Author

تسمية شوارع الرياض .. هل هي اختبار ذاكرة؟

|
<a href="mailto: * [email protected]"> * [email protected]</a> تعاني تسمية شوارع مدينة الرياض من مشكلة متفاقمة تكرر الحديث فيها منذ زمن ويستفحل يوماً بعد يوم مع امتداد التوسع العمراني والبلدي. إن مشكلة التسمية تكمن في اتسامها بالتردد والعشوائية وافتقارها إلى حسن التخطيط والمنطق، وسأشرح ما أعنيه بذلك. إن الغرض من تسمية الشوارع هو تيسير عملية الدلالة والتعرف على الوجهة المطلوبة، وهذا التعرف ضروري لعملية الاتصال وقضاء الحاجات وتنمية الخدمات العامة، إذ يتعلق باستقرار هذه الخدمة نجاح أداء خدمات البريد والمواصلات كطلب سيارات الأجرة إلى البيوت، توصيل الطلبات، وقبل كل ذلك تسهيل وصول الإسعاف والمطافئ إلى العناوين المقدمة في أسرع وقت. فلم يعد من المقبول في هذا العصر أن يتسبب عدم معرفة عنوان في امتداد حرائق أو احتضار مريض. والمفترض في تسمية الشوارع أن تتبع منطقاً مقبولاً مثل التسلسل التاريخي، إبراز تاريخ منطقة ما، تتبع أسمائها الطبيعية جغرافياً، كما من المفترض فيها أن تكون قصيرة، سهلة القراءة، سهلة الحفظ، ومرتبطة بمحيط حيها. فكيف هو حال شوارع الرياض؟ قبل أن يبدأ مشروع تسمية الشوارع كان الناس يحلون مشاكل التوصيف وتحديد الأماكن بإطلاقهم أسماء محلية كما هو المعتاد تاريخياً في كل المدن، وهي التي تعتمدها البلديات عادةً وتثبتها. فتسمى الشوارع باسم أشهر سكانها أو بمن رصفها أو سفلتها، أو بعرضها إن كان ثلاثين أو أربعين أو ستين وهكذا، أو بأشهر معالمها كالخزان والاتصالات والعصارات والضباب (؟) وغيرها، أو بالوجهة التي تصل إليها كطريق مكة، الدمام، خريص، القصيم، وهكذا. وكانت هذه الأسماء معتمدة في صكوك البيع والشراء، وإن كانت إدارة البريد لا تقيم لها وزناً وتفضل أن يأتيها الناس لبريدهم، وعندما أرادت أن تبدي عصرنة قامت بوضع صناديق بريد على الأبواب بترقيم جديد لا صلة له بترقيم البلدية، وهذا موضوع آخر، ولنعد إلى موضوعنا، ما الذي حدث عندما قررت بلدية الرياض أن تسمي الشوارع والأحياء؟ بدأت عملية تسمية الشوارع تطبق في الرياض في الثمانينيات الميلادية أي من نحو 25 عاماً. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم طرأت تغيرات شاسعة على الرياض كمدينة، وكذلك على تسمية الشوارع والمناطق، ووصلنا إلى اليوم الذي نجد فيه خريطة للرياض نستطيع بها أن نستطلع موقعنا على الأرض. لقد وضعت بلدية الرياض معظم التسميات القديمة والشعبية والمشهورة جانباً ثم أخرجت من كتب التاريخ التي لم تمر علينا أسماء غريبة وأخذت تطلقها على تلك الشوارع، وكأنها كلفت لجنة من الخبراء الأجانب وهم قابعون في غرفهم المكيفة في أحد منتجعات العالم وأمامهم مخططات لشوارع من غير أسماء وقائمة أسماء من غير شوارع، وتقع القرعة على كل شارع هو وحظه وكل اسم وحظه وكل حي وحظ سكانه. وحتى بعد اختيار أسماء الشوارع الغريبة عن الحي ومحاولة أهل الحي التأقلم معها يتم تغييرها بعد عدة أعوام لسبب غير معلوم، كما نجد في أحياء في الملز: آخر شارع جرير، والعليا: بين طريق الملك فهد والعليا العام، أو أسماء الشوارع الكبرى كطريق الملك فهد وطريق مكة وطريق الإسلام الذي لم نعد نعرف أين يقع. فمن الشوارع المعروفة بأسمائها القديمة ولها أسماء جديدة شارع الوزير الذي أطلق عليه اسم شارع الملك فيصل، شارع التلفزيون الذي أصبح يدعى شارع عمرو بن العاص، شارع الخزان الذي يسمى الآن شارع الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله، وغيرها كثير. ولا ندري ما الغرض من تغيير أسماء هذه الشوارع إلى أسماء أخرى. ومما يصعب أمر الجغرافيا التاريخية، أن التغيير يجري دون الإشارة إلى اسم الشارع السابق كما هو المتعارف عليه في كل بلاد العالم، وكأن الاسم الجديد هو الاسم المطلق على الشارع. كما قلنا إن من المفترض في أسماء الشوارع أن تكون قصيرة وقابلة للقراءة والحفظ وذات نسق منطقي، فكيف يكون ذلك بأسماء ثلاثية وأحياناً رباعية ومتشابهة وتتعاقب في شارع تلو الآخر، وأقرب مثال على ذلك شارع الخزان القديم الذي أطلق عليه اسم الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله، ويليه جنوباً شارع الإمام تركي بن عبد الله بن محمد (وهو شارع الشميسي سابقاً الذي يوصل إلى مستشفى الشميسي)، أو شارع ليلى الأخيلية سابقاً والذي يطلق عليه الآن شارع المهندس مساعد العنقري وأصبح يتقاطع مع شارع الشيخ عبدالله العنقري، فبالله عليكم يا بلدية الرياض كيف تحفظون هذه الأسماء ويمكنكم أن تميزوا بين شارعين كلاهما يحمل اسمين متشابهين من الأسماء الثلاثة التي تكوّن اسم الشارع ويقعان واحداً تلو الآخر أو يتقاطع أحدهما مع الآخر؟ وسوف أترك بقية الأمثلة إلى الأسبوع المقبل، آملة أن تتابع البلدية والمجلس البلدي الجديد هذه القضية الحيوية.
إنشرها