قرارات الملك: النظريات الذكية في إدارة الأزمات المالية

"لا شيء يصبح مستحيلا أمام إرادة النبلاء"، هكذا يقول المثل، وهذه هي عين الحقيقة التي أكدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من خلال قراراته الكريمة التي صبت في مصلحة الوطن والمواطنين. أجدني مضطرا أن استبدل مقالتي الأسبوعية للمرة الثالثة على التوالي بسبب القرارات الملكية الإصلاحية المتتالية التي أضفت على سوق الأسهم والاقتصاد السعودي جوا من الارتياح والتفاؤل، وأتمنى أن استبدلها جميعا لأكتب عن حب الوطن وقلب الملك الذي لم يهدأ حتى أعاد إلى السوق توازنها المعهود. رسائل تعليمية يوجهها الملك إلى جميع المهتمين بعلوم الاقتصاد والاجتماع وأسواق المال تحتوي على النظريات الذكية في إدارة الأزمات المالية والاجتماعية. ورسائل أخرى ملؤها الحب يبعث بها إلى المواطنين، ورسائل مباشرة تهز قلوب المتلاعبين في سوق الأسهم وتذكرهم بأن قائد الأمة هو المنظر والمشرع والمراقب الأول لسوق الأسهم التي جمعت بين جنباتها جميع فئات المجتمع.
استطاع الملك أن يدير أزمة سوق الأسهم بنجاح ما ساعد على تجاوز المحنة وكشف الغمة التي ألقت بظلالها على المجتمع بأسره، فأزمة سوق الأسهم كانت من أكثر الأزمات تعقيدا بسبب اختلاط مكوناتها الأساسية وتشعب جذورها وعظم تأثيرها في المجتمع، وعلى الرغم من ذلك إلا أن تدخل الملك المباشر وإدارته لأزمة سوق الأسهم قادا، بفضل الله وبركته، إلى حلحلة الموقف المتأزم وأعاد إلى السوق توازنها المفقود من خلال القرارات الملكية الأخيرة التي أنجزت في وقت قصير. إدارة الأزمات فن من فنون الإدارة الحديثة، والقراءة المتأنية لأحداث أزمة سوق الأسهم أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن العلاج الفعال لأزمة السوق تزامن مع بعد انتقال إدارة الأزمة إلى يد الملك عبد الله الذي أدارها بكل حكمة وترو وبنظرة شاملة لم تسمح بتغليب النظريات على المصلحة العامة للوطن والمواطنين. في لحظات قصيرة قلبت السوق مسارها الهابط بمسار متصاعد أغلقت فيه غالبية الشركات على النسب القصوى، وشهد فيه القطاع الزراعي بدايات العودة والانعتاق من النسب الدنيا والاستعاضة عنها بالنسب الخضراء.
لم تكن القرارات الملكية مجردة من الأحاسيس والمشاعر، فقد كانت خليطا من المشاعر الإنسانية والقرارات الإدارية التنظيمية التي هُدف من خلالها علاج أزمة السوق وعلاج نفسيات المواطنين ووضع حد للمشاكل الاجتماعية التي بدأت في البروز مع ظهور أزمة سوق الأسهم. تلك هي رسالات الحب التي أرسلها الملك للمواطنين يخبرهم فيها بأنه ليس بعيدا عن همومهم وآلامهم، وأنه على استعداد تام لمواصلة العمل من أجل رفع الضر عنهم، وأن أقصى أمنياته هي خدمة شعبة وإدخال السرور على نفوس المواطنين.
أما الرسائل المباشرة التي وجهها الملك إلى المتلاعبين في السوق فكانت تنص على أن الملك لن يسمح لأحد باستغلال السوق من أجل الإضرار بالمواطنين أو الإضرار بالاقتصاد الوطني. هل هناك من يريد أن يلحق الضرر بالمواطنين من خلال سوق الأسهم؟ نعم، فمنذ أن بدأت أزمة سوق الأسهم ونحن نشاهد عمليات بيع مقننة للأسهم القيادية من أجل التأثير في المؤشر والنزول به إلى مستويات متدنية، لم يكن لصغار المستثمرين يد في ذلك فهم ليسوا من ملاك الأسهم القيادية أو على الأقل ليسوا بذلك الحجم المؤثر في السوق، ما يؤكد نظرية أن هناك من كان يخطط لإنزال السوق إلى مستويات سحيقة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. أصبحت الصورة أكثر وضوحا في الأيام الأخيرة، فكلما بدأ بعض صناع السوق محاولة انتشال السوق والعودة بها إلى نقطة التوازن كانوا يواجهون بعروض كبيرة على النسب الدنيا من بعض كبار المضاربين، وهو أمر أثار الكثير من علامات الاستفهام. حاول البعض إلقاء التهمة بأكملها على البنوك التي بدأت في تسييل محافظ المقترضين عنوة، وهم ليسوا برآء من ذلك، لكنهم لم يكونوا الفاعلين الأساسيين في الضغط على الأسعار من أجل إنزال السوق وإطالة أمد الانهيار.
المنازعات الجانبية المشتعلة بين بعض كبار المضاربين في سوق الأسهم هي واحدة من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تفاقم أزمة السوق وزيادة أمدها، بدأت بحجمها المحدود ثم تعاظمت حتى أصبحت ككرة الثلج المتدحرجة. يؤكد هذا الاعتقاد شواهد كثيرة لا تخفى على المطلعين بخفايا سوق الأسهم السعودية، ويمكن قراءة بعضها من خلال التداولات اليومية وإستراتيجيات المضاربين. كما أنه لا يمكن إغفال الدور التخريبي الذي يقوم به قلة من كبار المضاربين المخالفين لأنظمة السوق بقصد توجيه رسائل التحذير المدمرة.
رسائل بليغة نستشفها من قرارات الملك عبد الله الأخيرة التي جاءت كالبلسم الشافي الذي تفاعل معها جسد سوق الأسهم المريضة التي أعياها التخبط في اتخاذ القرارات، وأبطأتها البيروقراطية، وشتتها رغبات كبار المضاربين الجامحة فضاع في طرقاتها صغار المستثمرين وفقدت من خزائنها 800 مليار ريال ذهبت أدراج الرياح.
إرجاع الفضل إلى أهله من أخلاق المؤمنين، ويرجع الفضل في تعافي السوق وتوقف نزيفها الدامي، بعد الله عز وجل، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي لم يركن أبدا إلى نظريات المنظرين ولا إلى بيروقراطية الإداريين ولا إلى توجهات المتنفذين بقدر رجوعه إلى الله عز وجل وتوكله عليه في اتخاذ القرار الذي أعتقد أن فيه مصلحة للوطن وللمواطنين, فبارك الله في ذلك القرار الذي أصبح الدواء الشافي لكل داء بفضل الله وبركته. "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى", فمن كانت نيته خالصة لوجه الله، وجهه الله سبحانه وتعالى إلى سبل الرشاد ورزقه الخير الكثير في الدنيا والآخرة، وذاك هو ديدن الملك عبد الله ولا نزكيه على الله. تعجز الكلمات عن شكر أهل الفضل من البشر وهي عن شكر خالقنا أكثر عجزا وتقزما، فلله الحمد والمنة من قبل ومن بعد ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منا صادق الدعاء وحسن الوفاء وبذل العطاء، ونحن المقصرون.

المزيد من مقالات الرأي