أهداف السعي لامتلاك المال بين المتنبي وعلم النفس
لقد بينت لنا المضاربات في بيع الأسهم وشرائها في المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة ظاهرة سعي الإنسان الحثيث لامتلاك المال، وهي ظاهرة اجتماعية معروفة منذ القدم، وعند كافة الشعوب. والمعروف أن بيع الأسهم وشرائها هي عملية تجارية معروفة، وقد كانت في السابق تتم بين فئات معينة ولكنها في الآونة الأخيرة استقطبت جميع فئات المجتمع، وكان الرابح والمستفيد هو من يملك القدرة المالية والسيطرة في سوق الأسهم، أما الخاسر فيها فهو الفقير ومتوسط الحال، مع العلم أن الربح والخسارة في التجارة حالة تجارية معروفة، ولكن ما يحدث اليوم في سوق الأسهم هو بعكس ذلك لأن الخاسر دائما هو الأضعف والأفقر، وهذه مصيبة من مصائب الدهر. قال أبو الطيب المتنبي:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
إن غريزة حب المال وحب التملك عند الإنسان سلوك وطبع معروف منذ القدم، ولكن هدف الإنسان من التملك وامتلاك المال يختلف من شخص لآخر، كما أن الوسيلة للحصول على المال تختلف أيضا.
يقول الوردي (1989م): إن الشخص البالغ بحكم الأنوية – الأنا – التي تسيطر عليه يسعى نحو رفع مكانته في نظر الآخرين، وهذه المكانة لا تقوم على أساس المواعظ التي يتحذلق بها الناس في اجتماعاتهم العامة، بل تقوم على أساس القيم التي يتقيد الأشخاص بها فعلا في واقع حياتهم، فالمواعظ تحث الإنسان على عدم الاهتمام بالمال، وهي تعد المال "وسخ الدنيا"، بينما القيم الاجتماعية تقدر المال في الواقع تقديرا كبيرا، وتجعل صاحبه موقع احترام الناس، فالفرد الذي ينشأ في مجتمع من هذا النمط سوف يندفع في سلوكه العملي نحو جمع المال بغية نيل المكانة العالية التي يطمع فيها، أما المواعظ التي تحثه على خلاف ذلك فهو لا يكترث لها، فقد يحفظها ويتحذلق بها دون أن يتأثر بها.
وقال المتنبي:
فلا ينحلل في المجد مالك كله
فينحل مجد كان بالمال عقده
ودبره تدبير الذي المجد كفه
إذا حارب الأعداء والمال زنده
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله
ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
وفي الناس من يرضى بميسور عيشه
ومركوبه رجلاه والثوب جلده
لقد ربط أبو الطيب في بيته الأول بين المال والمجد، ونصح بأن الإسراف في المال في طلب المجد أمر غير محمود، لأن المجد لا يوصل إليه إلا بالمال، فإذا ذهب المال انحل ذلك العقد الذي كان يعقد بالمال. وضرب المتنبي في بيته الثاني المثل بالكف والزند، فالكف لا تقوم إلا بالزند، وكذا الأعداء لا تقهر إلا بالمال، فالكف مثلا للمجد، والزند مثلا للمال، فالضرب لا يتم إلا باجتماع الكف والزند، كذلك لا يحصل العلو والشرف إلا باجتماع المال والمجد وبين أبو الطيب في بيته الثالث أن صاحب المال بلا مجد فقير، وصاحب المجد بلا مال قد يزول مجده لعدم المال، أما في بيته الرابع فقد أشار إلى صنف من الناس ترضى بميسور العيش، ومركوبها أرجلها، وأثوابها جلودها، وربما أن تكون هذه الفئة من الناس مصدقة بالقول إن المال "وسخ الدنيا" ويقول راجح (1972): قد يتساوى شخصان في سمتي السيطرة وحب التملك من حيث القوة والبروز، ومع هذا تختلف شخصية أحدهما عن الآخر. هنا يدل الفحص الدقيق على التملك عند الأول وسيلة للسيطرة على الناس، وأن السيطرة لدى الثاني وسيلة للاستحواذ والتملك. وقال المتنبي:
ورب مال فقيرا من مروته
لم يثر منها كما أثري من العدم
وضح المتنبي في بيته هذا أن الإنسان قد يملك المال، ومع هذا فهو فقير إذا فقد المروءة، فهو قد أثرى من العدم، أي استغنى من الفقر، وافتقر المروءة. وهنا نتبين أن امتلاك الإنسان للمال دون أن يكون في طبعه مروءة لغيره فماله أغناه عن الفقر ومع هذا فهو فقير في أخلاقه.
وقال المتنبي أيضا:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
لقد أشار أبو الطيب في بيته هذا إلى نوع محدد من الناس، فبعض الناس تجمع المال وتكدسه خوفا من الفقر، ولكن فعلها هذا هو الفقر بعينه، فقد قيل: استخدام المال هو الميزة الوحيدة لامتلاكه.
ويقول عالم النفس داكو: الجشع هوى، إنه انحراف في غريزة المحافظة على البقاء ويختلف الجشع عن البخل، فالبخيل يجمع الخيرات دون أن يصرفها، فيما أن الجشع يرغب في الاستمتاع بها استمتاعا ماديا ومعنويا. والبخل انحراف في غريزة المحافظة على البقاء، فالميل إلى التوفير طبيعي لدى الإنسان إلى حد كبير إذا كان يهدف إلى أن يحقق أمنا في المستقبل. ولا شيء من هذا لدى البخيل.. إن توفير البخيل يتجاوز الهدف، ومثل ذلك هؤلاء المتسولون أصحاب الثياب الرثة الذين ينامون على فراش من الأوراق النقدية الكبيرة.
وقال المتنبي أيضا:
والغنى في يد اللئيم قبيح
قدر قبح الكريم في الإملاق
لقد بين أبو الطيب في بيته هذا أن الغنى عند اللئيم – البخيل – قبيح، كما أن الفقر والفاقة عند الكريم قبيح، فالكريم قد يؤلمه فقره وعسره، أما اللئيم فغناه لا يطرد لؤمه عنه.
المراجع:
الوردي، علي، "الأنوية" مجلة "العربي" الكويتية العدد: 370 - 1989م.
راجح، أحمد عزة، "أصول علم النفس"، 1972م.
داكو، بيير، "الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث".