المقامرون بالأسهم
أصبح مؤشر سوق الأسهم كالسعفة في مهب الريح يتمايل بين النزول والطلوع وما أكثر المنتفعين والمتضررين من ذلك، وما أشبه الوضع الحالي لسوق الأسهم إلا بالطريق المظلم المجهول عاقبته، أيؤدي إلى السلامة والنجاة أم إلى التيه والضياع؟ وكم هم الذين يضاربون حتى تصطاد شباكهم أموال الآخرين ومدخراتهم وليس بمستغرب هذه الأيام أن تسمع مَن يقول خسرت نصف رأس مالي أو قريبا منه، ومَن خرج مفلساً بعد أن كان يملك مئات الألوف وأخذ عليها تسهيلات أفرحت ساعة وأخزيت دهراً طويلاً، فيا سبحان الله عجباً لهذا الربح السريع والخسارة الأسرع، وأعجب منه مَن يدلس ويغرر بالآخرين ليأخذ ما في محافظهم ثم يضع في أيديهم أسهماً لا تلقى طالباً، فصاروا ينظرون إليها نظرة الحسرة والندامة، لذا فاز بهذا التصحيح مضاربون سلكوا هذا النهج فما يزيدهم نزول السوق إلا ارتفاعا، بل يهدفون إلى نزوله لأدنى درجة يقدرون عليها، ومن ثم يلقون بثقلهم المالي لرفع السوق حتى تتضاعف أموالهم.. ممن؟ من أصحاب الديون والقروض، وممن باع أصوله ووضعها في سوق الأسهم ورسم في مخيلته أحلاماً عراضاً ووعد أسرته وعوداً وردية سرعان ما ذبلت وانقطع حبل الأماني. إنني وأنا أنظر إلى هذا الوضع لأشعر بمآسي ودموع إخوان لنا فقدوا ما في أيديهم وتحملوا علاوة على ذلك ديوناً، أصحابها لا يمهلون ولا يهملون، فأين حماية السوق وضبطه؟ أيسلم القوي المتلاعب ويهلك المستثمر الضعيف في ماله وقراره؟ إنه حماية للأقوياء وإهلاك للضعفاء والله أعلم بما ستؤول إليه العواقب إذا لم يؤخذ على أيدي المقامرين الذين يرفعون ويخفضون، بل يبيعون ويخرجون من السوق دفعة واحدة لينزلوا السوق قهراً نسباً متتالية، لأنه لا يوجد نظام يضبط أصول العرض والطلب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون، ولو عرض الناس ما في أيديهم من بضائع دفعة واحدة لتعين منعهم والأخذ على أيديهم لأنهم بذلك يجرون الخسارة لغيرهم لفقد التوازن في العرض مما سيؤدي إلى كارثة مستقبلية، لذا فإن من السياسات في الاقتصاد النظرة التوازنية بين أصحاب السلع والحرف المتحدة في طريقة العرض حتى لا يفترس بعضهم بعضاً. ومعلوم أنه كلما كثر العرض قل الطلب وبالتالي نزلت قيمة المعروض وتوالت الخسارة، وما يفعله بعض المضاربين من عرض أو طلب كميات ضخمة من أسهم الشركات بقصد رفع سهم أو خفضه لا يعد تجارة مشروعة، بل هو تصرف محرم يلحق الضرر بالآخرين لما فيه من التغرير والتدليس عليهم وأكل أموالهم أو التسبب في ضياعها بالباطل يقول تعالى "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" وقال صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
فأين هذا من هيئة السوق ونحن نرى عروضاً متكررة بمليارات الريالات غير مبررة في نظري إلا للنزول القسري حتى لأسهم الشركات ذات العوائد والأرباح العالية وذهب ضحيته الملايين فمَن المسؤول عن خسارة هؤلاء؟