ملف المستشفيات الخاصة والطفلة سلطانة

لا أظن أن أحداً شاهد برنامج "برسم الصحافة" في "الإخبارية" يوم الخميس 2/2/1427 ظهراً، الذي خصص لمناقشة قضية الطفلة سلطانة ابنة الثلاث سنوات حالياً التي كانت ضحية خادمة سريلانكية عندما كانت تبلغ من العمر سبعة عشر شهراً، وكادت تقتلها بأبشع الطرق، بغليها في كرسي الحمام وأنقذت في لحظة حاسمة ودارت بها العائلة بعد ذلك بين مستشفيات الرياض الخاصة والعامة التي رفضت استقبالها ودماؤها ولحمها يتساقط لمدة 24 ساعة حتى أجريت لها عملية بترت فيها قدمها بدعوى أنها في سبيل إنقاذ حياتها أدخلت على أثرها العناية المركزة، دون أن يصاب بغثيان أو بنوبة بكاء أو بغضب أو بألم. وتدار حلقة "الإخبارية" بعد مضي سنة ونصف على قصة الحادثة للنظر في تداعياتها وفي عدد من الملفات التي مازالت مفتوحة.
لن أتطرق إلى الصورة الإنسانية العنيفة التي تكسو مشاهد البرنامج أو الألم الجامح عند سماع صوت الأم التي كادت تثكل بابنتها وهي تصف لحظات اكتشاف ابنتها ومعاناتها هي وزوجها فيما بعد. ما أجده مهماً بعيداً عن العواطف أن نبحث في الملفات والقضايا المعلقة التي تطلب المحاسبة وتطلب تطبيق القوانين والأنظمة.
لقد تطرقت مقدمة البرنامج "ريما الشامخ" مع ضيفيها الكاتب "سعد الدوسري" ووكيل عائلة سلطانة الشرعي الأستاذ "سعد الغامدي" إلى عدد من القضايا، ولكن كان سياق الحلقة يحمل عدداً كبيراً من القضايا التي لم نخرج بنتيجة تخص أيا منها بشكل محدد، وهو الذي ينبغي أن يُلاحظ في هذا النوع من البرامج حتى لا يفقد البرنامج المشاهد وتفقد القضية كثيراً من الفوائد التي كان يمكن أن تجنيها فيما لو كانت الأسئلة مركزة وتسير في اتجاه محدد وتحاصر الاستطراد حتى يصل الجميع إلى حل واضح على الأقل لأحد الملفات المعنية.
لقد كان هناك عدد من الملفات المثارة ولكن كل واحد يحتاج إلى كتاب منفرد لتناولها من جميع الأبعاد، ملف الخادمات: سوء معاملتهن من جانب واستغلالهن مخدوميهن من جانب وقضية مافيا الخادمات الهاربات، علاقتهن بالأطفال إلخ. ملف القضاء: ضعف القضاء في مواجهة مستجدات العصر(حكمت المحكمة الجزئية بإدانة الخادمة والحكم بتعزيرها بسجنها ستة أشهر فقط وجلدها 120 جلدة مفرقة على دفعتين على أن يكون بينهما أسبوع، وأخذ عليها التعهد الشديد بعدم العودة لذلك وإبعادها عن البلاد بعد انتهاء محكوميتها)، عدم قدرته على التعامل مع قضايا العنف الاجتماعي، العنف ضد المرأة، قضية تدوين الأحكام الشرعية، استحداث محاكم خاصة كمحاكم الأحوال الشخصية إلخ. ملف الأمن: جدية التعامل مع الحالات الطارئة، نظام التوقيف، تأهيل الكوادر الأمنية إلخ، إلا أن أهم الملفات التي بقيت معلقة وتعد المرجع الأول في حالة سلطانة، هو ملف المستشفيات الخاصة.
فعلى الرغم من أن هناك نصا وأمرا من وزارة الصحة بفرض استقبال الحالات الطارئة في الحوادث الواقعة في محيط هذه المستشفيات (لم أتمكن من الحصول على نص هذا الأمر لا من موقع وزارة الصحة ولا من أرشيف تعاميم إحدى المستشفيات الحكومية، لا أدري إن كانت المشكلة في طريقة الأرشفة أو في جدية هذه القرارات)، إلا أن الملاحظ ليس في حالة سلطانة فحسب التي رفض المستشفى الخاص استقبالها بحجة أن ليس لديه وحدة حروق، ولكنها حالة شبه عامة نقلها العديد من الصحف حول مستشفيات خاصة رفضت استقبال حالات طارئة واشتراطها دفع فاتورتها قبل الدخول أو اختلفت في تعريفها لما هي الحالة الطارئة. وفي حالة سلطانة التي كانت حالتها الطارئة ليست مجال خلاف لم توفر لها أي إسعافات أولية ولم ترشدها إلى المستشفى المختص في مجال الحروق وهو مستشفى الحرس وإنما أجرّت لهم سيارة إسعاف بثمانية آلاف ريال ليدوروا في الرياض يبحثون عن مستشفى لديه وحدة حروق، وبسبب تأخر تصرف المستشفى الذي نقلت إليه، أكد الأطباء في اليوم التالي ضرورة بتر أصابع قدميها التي تفحمت، وتعرضت الطفلة إلى حروق من الدرجتين الثالثة والرابعة، ووصلت آثار الحرق إلى أعضاء جسدها الداخلية، وتوقفت كليتاها مدة 15 يوما، وأشار الطبيب المعالج، الدكتور مناف العزاوي استشاري جراحة التقويم والجمجمة إلى أن الطفلة أدخلت إلى مستشفى الحرس الوطني بعد 27 يوما من الإصابة حيث لوحظ تنتن الجرح مع ضعف وظيفة الكلى ونخر في كافة أصابع رجليها لكلتا القدمين وظهور الأوتار على امتداد سطح القدمين، وقد ذكر في التشخيص النهائي المرفق بالتقييم الطبي بعد خروج الطفلة من المستشفى أنه حدث احتراق كامل للطبقة السطحية بنسبة 50 في المائة من كامل الجسم حيث أثر الحرق على كافة المنطقة من منتصف البطن مرورا بالمنطقة السفلى (الاقتصادية ـ خديجة مريشد ـ 27/1/1427هـ)، وهناك رأي طبي يرى أن بتر قدمي الطفلة لم يكن ضرورياً وإنما كان قراراً متسرعاً من المستشفى الثاني في اليوم التالي للحادثة.
إن ملف المستشفيات الخاصة وما يتساهلون فيه بحجة الربح المادي يعد عاراً على جبين مجتمعنا. إن وزارة الصحة مطالبة بأن تراقب تنفيذ المستشفيات الخاصة للقرارات والضوابط الصحية ولا سيما الخاصة بحالات الطوارئ، وأن يتم التعامل مع الحق المادي بشكل سريع لا يعرّض حياة المريض أو المريضة للخطر أو للإعاقة الدائمة كما نرى في حالة سلطانة وحالات أخرى كثيرة. ووزارة الصحة مطالبة كذلك بتنفيذ العقوبات المناسبة بحق هذه المستشفيات المخالفة سواء بتعليق رخصة المستشفى أو بتعزير مديرها أو المدير المناوب ومساءلة كل المسؤولين عن المخالفة المذكورة. لا أذكر أننا سمعنا عن عقوبة وقعت بأي مستشفى خاص أو مديريها أو أطبائها نتيجة تقصير طوارئها في إسعاف حالات طارئة، هذا فضلا ًعن الالتزام الدائم بالتحفظ على أسماء هذه المستشفيات المخالفة والتستر على مخالفتها، على الأقل كما شهدنا في حالة سلطانة.
إن مسؤولية إعاقة الطفلة البريئة سلطانة وتشوهها الدائم والفشل الكلوي الذي أصابها تعود كلها إلى المستشفى الأول الذي لم يحسن استقبال الحالة التي كان يمكن تفادي الكثير من المضاعفات التي تعرضت لها الطفلة فيما لو قدم لها شيئاً من الإسعافات الأولية أو لو حفظ قطع لحمها التي كانت تتساقط لإعادة زرعها أو غيره من الإجراءات الطبية التي كان يمكن القيام بها.
لا بد أن نذكر مبادرة مركز الأمير سلطان الإنساني باحتضان معالجة الطفلة على حساب المركز، الذي نأمل أن يعوض الوالدين عن فقدانهما وظيفتيهما وحساب توفيرهما، هذا فضلاً عن تعاطف المجتمع بشكل مؤثر جداً.
آمل أن نسمع من وزارة الصحة رداً شافياً قريباً بتحمل المسؤولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي