Author

كيف تأثر الاقتصاد السعودي من رحلتي صعود سوق الأسهم وانهيارها ؟

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> شهدت سوق الأسهم السعودية خلال عام 2005 طفرة غير مسبوقة في أحجام التعاملات وأسعار الأسهم، حتى خيل لكثير من المتداولين بأن السوق السعودية لا يمكن لها أن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، أما المحافظون فكانوا يؤكدون على أن السوق مهيأة للعودة إلى مستوى 16000 نقطة كنوع من التصحيح المنطقي للمؤشر. مع بداية شهر أيار (مايو) الحالي كانت الصورة أكثر وضوحا للفريقين، وللمواطنين على حد سواء. فقد خسر المؤشر جميع مكاسبه خلال العام الماضي، وخسرت أسعار غالبية الأسهم أكثر من 70 في المائة من قيمها الحقيقية. أكثر من تريليون ريال هي المحصلة النهائية لخسارة سوق الأسهم السعودية، إضافة إلى الخسائر الاجتماعية الفادحة. في رحلتي الصعود والانهيار، تعرض الاقتصاد السعودي إلى خسائر كبيرة يصعب تعويضها خلال عقد من الزمان، ومن أبرز تلك الخسائر، الفشل في استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة وتسخيرها من أجل خلق قاعدة للتنمية المستدامة، والعجز عن تحقيق النمو المتوازن لسوق الإصدار والقطاعات الإنتاجية الأخرى، وأخيرا الخسائر المالية والمعنوية الفادحة التي أوشكت أن تختفي بين أمواج السوق العاتية، وطوفان الانهيار العظيم. بالرغم من الخسائر الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد السعودي، إلا أن البعض مازالوا يقاتلون من أجل عزل سوق الأسهم السعودية عن الاقتصاد الوطني العام من خلال اختزال دور سوق الأسهم في عمليات التداول اليومية، اعتقادا منهم بأنها أصبحت من ملهيات العصر التي تصد المواطنين والمواطنات عن ممارسة واجباتهم الدينية والدنيوية، ولهذا السبب فإنهم لا يجدون غضاضة في تمني زوال السوق من أجل الفكاك من تبعاتها (الشيطانية) التي أورثت الويلات للشعب السعودي. سوق الأسهم هي المحرك الحقيقي للاقتصاد الوطني العام، والتي تنبثق من خلالها القوى الإنتاجية والمالية مشكلة منظومة اقتصادية متكاملة. هي أشبه ما تكون بالقلب الذي يضخ الدماء في شرايين الاقتصاد العام، ما يجعلها أكثر روافد الاقتصاد حاجة للحماية والدعم، والنأي بها عن منزلقات الانهيار. يخيل لي أن البعض ما زال ينظر بجزئية للاقتصاد العام، وهو نوع من الخلط في المفاهيم، ولعل ذلك الخلط الكبير كان سببا من أسباب الفشل في توقع نتائج الانهيار، وتحديد حجم الكارثة. النظرة غير المكتملة لسوق الأسهم السعودية، هي التي دفعت بكثير من الاقتصاديين والمهتمين بالشأن العام إلى التدخل العلني، والمطالبة بالتصحيح القسري لمسار السوق الصاعد قبل شهر شباط (فبراير) الماضي، متذرعين بأن ارتفاع السوق الجنوني أدى إلى تعطل المصالح وقطاعات الإنتاج. تلك النظرة هي التي كرست، فيما بعد، نظرية عدم التدخل في سوق المال وتركها لمواجهة مصيرها المحتوم، وربما المخطط له. كان من الممكن أن تصحح السوق نفسها دون تدخلات خارجية ساعدت في تأزيم الموقف ومضاعفة الخسائر. بحثت في أرشيف الصحف والمجلات السعودية الصادرة في الحقبة الزمنية التي شهدت طفرة العقار، وطفرة المخططات الرملية التي لا يعرف مكان لها على أرض الواقع، علني أجد بعض التحذيرات من إشغال المواطنين بتلك الطفرة، أو الحديث عن بيوع الغرر التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في ذلك الوقت، فلم أعثر على انتقاد واحد يكشف عن خطورة دفن ثروات المواطنين في الصحاري الجرداء وتحت الكثبان الرملية التي لم تقم لها قائمة حتى يومنا هذا. أليس الأمر غريبا أن تختلف نظرة الأوصياء باختلاف نوعية الاستثمار؟ لا أريد التوسع في هذه النقطة بالذات ولا أريد أن أتهم أحدا بشيء فقط أحاول أن أربط بين رافدين من روافد الاقتصاد الوطني، تعرضا لبعض المشاكل والمخالفات، وأثرا سلبا على قطاع الإنتاج في حقبتين مختلفتين، إلا أن المنظرين تغاضوا عن طفرة العقار وما خلفته من سلبيات، وصبوا جام غضبهم على طفرة الأسهم!. نعم لم تخل طفرة الأسهم من المنغصات والمشاكل الكثيرة، والمآسي التي لا تحتمل، إلا أن كل ذلك لا يعطي للآخرين الحق بتمني زوال سوق الأسهم أو بالتدخل من أجل إنزال السوق بطريقة قسرية. قضي الأمر، وحدث ما حدث، دون أن نعلم كيف حدث، لكننا أيقنا، كما أيقن الآخرون، بأن العلاج المستخدم كان أكثر إيلاما وإحداثا للضرر من المرض نفسه. نجحت العملية الجراحية، ومات المريض! هل انتهت القضية وأسدل الستار على مأساة انهيار سوق الأسهم؟ كلا، فالفواتير التي لم تسدد كثيرة، والمشاكل الاجتماعية المستقبلية ستكون أكثر فتكا بالمجتمع، والله المستعان. نعترف بأن الاقتصاد السعودي لم يستفد كثيرا من عملية الطفرة الكبيرة التي حدثت في أسعار الأسهم، بل لعله واجه بعض المشاكل والضغوطات الجانبية جراء تضخم الأسعار. فالسيولة المتضخمة في السوق السعودية لم تستغل في القطاعات الإنتاجية ذات العلاقة بسوق الأسهم، بل إنها وجهت مباشرة لسوق التداول من أجل المتاجرة وتحقيق الربح السريع. باختصار شديد، كانت السيولة المتضخمة تبحث عن قنوات استثمارية مباشرة في سوقي الأسهم، الأولية والثانوية، وبسبب عدم توافر الفرص الاستثمارية في السوق الأولية، سوق الإصدار، توجهت جل السيولة المتضخمة إلى السوق الثانوية، وهو ما أدى بالتالي إلى تضخم الأسعار وتضاعف المؤشر. كان من الأجدى أن توجه تلك السيولة إلى قطاع الإنتاج من خلال طرح الشركات الجديدة في السوق الأولية، أو من خلال تخصيص أسهم الحكومة المهيأة لامتصاص السيولة المتضخمة من السوق بكل يسر وسهولة. أمر من ذلك لم يحدث، وهو ما حدا بالمستثمرين إلى توجيه سيولتهم إلى السوق الثانوية، سوق التداول. ترى من الملام في هذا؟ قطعا الجهات الرسمية هي المسؤولة عن ذلك التقصير من باب أنها لم توفر قنوات الاستثمار المنتجة في السوق الأولية في الزمن المناسب، ولو فعلت لما اضطر المستثمرون إلى مراودة سوق التداول من أجل استثمار أموالهم. تأخر الجهات الرسمية في طرح الشركات الضخمة القادرة على امتصاص السيولة كانت أحد الأسباب الرئيسة المتسببة في كارثة سوق الأسهم. خسر الاقتصاد السعودي فرصة استغلال ثروات المواطنين في تأسيس الشركات الجديدة، أو استغلالها في تخصيص أسهم الدولة، ثم خسرها مرة أخرى بعد أن تبخرت في سوق التداول بعد الانهيار العظيم. هذه هي الخسارة الحقيقية التي تعرض لها الاقتصاد السعودي في فترة ارتفاع السوق. أما بعد الانهيار العظيم، فإن السوق خسرت قوتها وتوازنها وثقة المستثمرين فيها، وهو ما قد يؤثر سلبا في عمليات التخصيص القادمة، كما أن ذلك سيؤثر دون أدنى شك على تقييم الهيئات الاقتصادية الدولية لسوق المال السعودية ما قد يكون عامل طرد حقيقي للاستثمارات المالية الأجنبية. خسر المواطنون ثرواتهم ومدخراتهم، وصحتهم، وتحمل آخرون الديون الثقيلة وأمورا أخرى لا حصر لها. أما الاقتصاد، فقد خسر أكثر من تريليون ريال كان من الممكن استغلال الجزء اليسير منها في تحويل المملكة إلى واحدة من أكبر الدول الصناعية في الشرق الأوسط. أو على أقل تقدير كان يمكن استغلال تلك الأموال المهدرة لسداد جزء من الدين العام من خلال تخصيص حصة الدولة في الأسهم القيادية التي تمثل 70 في المائة من مجموع الأسهم المصدرة من خلال الطرح المباشر، أو عمليات التقاص الحكومية بين المؤسسات والمنشآت المالية. نهاية مأساوية، وخسارة فادحة، والجميع ما زالوا يبحثون عن الأسباب والمسببات، وآخرون وهم كثر ينتظرون قاع الانهيار الذي أصبح كالشق العميق الذي لا قاع له.
إنشرها