اختلف في نجاسة عين الخمر، فجمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام يرون أنها نجسة واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى "يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان"، والرجس النجس بدليل قوله تعالى "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس"، وبناء على هذا القول إذا أصاب الخمر البدن أو الثوب نجسه ووجبت إزالته ويدخل فيه بعض العطور المستعملة التي تحتوي على مادة مسكرة وهي مادة "السبرتو" فيحرم استعمالها لأنها نجسة العين وتنجس كل ما أصابته، قال ابن رشد: اتفق المسلمون على نجاسة الخمر إلا خلافا شاذا. أ.هـ
والمتأمل لكلمة "رجس" واستعمالها في القرآن يلحظ أنها استعملت بعدة معاني وفي مواضع متعددة فوصف الله بها المنافقين في قوله "سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس" فوصفهم الله بأنهم رجس كما وصف الله المشركين بأنهم نجس في قوله سبحانه "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" وفي قوله تعالى "إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان" وهذه الاستعمالات في نظري تمنع حمل الرجس على معنى النجس وذلك لاقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام فهي طاهرة بالإجماع لذا قال الشوكاني رحمه الله في كتابه "السيل الجرار" ليس في نجاسة المسكر دليل يصلح للتمسك به ويؤيد هذا القول ما رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن الخمر لما حرمت خرج الناس وأراقوها في الأسواق"، وأسواق المسلمين لا يجوز أن تكون مكانا للنجاسة ولهذا يحرم البول فيها أو يصب فيها النجاسة. لأن في ذلك إيذاء للمارة والأصل الشرعي دفع الأذى قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه ولا أدل على ذلك من الأمر بإماطة الأذى عن الطريق.
ويروي مسلم في صحيحه أن رجلا جاء براوية خمر فأهداها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للرجل: أما علمت أنها حرمت؟ فأشار إليه رجل أن بعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ففك الرجل الراوية ثم أراقها في حضرة النبي، صلى الله عليه وسلم. فهل يتصور أن تهراق النجاسة بحضرته صلى الله عليه وسلم، ويقر ذلك، هذا ما لم يقله أحد.
ثم إن الأصل الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ولا دليل، وهذا القول له حظ من النظر وهو الذي تؤيده الأدلة النقلية والله تعالى أعلم.
