Author

الفهم الخاطئ لمشاعر المسلمين

|
حرصت سفارة الدنمارك على نشر إعلانات مدفوعة القيمة في بعض الصحف السعودية تحت عنوان "الحكومة الدنماركية تحترم الإسلام" من أجل تهدئة الشعب السعودي الذي اجتاحه الغضب جراء نشر صحيفة "جيلاتدز بوستن" الدنماركية رسومات كاريكاتورية لرسولنا الطاهر الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم. من المستغرب حقا أن تسمح حكومة تدعي علنا احترام الإسلام والمسلمين بنشر رسومات مسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم ثم تمتنع عن تقديم اعتذار صريح يخلي مسؤوليتها من تبعات النشر. ربما السفير الدنماركي لم يعلم أن الغضب العارم الذي عم أرجاء السعودية وجميع الدول الإسلامية لا يمكن إطفاؤه بالإعلانات الدبلوماسية التي أسهمت في فضح موقف الحكومة الدنماركية بدلا من تبرئتها, فسعادة السفير أشار في إعلانه إلى أن رئيس الوزراء الدنماركي "قد أدان في خطابه بمناسبة العام الميلادي الجديد أي تصريح أو عمل أو تعبير عن الرأي يقصد تشويه صورة مجموعة من الناس بناء على انتمائهم الديني أو العرقي". الإدانة العامة والشاملة لا يمكن القبول بها في القضايا المحددة، فالحدث الذي هز أركان الدول الإسلامية واعتصر قلوب المسلمين كان بسبب نشر الصور الكاريكاتورية التي أدانها المسلمون واعتبروها تطاولا فاضحا على الرسول الكريم وعلى الإسلام والمسلمين. لذا يفترض أن تكون كلمات الإدانة التي صدرت من رئيس الوزراء الدنماركي واضحة وصريحة لا لبس فيها ومرتبطة بالحدث نفسه، لا أن تأتي بأساليب دبلوماسية مغلفة تهدف إلى تهدئة المسلمين وتتجنب في الوقت نفسه إغضاب الرأي العام الدنماركي. يكمل السفير في فهمه الخاطئ لمشاعر المسلمين تجاه القضية حين قال "لقد تم وللأسف في هذا السياق تصوير الموضوع كما لو كانت هذه الرسومات جزءا من حملة للتشهير بالمسلمين في الدنمارك" والحقيقة أن براكين الغضب قد تفجرت انتصارا للرسول الكريم، لرسالته الربانية، ولذاته الطاهرة، ولم تكن انتصارا للمسلمين أنفسهم. ويكمل السفير محاولاته الدبلوماسية لتهدئة الرأي العام السعودي فيذكرنا برسالتين وجههما وزير الخارجية الدنماركي إلى كل من أمين الجامعة العربية وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي, اللتين عبر فيهما عن "تفهم الحكومة الدنماركية للشعور بالألم والاستياء من جانب المسلمين نتيجة للرسومات التي نشرت في الصحيفة الدنماركية. ومن جملة ما تطرق إليه سعادته في رسالتيه المشار إليهما توضيحه أن حكومة مملكة الدنمارك تحترم الإسلام كونه أحد أكبر الديانات في العالم مؤكدا أنه ليس لديها أية رغبة أو نية لإهانة أو السخرية من المسلمين أو انتهاج أي سلوك يقلل من احترامهم في أي حال من الأحوال". انتهى كلام الوزير دون أن يتضمن كلمة واحدة تدين العمل المشين الذي ارتكبته الصحيفة الدنماركية. تفهم الحكومة الدنماركية لشعور المسلمين بالألم والاستياء شيء وإدانة العمل الذي أغضب المسلمين شيء آخر لا يمكن الخلط بينهما بأي حال من الأحوال. أستبعد أن تحقق إعلانات السفير الهدف المرجو منها، بل أجزم أنها أتت بنتائج عكسية غير متوقعة من الجانب الدنماركي، فالرسائل النصية عبر الهواتف النقالة ما زالت تتوالى بزيادة متنامية تريح النفس وتفرح القلوب بغيرة المسلمين على رسولهم الكريم، صلى الله عليه وسلم، زادنا الله وإياهم غيرة على دينه ورسله وعلى الإسلام والمسلمين. لم يكن الشعب السعودي، ولا المسلمون في أقطار الكون، ليقبلون بتلك الإعلانات الدبلوماسية المفرغة من مضامينها، بل كانوا مصرين على انتزاع الاعتذار الصريح من الحكومة الدنماركية ومن ثم إدانة الصحيفة على نشرها تلك الرسومات الكاريكاتورية. المسلمون يطالبون بحقوقهم المشروعة التي تكفلها لهم جميع الديانات السماوية، والقوانين الدولية العادلة التي تنص على احترام الأديان، وتفرق بوضوح بين حرية الرأي والتطاول على الرسل. هل تسمح حرية الرأي للدنماركيين بانتقاد السامية، أو إنكار المحرقة النازية لليهود، أو التطاول على اليهود برسم أو وصف أو خبر؟ مثل تلك الأمور تصنف على أنها من الأمور المعادية للسامية التي يجرمها القانون الدنماركي، والقوانين الأوروبية بأكملها. لعل حكومة الدنمارك كانت أكثر حاجة إلى معرفة توجهات الرأي العام السعودي المسلم الذي يؤججه الغضب بسبب ما تعرض له رسول الأمة أكثر من حاجة الشعب السعودي للتعرف على وجهة النظر الدنماركية غير المقنعة التي تكفل بإيصالها السفير. لن تمنع إعلانات السفير الدنماركي الإجراءات الشعبية لمحاسبة المتسببين والمقصرين في قضية نشر الصور الكاريكاتورية، ونتمنى أن تقنن هذه الحملة الشعبية وتوجه نحو المنظمات الدولية، ووسائل الإعلام العالمية وأن تهيأ لها القيادة المستنيرة التي تتكفل بإيصال وجهة نظر المسلمين للدول الغربية دون استثناء، وتتكفل بتعيين هيئة محامين لمقاضاة الصحيفة أمام القضاء الدنماركي والأوربي من أجل تحقيق سابقة قضائية تحمي الإسلام والمسلمين من التطاول على الدين والاستهزاء به. أخيرا، فنحن نقدر للسفير الدنماركي حرصه على توضيح وجهة نظر حكومة الدنمارك تجاه القضية التي أججت مشاعر المسلمين، ونرجو منه في الوقت نفسه أن يسمح لنا بنقل قول خالق الكون ورب العالمين فيما يتعلق بالمستهزئين بالدين والرسل، ووعيده لهم، فلعله يهتدي بها ثم ينقلها مترجمة إلى حكومة وشعب مملكة الدنمارك. فقد أوضح الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ولعباده المؤمنين أن ديدن أعداء الأمة هو الاستهزاء بالدين والرسل، كما قال في محكم كتابه الكريم "وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ". ثم خاطب سبحانه وتعالى رسوله الطاهر الأمين حين أصابه الحزن والأسى بسبب استهزاء قريش به بقوله: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين" وهي إشارة واضحة إلى أن الله قد تولى حماية رسوله الكريم من المستهزئين، حيا وميتا، وأن الله قادر على الانتقام منهم والبطش بهم، وهو أمر يجهله الدنماركيون وإلا لكانوا أكثر حرصا على حماية أنفسهم من غضب الله بدل حرصهم على حماية صادراتهم من المقاطعة.
إنشرها