حُسن الخُلق (1)
<a href="mailto:[email protected]">d_almakdob@hotmail.com</a>
شأن الأخلاق عظيم، ومنزلتها عالية، فالدين هو الخُلق، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا، وأحسنهم أخلاقا أقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
ولقد تظاهرت نصوص الشرع في الحديث عن الأخلاق، فحثت وحضت ورغّبت في محاسن الأخلاق، وحذّرت ونفّرت ورهّبت من مساوئ الأخلاق، بل إن رسول الله بيّن أن الغاية من بعثته إنما هي لإتمام مكارم الأخلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق"، وقال الله لنبيه: "وإنك لعلى خُلق عظيم". قال ابن عباس ومجاهد: لعلى دين عظيم، وقال الحسن: هو آداب القرآن. وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق النبي فقالت: كان خُلقه القرآن. ولما أنزل الله جلّ وعلا على رسوله قوله: "خُذِ العَفْو وَأْمُرْ بالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ". سأل جبريل عن معناها، قال: لا أدري حتى أسأل، ثم قال: إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. وقال عن عباده: "وَإذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالوا سَلاماً".
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، قال أنس: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من رسول الله.
ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله، ولقد خدمت الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟ ولقد أخبر أن البر هو حسن الخُلق، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلق، وأن الله ليبغض الفاحش البذيء". وقال: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان مُحِقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"، قال ابن القيم: "وهذه كلها يشملها حُسن الخُلق". وفي الترمذي عن جابر عن النبي قال: "إن مَن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إليّ الثرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون". والمتشدّق هو المتكلم بملء فيه تفاصحا وتعاظما وتطاولا على غيره، والمتفيهقون هم المتكبّرون.
فما هو حُسن الخلق؟ إن الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الدين. وقيل: إن حُسن الخُلق بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى. وقيل: هو بذل الجميل وكف القبيح. وقيل: هو التخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل. وكل هذه المعاني تحمل مقامات سامية وصفات مشرقة.