تقام في المملكة سنوياً ومنذ نحو ثلاثة عقود العديد من أيام وأسابيع التوعية وذلك بهدف نشر الوعي بين الناس مواطنين ومقيمين. وهذه الأيام والأسابيع تتنوع بين الشجرة وضرورة الاهتمام بها والعناية ببقائها خضراء مشرقة, ورغم مرور هذه العقود من السنوات إلا أننا لم نر أثراً واضحاً للعيان في زيادة عناية الناس بالشجرة إلا من أجل حاجتهم الشخصية كظل لسياراتهم. أما غير ذلك فهذا الأسبوع مجرد نشرات توزع يوم الإحتفال الذي يقام صباحاً فلا يحضره إلا قلة من المدعوين حيث يتم تصوير المسؤول وهو يقوم بغرس شجرة أو نخلة ثم ماذا؟ لا شيء, ينفض الجميع ويذهب بعضهم إلى الصحراء ليقطع الأشجار فيها ليحتطب و(كأنك يا أبو زيد ما غزيت). وهكذا غيرها من أسابيع التوعية تمتلئ الشوارع والجدران باللافتات تدعو الناس للاهتمام والعناية ثم تهب الرياح وتمزقها وتتمزق معها كل أهداف الأسبوع. لقد أصبحت تلك الأيام والأسابيع التوعوية دون جدوى, ولا فائدة منها بل هي خسارة أموال في توعية ثبت بالتجربة لعقود أنها لم تؤثر في الناس. الأسبوع الماضي اختتم أسبوع المرور الخليجي الثاني والعشرين بعد أن استمر أسبوعاً في توعية الناس بأن الالتزام فيه الأمان. لقد مضى واحد وعشرون عاماً على تنظيم هذا الأسبوع للتوعية المرورية فهل زاد الوعي؟ وهل تناقصت الحوادث وهل احترمت أنظمة المرور؟ وهل وهل؟ لم يحدث شيء من هذا بل الحوادث في ازدياد وأنظمة المرور تنتهك صباح مساء من الكبير والصغير. بالعكس لقد تضاعفت أعداد الحوادث والوفيات والمعوقين والمصابين والتلفيات سنة بعد أخرى. فقد صرح مدير إدارة المرور بمنطقة القصيم العقيد/ سليمان العجلان لصحيفة "الوطن" يوم الجمعة 24/2/1427هـ بأن إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى أن ثلث أسرّة المستشفيات مشغولة بمصابي الحوادث المرورية. وأن قيمة الخسائر المادية الناتجة عن تلك الحوادث (21 مليار ريال سنوياً) وأن سبب تلك الحوادث غالباُ العنصر البشري, وأن عدد الحوادث التي وقعت في المملكة عام 1426هـ بلغ 296015 حادثا وإجمالي الوفيات 5946 والمصابين 35317 إلى آخر حديثه, إذاً فماذا فعلت أسابيع التوعية؟ أعتقد لا شيء. مادام العقاب الصارم غائب فلا تنتظروا أن يلتزم أحد بسبب ما تقدمونه من نصائح وإرشادات. الجميع لديهم الوعي ولديهم الإدراك ويعرفون كل شيء عن خطورة السرعة وتجاوز الإشارة الحمراء وعكس السير والوقوف الخاطئ والمزدوج وغيرها ولكنهم آمنون من العقوبة شاهدوهم عندما يتجاوزون حدود المملكة بسياراتهم كيف يقف الجميع احتراماً للإشارة الحمراء ولخطوط المشاة؟ وكيف يلتزم الجميع بحدود السرعة المقننة وبالوقوف الصحيح في الأماكن المحددة؟ فهم واعوان ويعرفون كل ذلك لكنهم يلتزمون لأنهم يعرفون أنهم سينالهم العقاب الصارم لو خالفوا. ولا يلتزمون في بلادنا لأنهم يدركون أن عين الرقيب غافلة وإن لم تغفل مرة فالقسيمة المالية ليست بذات قيمة تجعل البعض يلتزم. لذلك كله أرى أن الناس لا ينقصهم الوعي والمعرفة وإنما ينقصهم الإحساس بأن عليهم رقيبا سيوقع عليهم أشد العقوبات, وهذا ما نفتقر إليه لتقليص الهدر المستمر في حياة البشر على طرقاتنا. إذاً وفروا هذه المبالغ التي تصرف على هذه الأسابيع واستغلوها في زيادة عدد الأفراد من رجال المرور في الشوارع وكذلك زيادة كاميرات المراقبة وتعميمها في المدن الكبيرة والصغيرة وتحسين مستوى وأداء أفراد المرور. وقبل هذا وذاك امنعوا الواسطة لأي كان أن يفلت من العقوبة عندما يتسبب في انتهاك قوانين المرور. طبقوا الأنظمة بكل حزم وصرامة وستجدون الكل يلتزم لكن دون ذلك لن تجدي تلك الأسابيع والنشرات واللافتات نفعاً.