ضابط يسير النجاسة وطهارة الدم
ضابط يسير النجاسة مما يختلف في نفس كل أحد بحسبه، فمن الناس من يستفحش النقطة والنقطتين ومنهم من لا يستفحش إلا ما بلّ الثوب, لذا روي عن الإمام أحمد أنه سئل مرة عن الكثير فقال: شبر في شبر, وسئل أخرى فقال: قدر الكف فاحش, وقال ابن عباس ما فحش في قلبك, وضابط اليسير هو عرف أوساط الناس مما لا يفحش في القلب, أما إن كان كثيرا وجب إزالته والتطهر منه، لذا إن صلى وعلى ثوبه يسير نجاسة أيا كانت فصلاته صحيحة، وهذا الذي عليه العمل وجرت به السنة لأن النبي, صلى الله عليه وسلم, وأصحابه, كانوا يصلون في نعالهم, قال أبو سلمة سعيد بن يزيد سألت أنس بن مالك أكان رسول الله يصلي في نعليه؟ قال: نعم, متفق عليه, والنعل لا تخلو من نجاسة تصيبها, وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي, صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب" وفي لفظ: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور".
إن يسير النجاسة وما يعرض للكثير من وسوسة مما يدخله الشيطان في نفوسهم حتى يلبس عليهم عبادتهم ووقعت الوسوسة في الوضوء حتى انساق الموسوس للشيطان وإغوائه مما يستحق بسط الحديث عنه وبيان طرقه وعلاجه, لذا رأيت أن أفرد الكلام عنه قريبا. ومما شاع أن كل دم نجس وهذا خطأ يحتاج إلى تفصيل وبيان, فالدماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: دم نجس لا يعفى عن شيء منه وهو كل دم خرج من السبيلين, وكل دم خرج من حيوان نجس فما خرج من السبيلين ينقض الوضوء ودم الحيوان النجس يجب غسله ولو قل.
الثاني: دم طاهر وهو دم السمك لأن ميتته طاهرة ودم البعوض والبق والذباب والدم الذي يبقى في البهيمة المذكاة بعد تذكيتها فالدم الذي يكون في العروق والقلب والطحال طاهر سواء كان قليلا أو كثيرا, ودم الشهيد إذ لو كان نجسا لأمر النبي, صلى الله عليه وسلم, بغسله, ودم الآدمي لم يرد دليل على نجاسته ولم يأمر النبي, صلى الله عليه وسلم, بغسل الدم إلا دم الحيض مع توافر أسبابه ودواعي بيانه لكثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وغيره, مما يدل بقاء حكمه على الأصل وهو الطهارة, بل وردت أدلة على أن المسلمين يصلون في جراحاتهم في القتال والدماء تسيل منهم, ومن ذلك أن عمر, رضي الله عنه, طعنه المجوسي في صلاة الفجر وأتم صلاته ودماؤه تثعب, وما ثبت عن البخاري أنه لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم, قد شج وجهه وكسرت رباعيته اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصر فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم, ثم قال صلى الله عليه وسلم: اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, فهذا لا يدل على نجاسة الدم بل التداوي لإيقاف الدم ولإزالته عن وجه المصطفى, صلى الله عليه وسلم, وجزاه عنا خير ما يجزي نبياً عن أمته, نشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده, حتى أتاه اليقين.