسطى، ولعب في صناديق الاقتراع، وانقسام حاد في الإدارة التنفيذية، لذا كان يجب على جلوريا أن تعمل شيئا لإنقاذ الوضع, فلما استحالت إعادة الأواني المتكسرة في الداخل، يممت بوصلتها للزيارات الخارجية، تحت شعار مهم ويلهب الروح النمطية الفلبينية:"رفع العلم الفلبيني خفاقا في الخارج".. ويقولون تريد إثبات أنها ليست مقصية عن زعماء العالم الكبار، وفي الفلبين كما يرى كتابها ومحللوها أهم زعيمين هما الملك عبد الله، والرئيس بوش.. بل شيء أكثر.

وهذا الشيء الأكثر، أن المحللين من معلوماتهم - وأسهل شيء في دنيا الفلبين هو تسرب المعلومات، والشائعة من نمطيات السلوك الجماعي - هو أن الرئيسة كان أمامها خياران لتحسين صورتها في الداخل ضمن زيارة خارجية مهمة وحاسمة ومصيرية، فإما الولايات المتحدة، وإما السعودية.. وجاء الاختيار في مصلحة الخيار السعودي.. لأن السعودية أهم، لماذا؟ سأقول لك، أو أتركهم هم يقولون..

قلنا عن التهاب الوطنية الفلبينية واختلاط الوهم والحماسة مع الحقيقة، فالعزف دائم على كرامة وحق الفلبيني في الخارج، ويطلقون عليهم وصفا فيه من الفخر الوطني الكثير بالعاملين وراء البحار.. وهي الورقة التي تلعب بها جلوريا. الفلبيني مهان كفرد في الداخل، واسأل من يعرف مجتمعهم من كثـَب، فحق الفرد ضائع ومسحوق، وبناتهم يقفن طوابير لمتعهدي الترفيه في الخارج وبالذات في اليابان، والفقر المدقع وسوء الخدمات للفرد واضحة. وأعترفُ بأن الفردَ الفلبيني مُعـَدٌّ بأكبر كمية من التفاؤل والأمل والحلم من كل أفراد الأرض..

يقولون لك إن الزيارة – فضلا عن أهم عنصر وهو عنصر تنظيف صورة جلوريا - كانت تديرها ثلاثة تروس. الترس الأول: النفط. الترس الثاني: السعي الحثيث للانضمام بصفة مراقب على الأقل في منظمة الدول الإسلامية. الثالث التوسط للعفو وطلب الرحمة من الملك عبد الله عن السجناء الفلبينيين في السجون السعودية..

بالنسبة للنفط، فهم ينفضون أياديهم من كل وعود جلوريا البراقة في الحصول على معاملة خاصة من السعودية في الأسعار، لأن سوق النفط يفوق الوعود، ولن يعطي السعوديون وعدا سعريا في سوق يلتهم النفط التهاما خصوصا مع اليقظة الماردة في الهند والصين .. بل إن السعوديين بفعل عوامل السوق الجارفة من الصعب أن يعدوا حتى ببرنامج إمداد طويل للنفط ناهيك عن أي وعدٍ سعري.. لذا فإن جعبة جلوريا ليست مليئة هنا.

وحققت تقدما في مسألة الانضمام إلى منظمة الدول الإسلامية، وإن كان هذا لا يعترض عليه الشعب الفلبيني ولكن ليس من أولويات شعب أغلبيته الجارفة من الكاثوليك المتدينين (حسب الطريقة الفلبينية!)

إنما الورقة الذهبية هي التوسط لدى عاهل البلاد في مسألة السجناء، ولقد منح الملك عفوا لأكثر من 340 مسجونا فلبينيا، وهذا – بفعل النمطية الوطنية التي حدثتك عنها ـ أحدثت فرقعة كبرى في الأوساط الفلبينية في الداخل والخارج.. ونجحت جلوريا هناك نجاحا باهرا.. وسترتفع نقاط شعبيتها.

أخرج بأن الرئيسة – بوصفهم - هي دبلوماسية أكثر من كونها اقتصادية، وأنها لم تحقق الكثير في المسألة الاستراتيجية الاقتصادية بين البلدين، وشراكة أرامكو مع "بترون" الفلبينية تصور لك الاستاتيكية في المحصلة الواقعية في العقلية الفلبينية.. هذا ما فكرت فيه جلوريا، وحصلت عليه!

الفلبين لا تعي قدراتها الاستثمارية، ولن تستطيع أن توصلها لأحد بحكم نمطيتها المعتادة. ولكن هل نترك الفلبين اقتصاديا واستثماريا؟ لا، قطعا.. فهي منجم اقتصادي، خصوصا في الجنوب.
.. والمناجم تحتاج إلى المنقبين!‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي