تمثل شريحة الشباب في أي مجتمع الثروة الأعلى قيمة على المستويات كافة، نظراً لأنها الطاقة البشرية الأولى التي تلبي متطلبات المجتمع في جميع المجالات الحيوية، وعلى رأسها الحقل الاقتصادي بما يمثله من ثقل كبير في ترجيح كفة ميزان التنمية والتقدم الحضاري أو حتى تثبيطه. وبالنظر إلى تلك المتوالية المتكونة من ثلاث محطات رئيسة؛ "1" فئة الشباب كمصدرٍ للطاقة البشرية، ثم "2" الاقتصاد كمجال يضم الأنشطة الإنتاجية، ثم "3" النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة كهدف نهائي للمتوالية، يمكننا من خلال هذه المتوالية المبسطة اكتشاف أي الاتجاهات الاستراتيجية التي يجب أن تبنى عليها خططنا باختلاف آجالها الزمنية. وبناء عليه، يجب الإجابة بصيغةٍ حضارية وعملية عن الأسئلة التالية: ما الآليات اللازم اتباعها تربوياً وتعليمياً لإخراج هذه الشريحة الأعلى أهمية بين شرائح المجتمع على أفضل وجه؟ وما الخسائر المحتمل تكبّدها إجمالاً إذا حدث تقصير أو خلل جزئياً كان أو كلياً في المنظومات التربوية والتعليمية المسؤولة عن تلك الشريحة؟ كيف يمكن لنا اكتشاف أوجه القصور الراهنة في المجالات ذات العلاقة بفئة الشباب بدءا من سن الطفولة إلى سن الانخراط في سوق العمل، سواء في بيئة الأسرة أو بيئتي التعليم وسوق العمل؟ وكيف يمكن حلّها بجدية وحزم دون تعطيل أو تأخير؟ تلك قضايا جوهرية بالنسبة إلى المجتمع السعودي الذي يُصنّف ضمن أكثر المجتمعات فتية على مستوى العالم، حيث شكّل فئة الشباب للفئة العمرية الواقعة بين 15 و39 سنة في منتصف 2005 أكثر من 43.3 في المائة من السكان، أي ما يفوق 10.6 مليون نسمة، ويتوقع أن يُحافظ المجتمع السعودي على تلك النسبة إلى عام 2020 لتصل إلى 14.7 مليون نسمة! هذه الملايين من الشباب كيف ستجد فرصتها للعيش وفق أعلى مؤشرات التنمية البشرية والإنسانية، ليس فحسب داخل مجتمعها، بل ضمن المجتمع العالمي المتجه إلى مزيد من الاندماج والتكامل؟! وأسئلة كثيرة أخرى بحاجةٍ إلى إثارتها ومناقشتها، كما أنها بحاجة أكثر إلى إيجاد الإجابات العقلانية والعملية التي تلتقي عندها مصالح الدولة والمجتمع، تلك الإجابات المخلصة لأجل البقاء أقوياء بين سكان الأرض الذين سيتجاوزون 7.6 تريليون نسمة بحلول عام 2020. فهل بحثنا موضوعا كهذا من قبل بصورة جادة تتوخى الارتقاء بنهضتنا الحضارية والمحافظة على مقدراتنا ومكتسباتنا؟
في رأيي أن ما تم على أرض الواقع حتى الآن لا يتجاوز كونه خطوات خجولة في كثيرٍ من جوانبها، وإثبات ذلك أمرٌ سهل جداً؛ فليس هناك أفضل دليل من شهادة فئة الشباب أنفسهم ذكوراً وإناثاً، تلك الشهادة التي يمكن أن تتلقاها حيةً على الهواء منهم مباشرة! القضية يا سادة أكبر بكثيرٍ من توفير مقاعد للدراسة، أو أماكن محدودة للترفيه والسياحة، أو حتى عقد مؤتمرٍ لمعالجة قضايا الشباب السعوديين يتم تنظيمه مرتين على الأكثر كل عقد من الزمن. نحن في مواجهة تطلعات شباب انفتحت أكثر من 95 في المائة من أفكاره واهتماماته وتطلعاته على مخرجات الحضارة العالمية، بمعنى أن الأجيال السابقة لا تتقاطع معه بأكثر من 5 في المائة من معطيات حياته المعاصرة! كيف نخلق لهم قنوات للتعبير عن آرائهم وأحلامهم؟ متى سنضع فيهم ثقتنا كمجتمع ومؤسسات رسمية، ومن ثم نتيح لهم فرصة المشاركة المسؤولة في اتخاذ القرارات المشتركة، خاصةً تلك التي تنصب في تحديد مصيرهم المستقبلي أكثر من غيرهم من شرائح المجتمع؟ أؤكد أن المسؤولية الأكبر لأجل تحقيق تلك التطلعات والطموحات المشروعة، تتحملها في الوقت الراهن الشريحة السكانية من المجتمع السعودي المتمركزة في خانتي اتخاذ القرار والإدارة التنفيذية المساندة لها مباشرةً، إضافةً إلى الشريحة ذات الكلمة الأعلى اجتماعياً واقتصادياً، التي ـ حسب تقديري- تقع ضمن الشريحة العمرية "40 ـ 60" ويُقدر عددها بنحو 3.6 مليون نسمة في منتصف عام 2005. لا أنادي تلك الشريحة العمرية الغالية بإفساح مكانها تماماً، بل بالسماح لمن بعدها من الأجيال بمشاركتها الحياة والقرار والمصير، فأنا لا أتحدث هنا إطلاقاً عن تبادل المراكز أو تقديم التنازلات، بل تحديداً عن زيادة الاعتمادية والثقة بين الأجيال لا أقل ولا أكثر!
هنا لا بد من الإشادة بالخطوة الرائدة على هذا الطريق للغرفة التجارية الصناعية في الرياض، التي ستنظم خلال الأسبوع المقبل في 2 ـ 3 نيسان (أبريل) 2006 أول ملتقى لشباب الأعمال السعوديين على مستوى الغرف التجارية الصناعية في السعودية، الذي سيرعاه ويفتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله. الملتقى يطمح, حسب أهدافه المعلنة, إلى إظهار التحديات التي تواجه شباب الأعمال، والدفع بهم لخوض غمار قطاع الأعمال دون خوف، وتفعيل التعاون وتبادل الخبرات وعقد التحالفات بينهم، وتوفير حلقة وصل بين مشاريعهم الاستثمارية ومصادر التمويل، إضافةً إلى بقية الأهداف الطموحة للملتقى الشاب بما يعزز ويوطد أقدام جيل الشباب على الساحتين التجارية والصناعية. الأمل الذي يحدوني حقيقةً، أن يتحول فعلاً ما سيدور في جلسات هذا الملتقى الطموح والمبتكر من أوراق ونقاشات جادة إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، وأن نخرج بجديةٍ مسؤولة من دائرة التوصيات الختامية الساكنة إلى آفاقٍ أرحب تتلاقح فاعليتها مع قرارات الجهات المسؤولة في القطاعين الحكومي والخاص على حدٍّ سواء. ذلك الهدف النهائي الذي لم يتحقق منه الكثير على امتداد المئات من المؤتمرات والمنتديات السابقة والمختلفة المجالات. أتطلع بطموحٍ كبير إلى جميع أعضاء "لجنة شباب الأعمال" بأن يبدأوا صباح اليوم التالي من انتهاء أعمال الملتقى، بمتابعة تنفيذ التوصيات بكامل الجدية، وأن تنشر إعلامياً تقريراً دورياً يوضح بالتفصيل كل ما تم بخصوصها.
