توظيف ظاهرة "المرض الهولندي" في الدول النفطية لزيادة حجم الصادرات

توظيف ظاهرة "المرض الهولندي" في الدول النفطية لزيادة حجم الصادرات

هذه هي الدورة الكبيرة للاقتصاد. تبدأ مع تدفق النفط كمصدر للطاقة من الدول العربية وروسيا إلى الدول الصناعية المتقدّمة التي تزود في المقابل تلك الدول المنتجة للنفط بسلع صناعية باهظة الأثمان مثل الآلات والسيارات. ومن خلال هذه الدورة تستفيد كل الأطراف بما فيها الاقتصاد الألماني الذي يمتلك حجماً كبيراً من السلع التي يتزايد الطلب عليها من جانب الدول المنتجة للنفط.
ونأخذ على سبيل المثال مجموعة سيمينز: ففي الربع الثاني من عام 2006 ارتفع حجم الطلب على منتجاتها من دول الشرق الأدنى و الأوسط بما يزيد على الضعف. ولاقت أغلب منتجاتها مبيعات جيدة وهذه المنتجات تتعلق بالتجهيزات الخاصة بالصناعة النفطية، وكذلك على تقنية البث والاتصالات اللاسلكية، و التكنولوجيا الطبية. وعلى هذا المنوال تسير الأمور أيضا في الشركات المنافسة ومنها مجموعة ABB السويدية ـ السويسرية المتخصصة في مجال تكنولوجيا الطاقة.
وفي كل مرة، عندما ترتفع أسعار النفط والغاز و يبدأ المستهلك في الدول الصناعية بالشكوى بسبب تعريفة الطاقة المرتفعة تأخذ الدورة مجراها و يترك مبدأ (تدوير البترودولار) وبالتالي يعود تدفق أموال النفط من الدول المنتجة له إلى الدول الصناعية بسبب شراء السلع، أو التقدّم للشركات لتوظيفها في مشروعٍ ما.
وهذه الدورة تعتبر طبيعية ومعتادة. وبناء على التقديرات الصادرة عن مؤسسات البحث، يكلّف ارتفاع سعر برميل النفط الواحد الاقتصاد الأوروبي نحو 10 دولارات أو 0.2 نقطة في المائة من النمو الاقتصادي في العام الأول، و0.3 نقطة في المائة من النمو في العام الثاني. لكنه يقدّم في الوقت ذاته حجماً أعلى من التصدير للسلع والبضائع إلى الدول المصدرة للنفط. وعلاوةً على هذا يسهم هذا التدوير في دعم مكانة ألمانيا بصفتها "رائدة العالم في التصدير"رغم أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين لا يبالون كثيراً بهذا اللقب أو يعتبرونه مبالغا فيه.
ويُعتبر الاقتصاد الألماني أكثر الاقتصاديات المكثّفة صناعياً إذا ما قورن باقتصاديات الكثير من الدول الثرية الأخرى حيث يرتفع فيها وزن الخدمات الإنتاجية بصورة مرتفعة، أكثر مما هي محلياً. وبالفعل تستفيد ألمانيا الآن أكثر من الأهمية المتزايدة باستمرار لصناعاتها حيث تملك الشركات المحلية منتجات عالية التخصص، يزيد عليها الطلب من قبل الدول التي تنتج النفط، وغيرها من المواد الخام المطلوبة. ويأتي في المقام الأول تكنولوجيا البناء والإنشاءات، وتكنولوجيا الإنتاج، فالطلب الطلب المتزايد على النفط، والغاز، والمواد الخام المعدنية يستلزم بالضرورة استثمارات باهظة في مصادر النفط والغاز الجديدة، وفي القنوات، والمصافي، وتستلزم المعادن غالباً حفر أنفاق جديدة وصعبة، وآلات دحرجة. ولا تتمكن أغلب الدول المنتجة من بناء المنشآت اللازمة بنفسها، لأنها تفتقد الصناعات المؤهلة. وعليها أن تقتنيها من الدول الصناعية بمبالغ طائلة من الأموال.
والصنف الثاني من المنتجات التي تتميّز بها الصناعة الألمانية في الدول المنتجة، وتلقى نجاحاً كبيراً، هي سلع التجهيزات و بعضها لا يستخدم في اقتصاد الغاز والنفط، ولكن في قطاعات أخرى. وهذا الشيء الذي تقوم به روسيا اليوم، حيث تغطي في الوقت الراهن مقابل كل 500 مليون دولار تقريباً من مبيعات النفط آلات للأغراض الزراعية من ألمانيا. وإلى جانب هذا، يعزز الروس شركات الطيران الروسية بطرز جديدة من طائرات إيرباص و بوينج (ومن هذا تستفيد الشركات الألمانية)، رغم أن روسيا تمتلك تقاليد عريقة في بناء الطائرات.
تحوّل الدول الغنيّة بالمواد الخام إلى تجاهل القطاعات المحليّة الأخرى، يُعتبر ظاهرة معروفة في الأحداث الاقتصادية وهو ما يوصف بظاهرة "المرض الهولندي" لأن هذا ما أصاب هولندا في وقت من الأوقات وشركات الإنتاج المتخصصة في الدول الصناعية المتقدّمة، ومنها العديد من الشركات الألمانية تستفيد بشدة من ظاهرة المرض الهولندي الذي تعاني منه روسيا و الدول النفطية الأخرى و كذلك الدول الأفريقية مثل نيجيريا.
والصنف الثالث من المنتجات المُفضّلة في الدول المزوّدة للنفط، يمكن الإشارة إليه بسلع "الإحساس بالانتعاش"، ويندرج تحت هذه القائمة بالطبع السيارات الفاخرة، خاصةً المُصنّعة في الشركات الألمانية، ولكن كذلك التكنولوجيا الطبية.
وتعمل بعض دول النفط على تهيئة نفسها لمستقبل ما بعد النفط مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تغطي نحو 30 في المائة من دخلها الإجمالي فقط عن طريق النفط. ولعل أشهر إمارة في هذا المجال هي دبي التي تطمح في إقامة هيكل اقتصادي يعتمد على التنوع في شتى المجالات، وبالتالي تحتاج إلى تزويد الغرب بالسلع والمنتجات المختلفة. وأخيرا طلبت شركة الخطوط الجوية الإماراتية نحو 45 طائرة إيرباص ضخمة من طراز A380 وهذا يتضمن أكثر من ربع حجم الطلب الإجمالي على الطراز نفسه. وتم استثمار نحو 18 مليار دولار العام الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها نحو النصف تقريباً في إمارة دبي وحدها.
ورغم أن الدول المصدرة للنفط تشتري كثيرا من منتجات الشركات الألمانية إلا أنها لا تتقدم للمساهمة فيها فقد مضى الوقت الذي تسود فيه مخاوف من تقدم إيران لشراء حصة في مجموعة دايملر – كرايزلر. فاليوم يحمي البريطانيون والأمريكان أنفسهم بقوة من تقدم العرب أو الروس لشراء مؤسساتهم الصناعية الوطنية .

الأكثر قراءة