اقرأوا الحروف الصغيرة
يعد العقد من أهم مصادر الالتزام, ومن خلاله يقوم طرفاه ببيان حقوقهما والتزاماتهما، وذلك من خلال بنوده المشتملة على الأحكام التفصيلية بينهما, كما تشتمل على الشروط الملزمة لكل طرف تجاه الآخر.
وقد أحاطت التشريعات الإلهية والوضعية هذا المصدر من مصادر الحق بالكثير من العناية والقداسة والاعتبار لما يجب أن يحققه هذا العقد من حفظ للحقوق وبيان للمراكز القانونية وقطع للمشاحنات والمنازعات, فعملت على بيان أحكامه التفصيلية ودعت إلى البعد عن موجبات إبطاله, والتي يمكن إجمالها في الفقه الإسلامي بـ: الجهالة الضرر التدليس، والغرر. ولهذا فإن هناك من الأحكام ما لا يلزم أن ينص عليه في العقد ومع ذلك فيجوز للطرف المتضرر أن يتمسك به كالضرر البين والغبن الفاحش ونحوهما مما هو مبسوط في مواضعه من كتب الفقه الإسلامي.
تحدثت قبل هذه المرة عن "صائغي العقود", وحذرت من "سارقي الحقوق", وأعني بهم من يوظف خلفيته الفقهية أو القانونية لصياغة عقد يشتمل على ما فيه ضرر على أحد الطرفين من خلال استخدام العبارات الموهمة والمحتملة بحيث يمكن استخدامها في التخلص من الالتزام عند الحاجة إلى ذلك.
وإذا كان في بعض صور التحايل ما لا يمكن تجنبه إلا بيقظة ضمير وحس إيماني إلا أن هناك ما هو بين وظاهر ويمكن تفاديه ومنعه من العقود والتحذير منه, ومن ذلك: كتابة بعض بنود العقد بالخط الدقيق والذي يحتاج إلى المكبر لقراءته في بعض الأحيان, والملاحظ أن هذه البنود الدقيقة تكون ـ في الغالب - خطيرة جدا وتشتمل على تقييدات أو إبراء ذمة أو عدم مسؤولية ونحو ذلك مما يفرغ العقد من التوازن العدلي المطلوب.
ومن صور التحايل الظاهر في العقود ما يلجأ إليه البعض من وضع بعض الشروط والأحكام المحققة لمصلحته في ظهر العقد مع عدم الإشارة إلى ذلك في صلب العقد ويضمن الصفحة الأساسية ما يدين الموقع بإطلاعه على كل بنود العقد, ويمكن هنا للجهة المختصة منع ذلك و إلزام الشركات والمحامين ونحوهم بالعمل على أن تكون البنود واضحة وبخط بين.
و مما يخفف الأمر- إلى حد ما - أن السائد فقها وقضاء هو مراعاة مثل هذه الحيل في حال تبين أنها مؤثرة في فهم وإرادة المتضرر, ويعمل على إعادة التوازن لها, مع العلم أن القضاء السعودي لا يتدخل في العقود والشروط على كل حال ويعمل برضائية الطرفين وذلك استنادا إلى مرجعيته الحنبلية والتي تعد من المدارس المتوسعة في هذا المجال.
ومع ذلك كله، اقرأوا الخطوط الصغيرة والكبيرة وما كان تحت وخلف السطور لتسلموا من المنازعات التي قد تطول.
قاض في وزارة العدل