رؤية تحليلية حول مستقبل سوق الأسهم الأمريكية
نصح جوزيف جرانفيل المحلل الاقتصادي و المالي في بورصة وول ستريت المستثمرين بالتمهل و إعادة النظر مرة و مرات ليتمكنوا من تحديد الاتجاه الذي تتحرك فيه البورصة. نصيحة غالية صدرت من واحد من كبار المحللين. فعندما يلقي المستثمرون اليوم نظرة على سوق الأسهم الأمريكية يرون أن مؤشر داو جونز للصناعات الرئيسية ومؤشر ستاندرد آند بورز قد بلغا الذروة في دورة الأسعار وأن مجموعة من المؤشرات لأسهم ذات رؤوس أموال ضعيفة أو متوسطة حققت أيضا أرقاماً قياسية في تداولات البورصة. و لكن هل يكفي ذلك لتحديد اتجاه البورصة؟ لا بد إذن من نظرة أكثر عمقا داخل بنية السوق الفنية للحصول على معلومات تنبئ بارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم.
من جانبه لم يحاول جيفري ساوث أحد المحللين الاستراتيجيين في مؤسسة ريموند جيمز أن يخفي شكوكه طوال الأسابيع الماضية، حيث كان يصف المأزق الخفي في وول ستريت كل مرة بصيغة مختلفة و كان دائماً ينهي ملاحظاته بالقول إن المسألة بالنسبة للمستثمرين الآن تكمن في خيارين كلاهما مر: فإما أن يخسر المستثمرون أموالهم بسرعة خاطفة وإما أنهم يفضلون خسارتها بصورة بطيئة. و يقتبس ساوث مقتطفات من كلام ريتشارد راسل الخبير الاقتصادي قائلا:" نادراً ما ساد هذا التفاؤل الجميع كما هو الحال هذه الأيام. فأسواق الأسهم راسخة والأسواق النامية تتقدم بفعل أسعار المواد الخام، و الدولار الأمريكي، والعقارات و لا توجد معوقات في الرواج الاقتصادي.
ولكن وفقا لرؤية راسل توجد مشكلة، ففرص تحقيق مبيعات وأرباح طائلة لا تتحقق فعليا إلا عندما يقوم المستثمر بالاستثمار في الأسهم بكثافة في أوقات الهبوط العام. وهو ما حدث في الولايات المتحدة أعوام 1942، 1949، 1958، 1974، 1980 ففي تلك السنوات انحدرت سوق الأسهم الأمريكية إلى أدني مستوياتها لكن كل من أقدم آنذاك على شراء الأسهم جنى أرباحا مجزية. أما في أعوام 1966، 1971 أو عام 2000 فقد لحقت خسائر فادحة بكل من أقدم على شراء الأسهم عندما كانت الأسهم تحظى بإقبال كبير.
إن الأجواء السائدة حالياً. هي أجواء استبشار وتفاؤل، فالأمريكيون يقبلون على الاستهلاك بلا حدود، وعمليات الاستحواذ والاندماج أضحت على جدول الأعمال اليومي، وتذبذبات أسواق الأسهم محدودة للغاية، ولا أحد يفكر في شراء عقود آجلة لتعويض الخسائر في حالة هبوط الأسعار. كما أن نسب الأرباح للأسعار وعوائد الأسهم هي في حدودها الدنيا، والاحتياطيات السائلة لدى صناديق الاستثمار تتحرك في مستويات منخفضة جداً. بالطبع فإن مثل هذه الأجواء لا تتيح للمستثمرين فرصاً مواتية لتحقيق أرباح فعلية في البورصة، وهذا هو ما يحذر منه راسل ويشاركه في تحذيره هذا ساوث أيضا.
وتقترب آن بارتلز من مؤسسة ميريل من هذا التفكير فهي تعتقد أن هناك احتمالاً لاستمرار مؤشرات الرواج لفترة معينة، ولكنها ترى أن أجواء جديدة ستطرأ في شهر نيسان (أبريل) المقبل مما يستدعي الحيطة والحذر. ولكنها تتمسك بفرضيتها بأن المؤشرات الرئيسية في وول ستريت تقف حالياً على أبواب عملية تصحيح قد تؤدي لانخفاض في قيمة الأسهم الممتازة بنسبة 20 في المائة وهي تتوقع دخول صناديق التغطية الاستثمارية ومستثمرين آخرين ممن يتابعون الاتجاهات في المستقبل القريب إلى السوق كمشترين من جديد، مما سيدفع الأسعار نحو الارتفاع .
أما جيفري دو جراف، من مؤسسة ليمان براذرز، فيؤكد أن أيا من القطاعات المختلفة في أسواق الأسهم الأمريكية لا يملك قوة طاغية في الأسواق مضيفا أن مؤشرات الحالة المزاجية تترك انطباعات ملتبسة وغير واضحة أو حاسمة و إن كانت مؤشرات الاتجاه العام تنبئ بأن السوق ستحقق بداية، بعض المكاسب على الأرض. أما التطور المدهش للأسهم ذات رؤوس الأموال المحدودة فيعزوه السيد جيفري دوجراف إلى توافر سيولة مالية كبيرة برغم السياسات النقدية المتشددة التي ينتهجها البنك المركزي في واشنطن. إن جميع الأسواق والظواهر الأخرى التي تنعشها هذه السيولة (كالأسواق الناشئة، والقروض الممتدة، والمواد الخام، وعرض النقد) تدفع للافتراض بوجود كميات كافية من الدولارات تحول دون توقف هذه المسيرة.