الخطوط الحمراء في الصحافة

<a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a>

لا أشك أن للعمل الصحافي على أنواعه خطوطاً حمراء ليس لدينا فقط بل في معظم دول العالم ، ولكنها تختلف من بلد إلى آخر تبعاً للثقافة السائدة والنظام السياسي القائم وأخلاقيات وقيم المجتمع التي تنشر من خلاله، لهذا أعتقد أن ما يثار حول هذا الأمر يخالف الواقع، إذ لا يمكن على سبيل المثال وصف أي صحافة بأنها حرة بالمطلق مهما كانت الدولة التي تصدر منها، حتى الدول الإسكندنافية التي تتمتع بهامش كبير من الحرية لصحافتها حدود لا تستطيع أن تتجاوزها ومن المفارقات هنا أن جميع دول العالم تعتبر صحافتها حرة.
وإذا ما تطرقنا إلى مفهوم الحرية فسنجد أنه مفهوم مطاطي لا يمكن الاتفاق على تعريف له يحظى بالإجماع بين العاملين في الوسط الصحافي تماما مثله مثل مصطلح الإرهاب الذي لا يمكن الإجماع على تعريف له يحظى بقبول الشرق والغرب، لذا نجد أن الكثير من صحافيي العالم يصف صحافته بالحرة وهي ربما تكون كذلك إذا ما قيست بثقافة ومصالح دولتهم وقيم مجتمعهم إلا أنها توصف لدى الآخرين بعدم الحرية وربما توصف بأنها صحافة وقحة أو منحازة لدى مجتمعات أخرى تبعاً لثقافة المتلقي نفسه.
ولعل قضية الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، تعتبر مثالاً على التفاوت الكبير بين الثقافات والحضارات في تفسير مفهوم الحرية، ففي حين تتشدق دولة ما بحرية الصحافة وتسمح لصحافتها بنشر رسوم مسيئة إلى أكثر من مليار وربع إنسان لا تستطيع تلك الصحافة أن تنشر رسما للمحرقة اليهودية بحجة جرح مشاعر عشرة ملايين يهودي حول العالم .
وإذا اتفقنا على عدم وجود صحافة حرة في أي بقعة من بقاع هذا العالم فإن التساؤل يكمن في ماهية تلك الخطوط الحمراء التي تجعل منها صحافة غير حرة إذا جاز لي التعبير؟
في ظني أن الخطوط الحمراء تختلف أيضا من مجتمع إلى آخر تبعاً لاختلاف الثقافات والمصالح والأنظمة السياسية، ففي حين نجد أن هناك خطوطا حمراء مكتوبة ومبلغة لجميع الصحف وربما رقيب من الجهة الحكومية في بعض الدول فإننا لا نجد شيئاً من ذلك في دول أخرى بل نجد رقابة ذاتية تنبع من المصالح التي تعمل من خلالها تلك الصحافة أو من خلال جماعات الضغط أو الاتجاهات الفكرية التي تمثلها أو الأجندة التي تعمل على تنفيذها، وفي كثير من الأحيان نجد أن الالتزام الأخلاقي والمصالح الوطنية العليا هي الخطوط الحمراء التي لا تتجاوزها الصحافة الرصينة وهذا ما لاحظناه على الصحافة البريطانية في قضية الرسوم على سبيل المثال.
أما على مستوى صحافتنا المحلية فهناك خطوط حمراء بلا شك إلا أنها خطوط نابعة من المحددات التي تتيحها ثقافة المجتمع السعودي المتطورة باستمرار والقيم الأخلاقية والأعراف السائدة، فعلى سبيل المثال لا يمكن لصحافة العري أن تكون صحافة مقبولة في مجتمعنا كما في مجتمعات أخرى، وكذلك الأمر عندما تمس العقيدة الإسلامية أو الثابت من الدين والأخلاق والعادات، وتلك الخطوط الحمراء في صحافتنا لم تدون وتعمم على الصحف بل هي معروفة لكل من يعمل في المجال الصحافي
أيضا المصالح الوطنية هي ثابت من ثوابت هذا المجتمع لا يمكن الخروج عنها بحجة حرية الصحافة أو تقليد صحافة أخرى يختلف المجتمع الصادرة فيه عن مجتمعنا.
ومع ذلك نجد بونا شاسعا بين سقف الحرية التي تتمتع بها كل صحيفة على حدة, وأقصد بسقف الحرية هنا تلك التي تتفق مع محددات الدين والثقافة والمصالح الوطنية، فمنها من اتبع سياسة الحذر الشديد وجعلت بينها وبين سقف الحرية المتاح مسافة بعيدة وهذا ناتج على ما أظن من الحرص الشديد على الابتعاد عن المشاكل التي يثيرها القراء في الغالب أو أنها لا تستطيع الفرز بين ما هو خط أحمر أو أخضر ولا سيما أن المجتمع يتطور وهذا ما يجعل سقف الحرية الصحفية يزداد أيضا من عام إلى آخر.
ومنها من يحاول رفع السقف الوهمي لتك الخطوط عن طريق صحافييها ومن تستكتبهم وما زالت تصول وتجول، وتواجه المصاعب إلا أنها تمارس مهنة المتاعب بمهنية عالية وتحاول أن تجد لها مكاناً بين أقرانها يليق بها.
وبين هذا وذاك يظل الحس الصحافي هو المسيطر على العمل ونتائجه في ظل خطوط حمراء غير موجودة فعلاً.. بل هي خطوط رسمها كل صحافي حسب فهمه وإدراكه لمتطلبات مهنته والمصلحة الوطنية.
والدليل على ذلك مقال ترفضه إحدى الصحف يرحب بنشره في صحيفة أخرى وينشر فعلاً، وبعد النشر لا تحدث أي مساءلة لمن نشره ولا لمن كتبه.
من هنا يتبين لي بأن موضوع الخطوط الحمراء و السقف هي مسائل مختلف على سقفها الأعلى تبعاً لاختلاف الميول والتوجهات, والدليل على ذلك أن هناك صحافة سعودية خارج المملكة توزع يومياً تتمتع بحرية أكبر بكثير من مثيلاتها في داخل المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي