الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الخميس, 13 نوفمبر 2025 | 22 جُمَادَى الْأُولَى 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين9.6
(0.00%) 0.00
مجموعة تداول السعودية القابضة191.8
(-0.31%) -0.60
الشركة التعاونية للتأمين132.5
(-0.23%) -0.30
شركة الخدمات التجارية العربية104
(-0.38%) -0.40
شركة دراية المالية5.65
(0.89%) 0.05
شركة اليمامة للحديد والصلب37.36
(3.61%) 1.30
البنك العربي الوطني22.7
(-0.57%) -0.13
شركة موبي الصناعية11.8
(2.16%) 0.25
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة33.34
(-4.42%) -1.54
شركة إتحاد مصانع الأسلاك23.3
(1.30%) 0.30
بنك البلاد28.4
(-1.32%) -0.38
شركة أملاك العالمية للتمويل12.79
(0.31%) 0.04
شركة المنجم للأغذية56.1
(0.18%) 0.10
صندوق البلاد للأسهم الصينية12.46
(1.96%) 0.24
الشركة السعودية للصناعات الأساسية57.8
(0.35%) 0.20
شركة سابك للمغذيات الزراعية120.2
(-1.07%) -1.30
شركة الحمادي القابضة30.82
(2.73%) 0.82
شركة الوطنية للتأمين14.29
(1.06%) 0.15
أرامكو السعودية25.96
(0.08%) 0.02
شركة الأميانت العربية السعودية19.1
(-0.21%) -0.04
البنك الأهلي السعودي38.86
(-0.56%) -0.22
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات31.84
(-0.31%) -0.10

ثمة حقيقة يجب إدراكها في إدارة المجتمع والسعي نحو تحقيق الاحتياجات ووضع الحلول والمعالجات للمشاكل الاجتماعية، وهي الاختلاف بين الناس. إن الاختلاف سنة أودعها الله عز وجل في الكون ليعلم الإنسان أنه في حاجة أخيه الإنسان وأنه لا يستطيع أي إنسان الاستغناء عن الآخرين. ولذا لم يخلق الله الناس أمة واحدة بل جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا. إن من رحمة الله بعباده أنه لم يخلقهم متشابهين، لأن في ذلك تعطيلا لدافعية الناس نحو إعمار الأرض والسعي لتحقيق مصالحهم وهو أمر مطلوب شرعا. فالاختلاف يدفع الناس بعضهم ببعض ويبعث روح التنافس الجماعي الذي يستوجب تعاونهم لأن كل إنسان لديه خاصية وميزة تفضيلية يحتاج إليها الآخرون، وبذلك تكون حركة الحياة مستمرة لا تتوقف عند حد من التطور والرقي الإنساني.

إن حتمية عيش الناس بعضهم مع بعض تستوجب نظاما يحقق التعايش السلمي بينهم ويلبي مصالحهم المشتركة. إن حقيقة الاختلاف بين الناس في ما يحتاجون إليه ويرغبونه ويعتقدونه يجب أن تكون حاضرة في الذهن عند أي محاولة للبحث عن صيغ للتعايش الجماعي. وجوهر ذلك والمبدأ الأساس هو تطوير نظام يحقق التوازن بين الآراء والاتجاهات المختلفة ويوصل إلى حلول توافقية ترضي جميع الأطراف وليس بالضرورة تعظيم رضاهم. حلول تجعل الجميع يصل إلى منتصف الطريق ويلتقي بالآخرين. وفي النظام الإسلامي يكون المسعى والدافع لتحقيق ذلك التقوى. فتقرير أن الناس شعوب وقبائل يحتم اختلافهم وتبعا كان لا بد أن يتعارفوا حتى يفهم كل طرف الآخر ويتيح فرصة التعايش فيما بينهم. كما أن التفاوت فيما بينهم في المرتبة وما يقتضيه ذلك من وزن لآرائهم مبني على درجة التقوى عند الفرد أو الجماعة "إن أكرمكم عند الله اتقاكم". أي أن التفاوت في تسيد رأي على الآخر ليس مرده القدرة المالية ولا الجاه ولا السلطان، وإنما درجة توافق القرار أو الرأي بتقوى الله.

إن الاختلاف أمر محمود لأنه يوجد التكامل بين الناس ويهيئ لأوضاع مربحة للجميع. فالمرء وحتى الجماعات بل الشعوب لا تستطيع العيش دون الآخرين فالكل محتاج إلى الكل. لكن الاختلاف أمر سيئ وممقوت إذا تحول إلى خلاف وسيطرة الأنانية البغيضة على المتحاورين وأصبح الهم والدافع تحقير وتسفيه آراء بعضهم البعض، وبالتالي عدم التحرك إلى منتصف الطريق لمقابلة الآخرين والسماع منهم بعقلية منفتحة تبحث عن الحقيقة والمصلحة الجماعية دافعها في ذلك تقوى الله وليس الانتصار للنفس مهما كان الثمن وبأي طريقة كانت. فأي تحاور وتفاوض بين طرفين لا يكون أساسه النيات الحسنة وتقوى الله محكوم عليه بالفشل، لأنه لا يوصل إلى التوازن المطلوب بين الأطراف وواقع يرتضونه ويحقق مصالحهم ويلبي احتياجاتهم بشكل عادل. بل إن أي تحاور لا يكون منطلقا من مفهوم أن هناك مساحة كبيرة تستوعب جميع الآراء وتسمح بكثير من المداخلات وقناعة أن كل رأي يضيف ويحسن لرأي الآخر يكون تحاورا غير مجدٍ ولا يحدث التغيير المرجو ولا التوازن المطلوب. ومعلوم أن حالة عدم التوازن مسألة وقتية لا تلبث أن تعاود البحث عن التوازن مرة أخرى. وأخشى أن البحث عن التوازن طريق صعب وتجربة اجتماعية شاقة يكون لها من الآثار السيئة والتداعيات الخطيرة التي تهدد السلم الاجتماعي وتحدث شروخا في بناء المجتمع وتوجد نزاعات وتحزبات تضر ولا تنفع وتضعف ولا تقوي وتذكي روح التطرف والتباعد بدلا من التقارب والتعاون حتى يتحقق الناس ألا مناص من التعاون والالتقاء في منتصف الطريق.

إن المجتمعات الناضجة الواعية توصلت إلى إيجاد آلية تسمح لجميع مكونات المجتمع المشاركة في التعبير عن آرائها في عملية صنع القرار العام، ليكون القرار منسجما مع احتياجاتها وتطلعاتها. هذه المجتمعات حققت ذلك بعدما سعت سعيا جادا وخاضت تجارب مريرة وتراكم لديها إرث سياسي وجعلت تتوصل إلى قراراتها عبر قنوات السياسة. إن هذا ما يفترض أن تفعله العملية السياسية في الوصول إلى القرار العام. فالعملية السياسية تتضمن النقاش والتفاوض والإقناع وتبادل الآراء لحين التوصل إلى القرار العام. وأثناء العملية السياسية كل طرف يسعى جاهدا لجعل القرار العام لصالحة كحق مشروع وهذا ما يوجد التوازن المطلوب. إحدى أهم الآليات التي تحقق التوازن في القوى بين المتحاورين هي صوت واحد لكل طرف. وبهذا تكون العملية السياسية أرضية صلدة لتحقيق الانسجام والقناعة بين الأطراف المتداخلة في صنع القرار العام. إلا أن ذلك يستلزم كشرط أساس تمكين الأفراد والجماعات مؤسسيا للعب دور حقيقي وفاعل في عملية اتخاذ القرار. وهذا يتطلب هيئات ومؤسسات تتمتع باستقلال مالي وإداري وتُمنح الصلاحيات والسلطات بضمان قانوني.

إن الخطوات التي بُدئ بها هي في الاتجاه الصحيح فمن الحوارات الوطنية وما تفتق عنها من نقاشات وموضوعات وقضايا اجتماعية واقتصادية إلى تفعيل المجالس والانتخابات البلدية إلى مجالس المناطق والشورى. وهذا يعكس أهمية الاستجابة إلى المتغيرات في الساحتين الداخلية والدولية والحاجة إلى تطوير آليات لاستشفاف الرأي العام المحلي وتفعيل المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار العام. لكن مع كل ذلك فالطريق طويلة لتحقيق الكثير وهناك مساحة كبيرة للتطوير والارتقاء بالمجتمع إلى مستويات أعلى وأكثر تحضرا.

ما لا نستطيع عمله هو التوقف عند محطة من محطات المسيرة التنموية وتفويت الفرصة في مواصلة التطور والانتقال إلى مراحل متقدمة. ومع أن الحوارات الوطنية تمنح الفرصة للتعرض لبعض القضايا الاجتماعية المهمة والحساسة، إلا أنها تركز في معظمها على نقاش الظواهر والشكليات وليس جوهرها وهي الآليات والقواعد والنظم التي نستطيع أن نؤسس عليها العمل الحكومي وتمكن من تحديد الأولويات ومعالجة المشاكل معالجة جذرية. إن ما يجب أن نخرج به من توصيات عبر حلقات الحوار الوطني هو كيفية إعادة هيكلة النظم الإدارية والاجتماعية لتكون أرضية صلبة لإدارة الاختلاف الذي هو الشغل الشاغل ويستحق منا كل الاهتمام وهو ما يجب أن نحاول التوصل إليه.

إن قرارات عامة مثل تلك التي تتعلق بنوعية الخدمات وحجمها ومتى يكون تقديمها يتفاوت الناس في تفضيلاتهم ورغباتهم واحتياجاتهم، ولذا كان لا بد من وضع نظم فاعلة تمكنهم من التفاوض والنقاش حولها حتى يكون القرار العام انعكاسا لتلك التفضيلات والاحتياجات الحقيقية. إن هذا من شأنه تقوية الترابط بين الناس من جهة وتقوية ارتباطهم بالقضايا العامة والإحساس بأهميتهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والنضج السياسي. وأهم من ذلك القضاء على تلك الظواهر والسلوكيات الشاذة في المجتمع مثل الجريمة والمخدرات والتطرف. لأنها توصل المجتمع إلى مستويات أعلى من الشفافية والمصارحة والمكاشفة خاصة في القضايا الحساسة والمهمة، وتقضي على النفاق الاجتماعي وازدواجية المعايير ونكون أقرب للحقيقية.

إن ما يجب أن نعيه ونستوعبه أن الاختلاف لا يفسد للود قضية. بل يلزم أن يكون هناك احترام متبادل من منطلق أن كل منا يضيف إلى الآخر، متى ما تكونت القناعات بذلك صيرت الجهود نحو الأهداف المشتركة متعاونين متكاتفين نتملك زمام المبادرة نحو تحقيق المزيد من التنمية والوفاق والترابط والسِلم الاجتماعي.

لقد آن الأوان أن نبدأ في التحول نحو العمل الجماعي ونؤسس له بدلا من العمل الفردي. فالمبادرات الفردية حتى ولو كانت إبداعية ومهما كانت متميزة تبقى مفروضة على الآخرين غريبة على ذاتهم لا يحسون بأي انتماء إليها ولا يدركون معانيها وبالتالي قد يكونون على اختلاف معها. إن الانطلاق في العمل الحكومي بإدراك تلك الحقيقة أمر في غاية الأهمية لأنه يؤدي إلى القناعة والوعي واللحمة الاجتماعية التي يجب الحفاظ عليها وصيانتها وهي جوهر الأمة وحبل الله المتين "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". إن الأعداء يتربصون بهذه الأمة ويتحينون الفرصة لشق الصف وإحداث الشرخ في بنائها ولا سبيل لمواجهتهم ورد كيدهم إلا بنظام فاعل وكفء يدير الاختلاف ويوجهه نحو الصالح العام ويدرأ عنه الخلاف والتناحر والتشرذم.

إن ما يجري على الساحة من التهكم والتطاول ممن يتخالفون في الرأي وتسفيه وتحقير كل فريق للآخر هو نتيجة حتمية لانعدام ثقافة الحوار الحقيقي المبني على ممارسات يكفلها القانون عبر هيئات ومؤسسات وإجراءات واضحة وصلاحيات وسلطات ممنوحة تمكن جميع الأطراف من النقاش والتفاوض ومن ثم حسم المسألة عبر الاقتراع والتصويت. وإذا ما تمكنا من ذلك عندها نكون قد حققنا الإدارة الحقيقية للاختلاف ليس باعترافنا بوجود الاختلاف ولا بمنح الفرصة للتحاور بين الفرقاء وحسب، ولكن الأهم إيجاد نظام ثابت لصنع القرارات العامة بمرجعية قانونية يحدد ويقسم السلطات والمسؤوليات ويرتكز على الشفافية والمساءلة. إن نظام إدارة الاختلاف من شأنه تعزيز القدرة على الإنتاج في المجتمع للمدى الطويل بدلا من التركيز فقط على زيادة الإنتاج ولو على حساب التطلعات والطموحات والأهداف المستقبلية.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية