سوق خام النحاس تشهد تقلبات حادة في الأسعار
لم يسبق لسوق النحاس في بورصة لندن للمعادن أن شهد مثل هذه التقلبات. فقد قفز سعر النحاس بنسبة 11.6 في المائة دفعة واحدة بعد يوم واحد من الخسائر التي مني بها في اليوم الذي سبقه حيث بلغت هذه الزيادة ألف دولار للطن تقريبا ، ولكن السعر لم يلبث في اليوم التالي حتى تراجع مرة ثانية بنسبة 7.5 في المائة. ويعتقد جيمس جوتمان الخبير العالمي في المعادن لدى بنك جولدمان زاكس الاستثماري أن التقلبات ستستمر لبعض الوقت، وقال : "لن أفاجأ شخصيا إذا ارتفع سعر الطن إلى عشرة آلاف دولار ، ولن أفاجأ أيضا إذا ما هبط سعر الطن إلى ستة آلاف دولار فقط " هذا وقد استقر السعر في المراحل الأخيرة عند مستوى يقل قليلا عن ثمانية آلاف دولار للطن.
وجوتمان لا يعزو هذه التقلبات للمضاربات في الأسواق ويقول: "هناك مبالغة في الدور الذي يلعبه المضاربون في هذه السوق "، وهو يعتقد بأن آلية الأسعار في سوق النحاس قد تغيرت دون أن يدرك ذلك بعض المتعاملين في السوق ويتأقلمون مع الأوضاع الجديدة. ويشبه جوتمان الوضع الحالي بوضع سوق النفط في سنوات سابقة، عندما تضاعف سعر النفط ثلاث مرات. وأعرب خبير المعادن عن توقعاته أن تسود السوق خلال سنتين إلى ثلاث سنوات سعر خمسة آلاف إلى ستة آلاف دولار لطن النحاس ، أي أعلى بوضوح من السعر الذي كان سائدا حتى الآن والذي كان يدور حول 1500 إلى 2000 دولار للطن الواحد. ومع ذلك فإن لدى جوتمان ما يكفي من الحجج لتوضيح الأسباب التي تجعل السعر الحالي البالغ ثمانية آلاف دولار للطن ليس خارجا على العادة.
لعقود خلت كانت عملية تكون الأسعار في سوق النحاس تتأثر بتغير كميات الاحتياط المتاحة يوما بيوم ، ولكن هذه العملية من وجهة نظر جوتمان لم تعد فاعلة لأن احتياطي النحاس قد تم دمجها في كتلة واحدة ، وقد أصبحت عملية تكون الأسعار الآن دالة على التغير اليومي في الكميات المطلوبة و الكميات المعروضة لسلعة تزداد تكاليف إنتاجها باستمرار ، وهذا هو السبب الذي يدفع السيد جوتمان للاعتقاد بأن تقلبات الأسعار ستستمر لفترة من الزمن.
إن جزءا من ارتفاع أسعار النحاس يعود لتكاليف الإنتاج التي ارتفع هامشها في السنوات القليلة الماضية من 1500 إلى 1800 دولار إلى ما بين ثلاثة آلاف و أربعة آلاف دولار للطن ، أي ضعف التكلفة السابقة. وهذا ما يعزوه جوتمان للضرائب المرتفعة المفروضة على منتجات المناجم من المواد الأولية في العديد من البلدان ، ولعمليات التأميم الجزئي لشركات التنجيم كما حدث في زيمبابوي ، مثلا ، وللأجور المرتفعة التي فرضتها النقابات العمالية ، ولارتفاع تكلفة الطاقة ، كما يعزى لقوانين المحافظة على البيئة وما يسببه ذلك كله من تغيرات في أسعار الصرف.
وبغض النظر عن هذا الارتفاع في الأسعار فإن عملية تكون الأثمان تتأثر حاليا بصورة مباشرة نتيجة لفائض الطلب، وهو الأمر الذي يؤدي ، في ظل نقص العرض إلى ارتفاع في الأسعار. ويقدر جوتمان أن فائض الطلب هذا سيستمر على هذه الحالة لسنة أخرى على أقل تقدير. فحتى في حالة تقلص طلب بعض الأفراد من المستهلكين نتيجة لارتفاع الأسعار وزيادة الطاقات الإنتاجية، فإن أسعار النحاس المرتفعة ستستمر لبعض الوقت. ففي نهاية المطاف لا بد للطلب المتحفظ حاليا على النحاس أن يشتد مع مرور الوقت ولهذا لا بد من زيادة المخزون من النحاس. ويقول جوتمان أيضا أنه لا بد من زيادة العرض لفترة من الزمن ليكون ثمة مبرر لانخفاض تدريجي في السعر.
إن مستوى الأسعار المرتفع وشديد التقلب الذي يسود سوق النحاس حاليا هو إذن نتيجة لآلية تكون الأثمان الجديدة، التي لم تعد تتأثر بكميات المخزون ، بقدر تأثرها بالعلاقة بين العرض والطلب .ويعلق جوتمان على ذلك بقوله : " وهذه أرض بكر بالنسبة لسوق النحاس. أما التذبذب الحاد في الأسعار فيظهر مدى الصعوبة التي تواجهها السوق في تحديد السعر المناسب " ، ولا يستبعد جوتمان حدوث عمليات تصحيح للأسعار مستقبلا أيضا ، وهو يعتقد في الوقت نفسه بأن ثمة مبالغة في الدور الذي تلعبه سياسة الفوائد الأمريكية في أسواق المواد الخام .