أخبار

المشلح الأحسائي .. أسر تتوارث المهنة وتنتج 45 ألف مشلح سنويا

المشلح الأحسائي .. أسر تتوارث المهنة وتنتج 45 ألف مشلح سنويا

اكتسب المشلح الأحسائي شهرة واسعة منذ القدم، حيث تعتبر منطقـة الأحســاء المورد الرئيسي للمشالح لسوقي السعودية والخليج، ويوجد في الأحســاء نحو 50 معملا لتصنيع المشالح تنتج سنويـا أكثر من 45 ألف مشلـح، 35 في المائة منها تنتج من قبل ثلاثة معامل كبرى، فيما تتوزع الكمية المتبقية بين باقي المعامل بنسب متفاوتة، ويحرص العديد من أبناء المملكة على ارتداء المشلح في مناسباتهم، اعتقادا منهم بأن الأناقـة لا تكتمل دون ارتداء المشلـح، فهو رمز للوقار والفخامة، كما أنه مكملا للزي الرسمي في السعودية ودول الخليج العربية، إذ يرتديه المسؤولون وكبار الشخصيات في مقابلاتهم الرسمية، كما يرتديه الجميع في المناسبات الاجتماعية كالأعياد وحفلات الزفاف، ويحرص العديد من رجال الأعمال على اقتناء المشالح المميزة وارتدائها في العديد من المناسبات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي يوجدون فيها، حرصا منهم على الظهور بالمظهر اللائق، ولا يخفي العديد منهم حرصه على اقتناء المشالح النادرة والمتميزة التي تباع بأسعار مرتفعة، فيما يفضل آخرون شراء المشالح بكميات كبيرة سواء للإهداء أو للاستخدام الشخصي، حيث يظهر في كل مناسبة بمشلح من نوع ولون مختلف، وقد يظهر بأكثر من مشلح في المناسبة الواحدة. وقد تخصص العديد من الأسر في الأحساء في حياكة وتصنيع المشـالح، الأمر الذي أكسبها شهرة واسعة على مستوى السعودية والخليج، وقد توارث أبنـاء تلك الأسر المهنـة جيلا بعد جيل، وكان كل رب أسرة يحرص على تعليم أبنـائه تلك المهنـة، لأنها تعد من المهن الراقيـة التي أسهمت في إثراء الكثير من تلك الأسر، فالأسر التي تعمل في تصنيع المشالح تعد كالأسر التي تعمل في تصنيع الذهب، باعتبار المهنتين من المهن الراقية والتي تفضل بعض الأسر امتهانها لتكتسب مكانة اجتماعية واقتصادية متميزة في المجتمع. وتعد أسرة المهدي إحدى أشهر العائلات المتخصصة في تصنيع المشالح على مستوى المملكة والخليج، ويقول أحمد بن حسن المهدي المدير العام لمجموعة مشالح المهدي الملكية: "البداية كانت قبل أكثر من مائة عام، عندما افتتح جدي علي المهدي مشغلا صغيرا في أحد منازل الحي لتصنيع المشالح، حيث كان يعمل في ذلك المشغل أمهر العمالة من المختصصين في تصنيع المشالح في المنطقة، واستمر نشاط العائلة في هذا المجال عن طريق والدي ومن بعده أنا وإخوتي، إذ واصلنا المشوار عن طريق تطوير وتنمية العمل، حيث قمنا خلال السنوات الأخيرة بافتتاح عدة فروع في المناطق الرئيسة في المملكة (الرياض، جدة، المنطقة الشرقية)، إضافة إلى المقر الرئيس للشركة في منطقة الأحساء، وينتج مصنع الشركة في الأحساء أكثر من ستة آلاف مشلح سنويا من مختلف أصناف المشالح، مثل أبو غاط وأبوغاطين والوبر الونيشن وغيرها من الأنواع التي تجد إقبالا من العملاء، فيما تخطط المجموعة حاليا لتوسيع نشاطها بافتتاح فروع جديدة في الإمارات، إضافة إلى بيروت وجنيف، نظرا للإقبال المتزايد على الزي العربي، سواء من قبل بعض الشخصيات العربية الموجودة في تلك المناطق أو من قبل الغرب". ويرى المهدي بأن العمالة الأجنبية أسهمت بشكل كبير في تدهور صناعة المشلح الأحسائي، إذ تقوم تلك العمالة بإنتاج كميات كبيرة من المشالح، من خلال عدد من المشاغل التي انتشرت أخيرا في المنطقة ذات الجودة المتدنية وبأسعار تعد زهيدة، مقارنة بما ينتج من قبل العمالة السعودية المدربة، ويضيف أن الإنتاج في السابق محدود، إذ يحتاج المشلح إلى فترة قد تصل إلى أكثر من عشرة أيام لتصنيعه، وذلك من خلال مروره بعدة مراحل، الأمر الذي أسهم في الحفاظ على سعره، أما في الوقت الحالي فإن الإنتاج الغزير في الأسواق تسبب في انخفاض أسعار المشالح. أما علي بن حسن المهدي نائب المدير العام في المجموعة، فيؤكد أن مجموعة المهدي تركز في الإنتاج على النوع الممتاز، رغبة منها في الحفاظ على المشلح الأحسائي، وبالتالي الحفاظ على عملائها المتميزين، ولخص أسباب استمرار مجموعة المهدي في التميز، في الالتزام بالمواعيد والجودة والإتقان في العمل، من خلال الاستعانة بالعمالة السعودية المدربة ذات الخبرة والمهارة في هذا المجال، مشيرا إلى أن المشالح القديمة تمتاز بجودتها، إذ تبقى محافظة على تلك الجودة سنوات طويلة، نظرا للمهارة الفائقة التي يمتاز بها صانعوها، كما طالب المهدي الجهات المختصة كوزارة العمل والغرفة التجارية في المنطقة والمعاهد المهنية، بالاهتمام بالمهن الحرفية والحفاظ عليها من الضياع، وذلك من خلال الاستفادة من بعض الخبرات الموجودة حاليا في هذا المجال، لتدريب وتأهيل الشباب السعودي، ليحل بديلا للعاملة الأجنبية، التي تسببت في تدهور مستوى المشلح بسبب قلة مهارتها واستخدام مواد سيئة في التصنيع، ولفت إلى استعداد المجموعة للتعاون مع الكلية التقنية والمعاهد المهنية في مجال تدريب الشباب السعودي، من خلال إتاحة الفرصة لهم للعمل في المصنع التابع للمجموعة، والاستفادة من الخبرات التي يمتلكها العاملون في مصنع المهدي. لجنة المشالح في غرفة الأحساء يطالب كثير من المختصين في مجال تصنيع وخياطة المشالح، بإنشاء لجنة في غرفة الأحساء تختص بمصنعي المشالح، وذلك على غرار لجان متعددة في الغرفة، كلجنة الذهب ولجنة التمور واللجنة التجارية ولجنة المهن الحرة وغيرها، وسيكون لتلك اللجنة دور كبير في الحفاظ على تلك المهنة، وإيجاد حلول مناسبة لأبرز الصعوبات والعوائق التي تعترض استمرار وتطوير تلك الصناعة، وذلك من خلال وضع الخطط وإعداد البرامج المناسبة لإحلال الشباب السعودي في هذه المهنة بدلا من العمالة الأجنبية. 10 أيام لتصنيع المشلـح يمر المشلـح أثنـاء تصنيعـه وقبل عرضـه للبيع في السوق بعدة مراحل، تأتي في مقدمتها التفصيـل (الترسيم)، تركيب البطـانـة، التركيب التحتي، السمط (التصميم)، الهيلـة، البروج، المكسر، تركيب القيـطان، البرداخ (تلميع الزري)، والخبـانـة، وتستغرق تلك العملية أكثر من عشرة أيـام، خصوصا وأنها تتم يدويا، وتحتاج إلى عمالة ماهرة تتقن الصنعـة ليخرج المشلح بالشكل اللائق، كما أن المشلـح الواحد يسـهم في تصنيعـه أكثر من شخص، بحيث يقوم كل شخص بتنفيذ مرحلـة من تلك المراحل. الياباني يتفوق على الإنجليزي كانت المشالح في السابق تصنع من أقمشـة تستورد من العراق وإيران وهي أقمشة شبـه ربيعيـة، وكانت تطرز بخيوط الحرير (البريسم) اللماع، وبألوان مختلفة، منها الأسود والبني والأصفر، بعد ذلك ظهر المشلـح الوبر، ثم تنوعت الأقمشـة المستخدمة في تصنيع المشالح، من بينها أبوغاطين وهو صيفي ويستورد من بريطانيا، أبوغـاط صيفي خفيف ويستورد من اليـابـان، الونيشـن من بلجيكـا، المرينـة الربيعيـة والوبر الشتوي من سوريـة، إضافة إلى بعض الأنواع الأخرى، من أهمها النجفـي ومريـانـا ديلوكس والوبر ديلوكس، ويعد أبوغـاط الأكثر طلبا خلال هذه الفترة، وذلك بعد أن كان الطلب على أبوغاطين هو السائد، نظرا لمناسبته للأجواء الحارة في المنطقة، أما بالنسبـة للوبر، فقد تم الاستغنـاء عن السوري بما ينتجه مصنع الأحساء للنسيج، حيث يوفر الكميـة الكـافيـة من أقمشة الوبر للمشاغل الموجودة في المنطقـة. الحرير والزري لتزيين المشالح ويستخدم صـانعو المشـالح خيوط الحرير في تزيين المشالح، حيث كانت تستورد من سورية والعراق والهند، بعد ذلك تطورت أنواع الخيوط إلى النحـاس، ومن ثم إلى خيوط الزري المذهبـة أو الفضيــة، التي تستورد من فرنسـا وألمـانيـا، حيث يتم تشكيل الزري على المشلـح بعدة أشكـال من بينها الملكـي، المقلم، طابوقـة، المروبع، المخومس، المسوبع، المتوسع، حيث يختلف كل شكل عن الآخر حسب الطول والعرض وتشكيل النقوش، ويعتبر رجل الأعمال السعودي سليمـان بالغنيـم - رحمـه الله- أشهر مورد لخيوط الزري في السعوديـة، إذ يعد بالغنيم إضافة إلى عبد الرحمن الصالح من المؤسسين لتجارة وصناعة المشالح في المنطقة. لا تأثير للمستورد على المحلي بالرغم من وجود مشالح مستوردة غزت الأسواق في السنوات الأخيرة من بعض الدول العربية، إلا أن تلك المشالح لم تأثر في المصنع محليا، وذلك على الرغم من انخفـاض أسعـار المستورد، التي لا تتجاوز أسعار بعضها 500 ريال، إذ يفتقد المستورد الجـودة، التي يتمتع بها مشلح الأحساء، حيث يتم تصنيعه من مواد خام غير جيدة، كما أن عيوبا تصنيعيـة تظهر فيها، وذلك بعد استخدامها بفترة وجيزة، مما يؤدي إلى تلفها، وبالتالي لم تجد تلك المشالح إقبالا من المتسوقين، الذين يفضلون المصنع محليا على تلك المشالح. الأسود والأبيض الأكثر رواجا أما من ناحية اللون، فقد اقتصرت ألوان أقمشـة المشالح في السـابق على خمسـة ألوان فقط وهي "الأبيض، الأسود، البنـي، العودي، والبيـجي"، أما في الوقت الراهـن ومع تعدد الأذواق والرغبـات فقد تعددت الألوان إلى أكثر من 60 لونا بمختلف درجاتها، وهناك ارتبـاط وثيق بين بعض الألوان والمناسبات، إذ يفضل بعض المستهلكين ألوانا محددة في بعض المناسبات، فالأبيـض هو اللون المفضل من قبل الكثيرين لحفـلات الزفاف، فيما يفضل كثيرون الأسـود للأعياد، في حين يفضل بعض الشباب ارتداء بعض الألوان مثل البنـي أو العودي والأشقر والبيـجي وغيرها من الألوان الأخرى في بعض المناسبات الرسمية والاجتمـاعية، كحضور المؤتمرات والاجتماعات ومراسم الاستقبال. الـرياض والبحريـن الأكثر طلبا تستحوذ ســوق منطقــة الرياض على أكثر من 50 في المائـة من إنتـاج الأحساء من المشالح، تليهـا أسواق الأحساء 20 في المائـة، الدمام 15 في المائة، جـدة 15 في المائة، أمـا على مستوى الخليـج فتـأتي أسواق البحرين في المقدمة بنسبة 50 في المائة، تليهـا أسواق قطر فالإمارات. تزايد الطلب في الأعياد والحفلات يتزايد الطلب على المشالح في الأيام التي تسبق عيدي الفطر والأضحى، إضافة إلى أيام الأجازة الصيفية، حيث تكثر حفلات الزفاف، ويفضل الكثيرون اقتناء المشالح الجديدة لارتدائها في تلك المناسبات، إذ تنشط تجارة المشالح في تلك الفترة، نظرا للإقبال المتزايد من قبل المتسوقين. ويلجأ عادة بعض الشباب إلى تأجير المشالح أثناء بعض المناسبات بدلا من اقتنائها، رغبة منهم في تقليل التكاليف، خصوصا في بعض المناسبات كالزواج، فيما يرى آخرون بأنه فرصة للتنويع في ارتداء المشالح بدلا من ارتداء مشلح واحد في أكثر من مناسبة، وقد أسهم ذلك في افتتاح معارض متخصصة لهذا الغرض، إذ تقوم تلك المعارض بتأجير المشالح لفترات محددة قد تكون ليوم واحد أو أسبوع وبأسعار مناسبة، مما جعل الإقبال يتزايد لدى تلك المحلات من قبل الكثيرين، خصوصا فئة الشباب التي تميل غالبا إلى التغيير وتبحث عن الجديد بصورة مستمرة. مشالح بأسعار خيالية على الرغم من الانخفــاض الحاد في الأسعار، الذي تشهده سوق المشــالـح في الأحساء، إلا أنـه لا تزال هنــاك مشـالـح بـأسعـار تعتبـر خيـاليـة، إذ يصل سعر بعض الأنواع من تلك المشـالح إلى أكثر من 50 ألف ريـال، وهي المشـالح المذهبة، ويعد الطلب عليهـا نـادرا جدا، حيث لا يتم تصنيعها إلا حسب الطلب، ويتم غالبا استخدام أنواع خاصة من الأقمشة لخياطة تلك المشالح فيما يتم تزيينها بخيوط الذهب، ويستغرق تجهيز تلك المشالح فترة طويلة قد تصل إلى الأسابيع الثلاثة، نظرا لمساهمة أكثر من شخص من أصحاب الكفاءة والاختصاص في إعدادها، فكل شخص يقوم بعمل جزء معين، إذ يحتاج تصنيعها إلى جهد كبير ودقة وإتقان لتظهر بشكل متميز.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار