Author

رئيس الهيئة والإعلاميون

|
<a href="[email protected]">[email protected]</a> أعتقد أن بعض الإخوة الإعلاميين لم يستوعبوا، بعد، الانفتاح الإعلامي الكبير، الذي يمارسه رئيس هيئة السوق المالية الدكتور عبد الرحمن التويجري، ولم يستثمروه الاستثمار الأمثل. فهم ما زالوا غير مصدقين إمكانية حصولهم على أية معلومة يريدونها مباشرة من الرئيس ما أثر سلبا على مستوى معالجتهم للمعلومات وإدارتهم للأحداث. ربما كان لترسبات الحرمان الإعلامي السابقة سبب في تولد مثل هذا الشعور! فبعد أن كانوا يتمنون التصريح من سعادة المتحدث الرسمي لهيئة السوق سابقا، ولا يجدونه، أصبحوا مباشرة أمام الرئيس شخصيا يغرقهم بسيل المعلومات ويجيب عن أسئلتهم بكل أريحية. يقال إن الإعلام التحاوري يعتمد كثيرا على فن انتقاء السؤال والمعلومة، ويستمد نجاحه من ذكاء الإعلامي الذي يستطيع أن يستخرج المعلومة الإيجابية التي يريد، والمعلومة التي يتمنى المسؤول توصيلها ولا يمتلك حق المبادرة بها لاعتبارات خاصة. هذه ليست فلسفة إنشائية، أو درسا في الإعلام، بقدر ما هي حقيقة ثابتة أردت طرحها كتوطئة لما أريد أن أقول. في يوم الأربعاء الماضي، وقعّ الدكتور التويجري مع شركة أومكس العالمية، عقدا لتزويد السوق المالية المحلية بالأنظمة التقنية الحديثة لعمليات التداول والتسجيل والإيداع والمراقبة من خلال عقد بلغت قيمته 160 مليون ريال، من أجل القضاء على المشاكل التقنية والفنية التي تواجه نظام "تداول" الحالي. كان من المفترض أن يكسب خبر توقيع عقد تطوير نظام " تداول " مؤشر الأسعار مئات النقاط الخضراء على اعتبار أن نظام التداول الجديد سيتمكن من إلغاء جميع مشاكل النظام القديم الذي يعتبره المتداولون والمختصون أحد الأسباب المؤثرة التي ساعدت في حدوث الانهيار بسبب أعطاله الكثيرة، خصوصا في أوقات الأزمات. إلا أن الواقع سار بعكس التوقعات الرسمية. مجريات المؤتمر الصحافي المقتضب الذي أعقب مراسم التوقيع أخذ منحى آخر بعيدا عن الحدث نفسه. تركيز الإعلاميين والمتداولين كان منصبا على مواضيع أخرى ليست لها علاقة مباشرة بالحدث الكبير. كان الجميع ينتظر المؤتمر الصحافي الذي سيتحدث فيه الدكتور التويجري للإعلاميين. كانت الرؤى مختلفة بين الطرفين، فهيئة السوق أعدت نفسها للحديث عن مشروع تطوير نظام تداول الذي يعتبر – بحق - مفخرة للجميع. أما الإعلاميون والمستثمرون فكانوا يمنون أنفسهم بتأكيد التسريبات التي بدأت تغذي سوق الأسهم بالشائعات منذ يوم السبت الماضي. أخطأت بعض وسائل الإعلام في حديثها عن المؤتمر الصحافي المنتظر، وأوهمت الجميع، وأنا أحدهم، بأن رئيس الهيئة سيعقد مؤتمرا صحافيا خاصا ما أدى إلى زيادة معدل التكهنات والتوقعات. في اليوم الموعود فوجئ الجميع بأن الحدث المنتظر لم يكن إلا حفل مراسم توقيع عقد نظام " تداول ". حتى الآن لا أعلم مَن المتسبب في هذا اللبس، الهيئة أم وسائل الإعلام التي نقلت الخبر؟ وعلى الرغم من أهمية الحدث وإيجابية التوقعات على السوق، إلا أن المستثمرين ركزوا على توقعاتهم التي رسموها في مخيلتهم عن المؤتمر، وتناسوا الحدث الأهم الذي من أجله كانت التغطية الإعلامية الموسعة. لذا كانت ردود الأفعال سلبية، وانعكس ذلك على مؤشر الأسعار الذي انخفض بأكثر من 500 نقطة من أعلى نقطة بلغها عند إغلاق الفترة الصباحية. كان من الممكن أن تحدث التغطية الإعلامية لمراسم توقيع عقد تطوير "تداول" أثرا إيجابيا في السوق وتساعدها على كسب نقاط أخرى تضاف إلى مكاسب الفترة الصباحية على اعتبار أن تطوير نظام "تداول" سيقود إلى حل أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انهيار السوق. وعلى الرغم من وضوح الصورة من خلال مجريات التوقيع، فإن بعض الإخوة الإعلاميين لم يتمكنوا من تصحيح معلوماتهم السابقة عن سبب التغطية الإعلامية التي دعت لها هيئة السوق المالية، وهو ما ساعد على تأزيم الموقف، وساعد على ظهور نبرات الضجر في بعض إجابات الدكتور التويجري، خصوصا عندما اتهمته مذيعة قناة "الإخبارية" التي كانت منشغلة عن متابعة الحدث وأسئلة الإعلاميين بضيوفها في الأستوديو، بأنه لم يرض رغبات الإعلاميين. كان الدكتور التويجري محقا في رده القاطع بأنها "لم تكن حاضرة حتى تتأكد من عدم إرضائه لهم". وأتبرع بالزيادة على قول الدكتور: بأنها لم تكن أيضا حاضرة ذهنيا في الأستوديو لأنها لم ترد على أحد ضيفيها بعد أن أنكر على الآخرين ربطهم انهيار سوق الأسهم بالقدر، بقوله مستغربا "وبعضهم أرجع انهيار السوق إلى الأمور القدرية "، وهذه مخالفة عظيمة كان من المفترض أن ترد عليها مقدمة البرنامج في لحظتها، أو على الأقل تصححها باعتبارها زلة لسان. أعتقد أن بعض الإعلاميين والإعلاميات، لم يحسنوا طرح الأسئلة المناسبة، إضافة إلى أنهم لم يحسنوا التعامل مع فن التعتيم القسري للمعلومات، فالسؤال عن بعضها كان من الممكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية مخيبة لآمال الإعلاميين. ما الذي كان ينتظره الذين سألوا عن رفع الإيقاف عن المخالفين؟ هل كانوا ينتظرون سماع تأكيد صحة الخبر من رئيس الهيئة الرقابية الأولى في سوق المال؟ مثل هذه الأمور، وإن اتخذت للمصلحة العامة وضمن شروط وقيود خاصة، لا يمكن الإعلان عنها لأن في ذلك انتقاصا من قوة القانون والنظام، وتشجيعا للآخرين على ممارسة الخطأ نفسه مستقبلا. أما القرارات المؤثرة في مجريات التداول فمن غير المعقول أن يتم الإعلان عنها خلال فترتي التداول اليومية حفاظا على السوق وتطبيقا لمبدأ العدالة. هل استطعنا الآن تحديد مكمن الخلل الحقيقي فيما جرى يوم الأربعاء الماضي؟ بقي أن أقول إن أسلوب تجمهر الإعلاميين حول الضيف يعكس صورة غير حضارية، ينبغي التنبه لها مستقبلا، كما أنها قد تجعل الضيف تحت ضغط نفسي ربما أثر سلبا في إجاباته أو في مدى تقبله الاستمرار. ملاحظتي الأخيرة هي أننا لم نتمكن من متابعة المؤتمر الصحافي مباشرة على القناة الناقلة للحدث، ولا نعلم سببا منطقيا لذلك، وهو ما يجعلنا نطالب مستقبلا بأن تعطى فرصة التغطية للقناة الأكثر مقدرة على إنجاح الأهداف السامية للمشاريع الخلاقة، والأكثر تميزا في أساليب النقل، الحوار، التوجيه، والإشباع الفكري.
إنشرها