اللمسة السحرية للمرأة منتدى جدة الاقتصادي والدروس المستفادة

منتدى جدة الاقتصادي السابع لعام 2006م ظهر بمظهر مختلف هذا العام، فمن ناحية التنظيم هناك تحسن ملموس، ومن ناحية الأوراق المطروحة، فقد كان هناك تباين واضح، فمنها الجيد ومنها الضعيف.
لكن هذا ليس بجديد وبما أن الموضوع عن "تعزيز الهوية الفردية وتعزيز القيم المشتركة"، فكان من المتوقع مشاركة بعض الشخصيات التي تمثل بعض الجمعيات المدنية العالمية، ومع ذلك كان حضور بعض الشخصيات مهما، وقدم دروسا مستفادة لنا كشعب ولحاضري المنتدى من مختلف الفئات والجهات.
وأكثر شخصية أثّرت فيّ وبهرتني هي رئيسة جمهورية أيرلندا ماري ماك أليس بشخصيتها الهادئة الراقية البشوشة وافتتاحها كلمتها بجملة السلام عليكم باللغة العربية، التي وإن خرجت غير واضحة تماماً لكنها لفتة مميزة منها، وتدل على اهتمامها واحترامها للبلد الذي تزوره. وأنهت كلمتها بكلمة شكراً بالعربية، (وأعتقد أن هذه ميزة تتميز بها النساء في مختلف المواقع والمواقف، وهي لمس المشاعر الإنسانية بلمسات بسيطة وساحرة).
وتحدثت عن بلدها أيرلندا، وشخصيا كنت ومازلت أحترم الشعب الأيرلندي لمواجهته الطويلة للتحرر والاستقلال من سلطة بريطانيا خلال العقود الماضية.
وبدأت تاريخياً بذكر وضع بلادها منذ الثلاثينيات، وكيف أن أيرلندا كانت تعتبر من أفقر الدول الأوروبية؟ وكيف أنها حتى 30 سنة مضت كانت تعاني من كل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول الفقيرة والنامية. وتحسن وضعها اقتصايا منذ السبعينيات وبعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
والآن وبنهاية عام 2005 تعتبر أيرلندا من أفضل الدول الأوروبية دخلاً وإنتاجاً ومستوى معيشة، وكيف تحقق ذلك؟ ببساطة بدأوا بالاستثمار في رأس المال البشري وتوسع قاعدة التعليم، فالتعليم مجاناً لكل الشعب في مراحل التعليم الأولى (المدرسة) وكذلك التعليم العالي المجاني (الكليات والجامعات) متوافر للمواطنين.
ثم بدأت شراكة الحكومة مع القطاع الخاص في توظيف الشباب وتدريبهم وتوفير مهن جديدة بنسبة 40 في المائة، ثم استقطاب الاستثمار الأجنبي والانفتاح الاقتصادي على الدول الأوروبية الأخرى.
هذه المفاتيح الثلاثة لتطور ونمو أيرلندا اقتصادياً، كما وضحت ذلك الرئيسة ماري ماك أليس، واختتمت بأن قبول الغير واحترام الثقافات والتنوع ،وتقبل آليات تحرك التجارة العالمية هي عوامل ساعدت على نجاح الاقتصاد الأيرلندي.
ومع أن عدد السكان لا يتجاوز خسمة ملايين نسمة، إلا أن دخل الفرد الأيرلندي نسبة إلى الناتج الإجمالي العام هو رابع أعلى دخل في العالم، حيث بلغ نحو 40 ألف دولار أمريكي عام 2005، وبعد الزراعة والصناعة يشتغل 30 في المائة من السكان في صناعة البرمجيات، مما جعل من أيرلندا أكبر مصدر للبرامج والخدمات المتعلقة بالبرمجيات Software في العالم.
رغم قلة عدد سكان أيرلندا، فإن الثقافة الأيرلندية تمكنت من الانتشار في أوروبا والعالم يرجع الفضل في ذلك إلى العديد من مشاهير أيرلندا كعشرات الأدباء الأيرلنديين العظام، منهم: برنارد شو ((Shaw، أوسكار وايلد (Wilde) وجورج باركلي (Barkley).
ذاك هو الدرس الأول وكيف نستطيع الاستفادة من التجربة الأيرلندية الاقتصادية.
بينما الدرس الثاني قدمته السيدة السفيرة كلارا جيمار، الممثلة الخاصة لفرنسا في مجال الاستثمارات الدولية ورئيس وكالة "استثمر في فرنسا" وقدمت عرضا مميزا جداً عن الوضع الاقتصادي في فرنسا وفرص الاستثمار المتوافرة فيها، وقوانين الضرائب المعدومة تقريبا على الاستثمار الأجنبي، وسهولة نقل التكنولوجيا المستخدمة في هذه المشاريع للدول المستثمرة وفرص التعليم والتدريب المتوافرة، كما ذكرت أن فرنسا أصبحت من أرخص الدول العالمية، وصاحب العرض رسوما بيانية وإحصائيات وأرقام مذهلة، ومع إصرار أحد الحضور على أن العلاقة التجارية المتبادلة بين فرنسا والمملكة موجودة منذ الماضي، أوضحت كلارا أن السعوديين موجودون بقوة في فرنسا وهناك رؤوس أموال سعودية ضخمة بها صحيح، لكن مع الأسف كلها مستثمرة في العقارات وليس في المشاريع التنموية أو التجارية.!!
جدير بالذكر أن وكالة "استثمر في فرنسا" هي عبارة عن شبكة مؤلفة من 22 فرعاً دولياً يقوم عليها 75 استشاريا في مجال الأعمال في كل من أمريكا الشمالية، وآسيا، وأوروبا، وتقدم الدعم للمستثمرين وتطلعهم باستمرار على آخر المستجدات والتطورات الحاصلة على الأصعدة القانونية والمالية والاجتماعية في الأسواق العالمية ذات الأهمية.
واللمسة السحرية لهذه المرأة ظهرت عندما ذكر أحد الحضور كيفية تمكنها العمل والنجاح والوصول إلى هذا المنصب، وهي ليست كبيرة في السن فقط 47 سنة، وأم لثمانية أبناء، كما هو مذكور في سيرتها الذاتية، وكم كانت المفاجأة وتبعها السرور من جانب الحاضرات عندما علقت كلارا بأنه في قانون العمل الفرنسي من حق الأم أخذ إجازة لمدة سنتين لإرضاع وتربية الطفل ثم تعود للعمل. (ومن الأولى بتطبيق هذا القانون من فرنسا؟).
وهذا هو الدرس الثاني المستفاد من هذا المنتدى للجهات المعنية، كيفية العرض لجذب الاستثمارات الأجنبية لبلادي، وبيد الشخص المناسب وباستخدام الأدوات المناسبة مثل مرونة قوانين الاستثمار الأجنبي.
أما الدرس الثالث فهو شخصي، فلقد جاءتني الفرصة للغداء مع البارونة الإنجليزية نيكولسن عضو في برلمان الاتحاد الأوروبي، والتي تحدثت بصراحة عن نفسها خلال الغداء مع مجموعة من خمس سيدات سعوديات، الذي سحرني شخصياً هو تحولها من العمل في مجال الموسيقى وتصنيع البرمجيات إلى العمل الخيري في مجال التنمية المستدامة، وأصبحت رسالتها في الحياة محاربة الفقر والقضاء على خطف وتبني الأطفال في الدول الغربية، لما يصاحب ذلك من سوء معاملة وتعد، واستفسرت عن نظام كفالة اليتيم في الإسلام وأبدت اهتمامها بالدين الإسلامي، وأوضحت لها ببساطة أن هدف المسلم من كفالة اليتيم هو الأجر والثواب ومساعدة الآخرين، وفسرت لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم.."، بينما هدف الفرد الغربي من التبني هو المتعة الشخصية في الحصول على أبناء لمن لا يستطيع الإنجاب أو استخدام حقوق التبني في سوء معاملة الأطفال.
والدرس الأخير المستفاد هنا، أن المرأة تستطيع عندما تعمل بجهد أن تنجز وبلمسة سحرية أيضاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي