كم كنت مسروراً بالحوارات الفكرية التي تمت في اللقاء السنوي لجمعية الاقتصاد عن الاستثمار في سوق المال السعودية، ولا شك أن مثل هذه المنتديات وغيرها تمثل نقلة نوعية لنشر الوعي الاستثماري بين أفراد المجتمع كافة، لما له من أثر مباشر في تحسين اتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة.
ومع إيماني القاطع باحترام الرأي الآخر، إلا أن هناك رأيا صوابا وآخر خطأ عملياً وعلمياً، ولا يمكن السكوت عنه، فعلى سبيل المثال لا الحصر سرت بين بعض المتحاورين فكرة أن هيئة سوق المال هي الجهة التي يلزم عليها نظاماً أن تكون صانعة للسوق دون سواها، لكونها المسؤولة والضامنة لما يجري في السوق المالية، أقول لصاحب مثل هذه الآراء بصراحة "فال الله ولا فالك".. فصانع السوق هو تلك الجهة أو الفرد الذي يعمل لأغراض تجارية بحتة أي لجني الأرباح لصناعة سعر سهم محدد وذلك بعد التعاقد مع مصدره وأخذ موافقة الجهات الرسمية، فهو عمل مهني محترف ودائم كمصدر أساسي لشراء ذلك السهم بسعر محدد وبيعه بسعر محدد أيضاً، يكون الفارق بين السعرين هامشياً، وهذا الفرق هو الربح الذي يحصل عليه صانع السوق.
ودعاة هذه الفكرة في الأسواق العالمية يجدون أهمية صانع السوق لتوفير السيولة وكذا توفير الأسهم حسب متطلبات العرض والطلب، فهو من أهم ضوابط أي سوق مالية في العالم, إضافة إلى أدوات مالية أخرى.
بهذا المعنى الاحترافي لصانع السوق، يتبين أنه لا دور البتة لهيئة سوق المال سوى التصريح لصانع السوق بالعمل. فهيئة سوق المال يفترض أن تكون هيئة تشريعية وتنظيمية تعمل على توفير جو يضمن العدالة بين المتعاملين في السوق، وعند اكتمال حلقات السوق المالية ترقى مسؤولية الهيئة إلى المسائل المهمة في التشريع، والإشراف ورفع القضايا فقط، وتترك بعض ما تمارسه حالياً وبشكل مؤقت لجهات أخرى حددها نظام سوق المال.
أعان الله مسؤولي الهيئة، فالكل يحملهم ما لا طاقة لهم به، والله أعلم.
