صناعة السوق فن لا يتقنه إلا القلة

<p><a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a></p>
كثر الحديث عن صناع السوق ودورهم المأمول في إعادة الثقة إلى سوق الأسهم بعد الانهيار الكبير الذي تعرضت له، وانقسم المختصون في أسواق المال في آرائهم، بين مادح وقادح للأدوار التي قام بها الصناع في مرحلتي صعود الأسهم وهبوطها، وفي مرحلة التشافي الحالية.
وبعيدا عن الآراء الحادة، يمكن القول إن صناع السوق المنضبطين كانوا ولا يزالوا يمارسون أدوارا قيادية في توجيه السوق وإعطائها الزخم الكبير الذي لم تكن تتمتع به من قبل، إلا أنهم، وهذه حقيقة ثابتة، ينقسمون فيما بينهم بين القائد المحنك وبين القائد الذي أقحم نفسه في قيادة الجمع دون أن يكون لديه الإلمام الكافي بمتطلبات القيادة ما أدى إلى خسارته وخسارة من معه، لذا يعتبر من الظلم حقا أن نتحدث عن صناع السوق بصفة العموم دون تمييز بينهم، فنلحق المصلح بالمسيء.
كتبت هذه المقدمة بعد أن بدأت ألحظ جهود صناع السوق الحقيقيين لإعادة بناء سوق الأسهم السعودية على أسس علمية تنم عن ذكاء خارق وعمل محترف. نجح بعض الصناع في نفض بقايا الانهيار من فوق عباءة السوق متسلحين بمقدرتهم الفائقة على صناعة السوق أو ما يمكن أن نطلق عليه "فن صناعة السوق".
فالمعروف أن أسواق المال الخليجية قد تعرضت إلى انهيارات عنيفة بدأت مع بداية عام 2006 وهي لا تزال تعاني من آثار الانهيارات ولم تستطع حتى اليوم الخروج من عنق الزجاجة، رغم التدخلات الحكومية، وسن القوانين والأنظمة الداعمة لتلك الأسواق.
كانت السوق السعودية آخر الأسواق الخليجية تحركا لدعم سوقها في مواجهة الانهيار، إلا أنها أصبحت أول الأسواق الخليجية تشافيا من الكارثة التي حلت بأسواقنا الخليجية.
التدخل الحكومي القوي والإرادة السياسية أدتا إلى خلق قناعات لدى صناع السوق مفادها، أن الدولة لن تترك سوق الأسهم في محنتها التي عصفت بها، وستعمل جاهدة على إعادة التوازن لها من جديد، ما أدى إلى عودة صناع السوق لممارسة أدوارهم الحقيقية التي قادت السوق، بفضل الله، إلى تعويض أكثر من 40 في المائة من خسائرها في مدة زمنية بسيطة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مقارنة بحجم الكارثة.
من هنا كان لزاما علينا أن نبرز الدور الحيوي الذي مارسه صناع السوق المنضبطون، الذين يهدفون دائما إلى تحقيق المكاسب المزدوجة، مكاسبهم الشخصية ومكاسب السوق والمتداولين، وفق المعايير العادلة والنزيهة، فالسوق السعودية تزخر بصانعي سوق من الدرجة الأولى، وهم بحق مكسب حقيقي لأي سوق مالية يتواجدون فيها، وأستثني من هؤلاء حديثي العلم بسوق الأسهم من كبار المضاربين الذين أوقعوا السوق في مستنقع الانهيار، وها هم يعودون لممارسة دورهم الشقي الذي ربما أجهض كل المحاولات الخيّرة التي بذلت من أجل إرجاع السوق إلى وضعها الطبيعي.
مع ظهور المجموعات Groupsأصبح لدينا صناع سوق غير منضبطين في مقابل الصناع الحقيقيين ما قد يخلق نوعا من التصادم غير المحمود الذي ربما جرّ السوق إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وانعدام الثقة، فالمجموعات الجديدة لا تعترف بمراكز الشركات المالية كمبدأ في تحديد القيم العادلة للأسهم، إنما تعتمد أساسا على عنصر السيطرة والاستحواذ، وتحديد النطاقات السعرية المرتفعة معتمدة على قوة الدعم المالية، وهو أمر خطير لا بد أن يقحم السوق، مستقبلا، في منزلقات الانهيار.
الانسجام والتفاهم هما المدخل الحقيقي للحؤول دون حدوث التصادم المدمر بين فئتي الصناع، كما أن تفهم هيئة السوق المالية لوضعية الصناع وكبار المضاربين قد يساعد كثيرا في خلق جو من التعاون المثمر بين بعض أطراف السوق الفاعلة. يمكن خلق الانسجام والتفاهم المثمرين من خلال تشكيل مجلس استشاري لسوق الأسهم بحيث يضم في عضويته نخبة من صناع السوق، كبار المضاربين، الخبراء، وأعضاء من هيئة السوق، ووزارتي المالية والتجارة.
يهتم المجلس بشؤون سوق الأسهم السعودية، ويكون وسيلة لتبادل الأفكار، وكشف مكامن الخطر والتجاوزات، ونقل المعلومات وإصدار التوصيات في كل ما من شأنه حماية السوق والمتداولين وحماية الاقتصاد الوطني من الأزمات الحادة.
أعتقد أن المجلس، إذا ما أنشئ، فإنه سيحقق الكثير من النجاحات، وسيقدم الكثير من التوصيات الكفيلة بالارتقاء في الأداء، وسيساعد على إذابة جبل الجليد والاحتقان بين بعض الأطراف الفاعلة في السوق، وربما يصبح، مستقبلا، جهاز الإنذار الأول لمواجهة الأخطار، ومركزا فاعلا لمعالجة الأزمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي