نظمت جمعية البر في محافظة الأحساء، الندوة السنوية الأولى "الطلاق.. الأسباب والآثار والعلاج"، بحضور خالد بن عبد العزيز البراك وكيل المحافظة, وعدد كبير من منسوبي المجالس الإشرافية للمراكز التابعة للجمعية والمتعاونين مع المراكز في أنشطتها والمحاضرين المختصين والعاملين في الجمعيات الخيرية والمؤسسات الحكومية والاجتماعية ذات العلاقة، ومن القضاة والعمد وأئمة المساجد والمصلحين ورؤساء الدوائر الحكومية والقطاع الخاص والوجوه الاجتماعية، وذلك في فندق الأحساء إنتركونتنينتال في الهفوف.
وسلطت الندوة، التي شهدت حضورا كبيرا، الضوء على مشاكل الطلاق وآثاره على الأبناء والمجتمع، وسلبيات هذا القرار الذي قد يتخذ في لحظات انفعالية، وماهية التبعات النفسية والمالية بعد الطلاق، "الاقتصادية" حضرت الندوة وخرجت بهذه التفاصيل:
أهمية الأسرة
أوضح الدكتور عبد الله بن عبد العزيز اليوسف أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض, أن الأسرة تمثل أحد أهم المؤسسات الاجتماعية التي يكتسب منها الإنسان السلوك والتوجيه والحنان والحب والرعاية. والأسرة على مر العصور تعتبر الركن الأساسي في مجتمع من المجتمعات، ويمكن أن يقاس مدى إنجاز الفرد ونجاحه بعلاقاته الأسرية ومدى استقرارها, كما لأهمية الأسرة في حياة الفرد، فإن جميع المجتمعات على مر العصور توليها اهتماما خاصاً وتحاول تذليل الصعوبات التي تواجهها. ولعل أكبر صعوبة يمكن أن تهدد الأسرة هي الطلاق, إذ يعد الطلاق مشكلة تترتب عليها مشكلات نفسية ومالية واجتماعية وتختلف حدة هذه المشكلات ودرجة المعاناة منها باختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، كما تختلف الآثار والمعاناة منها باختلاف أعضاء الأسرة. وإن أكثر المتضررين من الطلاق هم الأولاد سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً, لأنهم سيعيشون في بيئة اجتماعية غير سوية نفسياً واجتماعياً ومالياً، فالتربية والتنشئة الاجتماعية التي سيتلقونها لن تكون سوية بالضرورة، حيث أن الطلاق هو هدم لكيان الأسرة وتمزيق للبناء الاجتماعي لها. ويضيف اليوسف أن الدراسة الحالية هي محاولة لاستقراء تأثير الطلاق على النسق الأسري في جانبه الأمني, إذ لها أهمية من الناحية العلمية، إذ يمثل الطلاق أحد المهددات التي تهدد استقرار وكيان الأسرة، كما يمثل إحدى القضايا الاجتماعية التي أصبحت تفرض نفسها على الساحة العلمية، مما يتطلب تحليلها من منظور اجتماعي بشكل علمي متعمق. وتبرز أهمية خاصة لهذه الدراسة من خلال التأكيد على أن المختصين في العلوم الاجتماعية، وخاصة في علم الاجتماع مطالبون بتقديم تفسيرات علمية لإحدى الظواهر السلبية التي برزت على الساحة بشكل كبير، وأصبحت تهدد استقرار النسق الأسري، وهي ظاهرة الطلاق، وذلك بهدف إثراء التراكم المعرفي والعلمي حول أبعاد تلك الظاهرة، التي قد تمثل تهديداً لاستقرار النسق الأسري، مما قد ينعكس بآثار سلبية على الأمن والوطن. وأيضا لها أهمية من الناحية العملية من خلال التأكيد على أن الطلاق هو نتاج خلل في النسق الأسري بسبب عدم قدرته على التكيف مع مجريات العصر أو بسبب عدم تكيف طرفي العلاقة مع بعضها البعض. كما تتأكد الأهمية العملية لهذه الدراسة من خلال التأكيد على أن الطلاق يعتبر أحد مهددات الأمن الاجتماعي للأسرة، مما قد ينتج أسرا غير قادرة على تشريب الناشئة المعايير والقيم الاجتماعية التي تحافظ على أمن المجتمع، مما قد يولد انعكاسات أمنية على المجتمع نتيجة عدم قيام الأسرة بالدور المأمول منها، وهو ما ستحاول هذه الدراسة استقرائه ومعرفة تأثيراته. وأشار إلى أن ظاهرة الطلاق ظاهرة اجتماعية إنسانية، فهي ظاهرة اجتماعية لكونها ذات علاقة بأهم مؤسسة اجتماعية في المجتمع، ولأنها ذات أثر بالغ في حياة الأسرة والأولاد وعمليات التنشئة والتربية والتثقيف الاجتماعية. وهي إنسانية لكونها لا تنطبق على المجتمع السعودي أو المجتمعات العربية والإسلامية فحسب بل إنها ظاهرة قديمة حديثة تحدث بنسب متفاوتة في جميع المجتمعات الإنسانية. ولأن هذه الظاهرة تأخذ صفة الاستمرارية، فإن أسباب حدوثها متغيرة من مجتمع لآخر ومن جيل لآخر، وهذا التغير يخضع لمجموعة من الأسباب منها الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية، الصحية، التعليمية، وكذلك الأسرية وغيرها.
وتعد ظاهرة الطلاق إحدى الظواهر الاجتماعية التي عانى منها المجتمع السعودي في الآونة الأخيرة، وهي من أهم المشكلات التي يترتب عليها الكثير من الأضرار، كالتفكك الأسري، وما يصاحبه من انحراف الأحداث والجرائم الأخلاقية المتعددة. والمجتمع السعودي كغيره من المجتمعات يعاني من هذه المشكلة، إذ يؤكد اليوسف أن ذلك ظهر بوضوح من خلال الإحصائيات الصادرة عن الجهات المهتمة والمختصة بهذا الشأن، مثل مصلحة الإحصاءات العامة لعام 2000م، وأوضحت تلك الإحصائيات ارتفاع نسبة الطلاق في مختلف مناطق المملكة، وهو مؤشر على أن ظاهرة بهذا الحجم تعد من الظواهر الاجتماعية السلبية، التي لم تكن موجودة في المجتمع السعودي من قبل، وقد تنادى أهل العلم والفكر وأولو الأمر لدراسة مثل هذه الظواهر السلبية في المجتمع، وبيان حجم هذه المشكلة، وضرورة الاهتمام بها، ومحاولة لفت النظر إليها باعتبارها من المشكلات الاجتماعية الإنسانية في المجتمع السعودي.
وقال اليوسف: "إن ظاهرة الطلاق من الظواهر الاجتماعية الجديرة بالاهتمام، لأنها تؤثر على أداء الأسرة لمهامها، كما تؤثر على تكوينها الداخلي، واستقرارها الاجتماعي ومستقبل أبنائها، وبالتالي مستقبل الأجيال اللاحقة في المجتمع، لأن الأسرة هي مصدر تكوين المودة اللازمة لصاحبي العلاقة وذريتهما، من الناحية النفسية والاجتماعية، كما أنها مصدر المسؤولية الاجتماعية المنوطة بالأسرة لإنتاج أجيال مفيدة اجتماعيا تعي واجباتها الاجتماعية والمستقبلية المنوطة بها، إذ أن الطلاق يؤدي إلى تفكك الأسرة، وقد يؤدي إلى الانحرافات الإجرامية والأخلاقية، وما يترتب على هذه المشكلة المعقدة الجوانب بسبب ارتباطها بوضع المرأة والرجل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكونها أحد أشكال التصدع الذي يقع في نطاق الأسرة أيا كان شكل البيئة والتنظيم اللذين تقوم عليهما، خصوصاً أن للطلاق ارتباطا وثيقاً بصلاحيات وسلوك الأفراد في الأسرة".
ضريبة الطلاق على الأبناء
وأكد اليوسف أن الآثار الناتجة عن الطلاق والواقعة على الأبناء، التوتر النفسي الذي يصيبهم نتيجة فراق الوالدين, سوء التكيف الاجتماعي والنفسي الذي يحدث لهم, النظرة غير المتوازنة من قبل المجتمع لأبناء المطلقين, سوء التفكير الذي يصيب الأبناء تجاه والديهم والمجتمع, الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي يمكن أن تصيب أبناء المطلقين, ضعف المناعة الدينية والاجتماعية والنفسية لدى أبناء المطلقين, الفشل في بعض جوانب الحياة الاجتماعية الذي يصاب به أبناء المطلقين, قلة الاهتمام والسلبية من أبناء المطلقين نتيجة النظرة السلبية التي يحملها الأبناء تجاه المجتمع والعكس, ضعف التربية والتنشئة الاجتماعية والأسرية التي يتصف بها أبناء المطلقين نتيجة فراق الوالدين, ضعف البناء النفسي والذاتي لأبناء المطلقين, الاتصاف بالحدة والعنف والأحادية في التفكير والعمل نتيجة عدم وجود موجه لهم جراء الطلاق, الفراغ العاطفي وعدم الإحساس بالآخر.
الطلاق صمام الأمان
وأشارت لطيفة بنت محمد التميمي مديرة الإشراف الاجتماعي النسائي في المنطقة الشرقية، إلى أنه من فضائل الإسلام أنْ أحل الطلاق رحمة بعباده، خاصة عندما تستحيل الحياة بين الزوجين فتعجز الأسرة عن تحقيق الغرض الذي نشأت من أجله، وتعجز كل جهود التوفيق والإصلاح والتحكيم في حل المشكلات القائمة بين الزوجين. فالطلاق صمام أمان للحياة الزوجية، يفتح إذا ارتفعت نسبة الخطر في الحياة الأسرية، وكان لا بد لها من التنفيس للتخفيف من التوتر والضغط الذي يمكن أن يؤدي إلى الانفجار, فالله سبحانه وتعالى جعل الطلاق حلاً للمشاكل الأسرية وراحة لطرفيها (المرأة والرجل)، وليس مشكلة تضاف إلى رصيد المجتمع من المشاكل الاجتماعية، ولذلك قيد الطلاق بعدة قيود منها تحديد العدد, أن يكون الطلاق في طهر لم يمسها فيه حتى لا يحدث اشتباه في العدة، وحتى لا تطول على المرأة العدة ولإتاحة الفرصة للزوجين في التفكير قبل إيقاع الطلاق, بقاء الزوجة في بيت زوجها فترة العدة, أحقية الرجل بالزوجة طالما لا تزال في عدة الطلاق الرجعي, تحريم إمساك المرأة ومراجعتها للإضرار بها, النهي عن عضل المرأة من قبل ولي الأمر سواء بمنع زواجها بعد انتهاء العدة أو الرجوع إلى زوجها الأول, النهي عند أخذ شيء من المهر عن الرغبة في الطلاق سواء كان للبغض والنشوز أو الرغبة في استبدالها بزوجة أخرى, الأمر بتمتيع المرأة عند طلاقها تطييباً لخاطرها وجبراً لكسرها بالطلاق، وذلك حسب مقدرة الزوج المالية, أن الطلاق بيد الرجل دون المرأة؛ لتميزه عن المرأة بعقله وصبره واحتماله للمكاره وأبعد في النظر إلى العواقب.
وأوضحت التميمي أنه وفقا لما أوردته إدارة الإحصاء في وزارة العدل في الكتاب الإحصائي 26 للعام 1422هـ, أن أعلى نسبة طلاق قد سجلت في منطقة الرياض، إذ بلغت 33.5 في المائة, تليها منطقة تبوك إذ بلغت 27.4 في المائة, ثم المنطقة الشرقية بواقع 25.3 في المائة, وتعتبر منطقة الباحة أدنى نسبة للطلاق في المملكة، إذ تصل إلى 5 في المائة. كما يعد الطلاق من أبرز مشكلات المجتمع في الوقت الحالي، وهو نتيجة طبيعية للمشاكل التي تعاني منها الأسرة منذ البدايات الأولى لتكوينها؛ بسبب قلة خبرة ومهارة الزوجين في حل المشاكل، وضعف الدعم من أسرتيهما لمساعدتهما على الاستمرار في الحياة معاً. ولعل أبرز آثار الطلاق الاجتماعية والنفسية، التفكك الأسري، مما يعمل على إقامة الأبناء مع أحد الأبوين، وما يصحب ذلك من تأثيرات نفسية وسلوكية واجتماعية سلبية على سلوك الأبناء. فقد أثبتت دراسة أن 53.2 في المائة من الأبناء قد تأثروا من طلاق الوالدين، وظهر كنتيجة حتمية، الانحراف السلوكي، متمثلاً في الهروب من الأسرة، خاصة الفتيات، وما يعقبه من انحرافات سلوكية, الحمل السفاح، وما يترتب عليه من ضياع مستقبل الفتاة وضعف أو تلاشي فرص الإصلاح لوضعها، وزيادة فئة مجهول النسب ما تعانيه هذه الفئة من أوضاع نفسية واجتماعية, جرائم القتل والانتحار, جرائم السرقات والاعتداء على الغير بالضرب, جرائم الدعارة والمخدرات والمسكرات, ظاهرة التسول، ويتسبب الطلاق بضعف المورد الاقتصادي للأسر لعدم وجود معيل، مع ضعف المساعدات المالية من الجهات الخيرية. وبحسب ما ورد في الكتاب الإحصائي لوزارة الشؤون الاجتماعية، بلغت عدد الحالات المقبوض عليها من السعوديين المطلقين 220 من ذكور وإناث, ومن غير السعوديين 1292, إذ بلغ إجمالي المتسولين السعوديين 3630 متسولا, و15015 متسولا غير سعوديين. وبحسب سجلات دار الملاحظة الاجتماعية في الدمام، فقد سجلت خلال عام 1426/1421هـ, 664 فتى أو طفلا قد مارس الجرائم على اختلافها، وكلهم تعاني أسرهم من الطلاق. ويمثل التفكك الأسري للإيداع أعلى سبب في المؤسسات ويمثل 97 في المائة من حالات الإيداع. أما سجلات مؤسسة رعاية الفتيات في محافظة الأحساء بلغ مجموع الحالات التي استقبلتها المؤسسة في الأعوام السابقة نفسها 62 حالة, منها ما تعرضت أسرهم للطلاق 38 حالة هروب، تسع حالات خلوة محرمة، وما صاحبها من تعاطي المسكرات والمخدرات، تسع حالات حمل سفاح، سبع حالات إدمان مخدرات، وحالتي سرقة والاعتداء على الغير بالضرب.
الأخذ بتحارب الآخرين
واقترحت التميمي بعض الحلول لظاهرة الطلاق، والتي من ضمنها ما هو متعلق بالنظام الإجرائي للطلاق في المحاكم، وذلك ألا تصدر صكوك الطلاق حتى يعرض الأمر على مكاتب الإفتاء في المنطقة، إذ أن الكثير من هذه الصكوك يتم نقضها من سماحة المفتي بعد الرفع إليه، وقد توقف العمل بهذا الأمر، والذي نأمل إعادة النظر فيه، إذ استطاعت الكثير من الأسر لم شملها بعد مراجعة سماحة المفتي. إنشاء أقسام اجتماعية في المحاكم تحال إليها الأسر لتقديم المناصحة والإرشاد للمطلقين، وتحاول حل الخلاف وجمع شتات الأسرة قبل الطلاق, إعطاء كل ذي حق حقه من الزوجين والقضاء بينهما بشرع الله، فلا يكون هناك ظالم أو مظلوم مع النظر إلى مصلحة الأبناء إن وجدوا, تحميل الأسرة جزءا من الجزاءات والأحكام الشرعية التي تصدر على الأبناء القصر لدورها الكبير، المؤثر في انحراف أبنائها، وتحميل ولي الأمر الجزء الأكبر من هذه المسؤولية, والأخذ بتجارب الدول الإسلامية الأخرى مثل ماليزيا التي بادرت بإعداد مراكز تأهيل للمقدمين على الزواج، بحيث لا يعقد للمتزوجين حتى يقدما شهادة بمراجعة هذه المراكز التي تعمل على تصحيح فكرة المتزوجين عن الزواج وإعدادهم نفسياً واجتماعيا لذلك.
من جانبه، أكد الشيخ عادل بن عبد الله بوخمسين إمام وخطيب مسجد الإمام زين العابدين في الهفوف, أن المشاكل الاجتماعية عديدة، ولا يخلو مجتمع منها لكنها تختلف في نوعيتها وتأثيرها، فبعض المشاكل تكون محصورة في بؤرة اجتماعية صغيرة، وتداعياتها لا تتجاوز أفراد المشكلة, ومشاكل أخرى تأثيراتها تطال عموم المجتمع ولا تنتهي بانتهاء هذه المشكلة, ومن أبرزها مشكلة الطلاق الذي يهتز له العرش لعظم خطره ولكبر آثاره، سواء الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأخلاقية. ونحن اليوم نجد أن حالات الطلاق أصبحت كثيرة ونسبها عالية، خصوصاً أننا نجد الأسر الجديدة والصغيرة هي الأكثر ابتلاء به, وهذا ما يستدعي وقفة تأمل وإمعان نظر، ويقول: "نحن لا نعلم أيهما أكثر حالات الطلاق اليوم في عصرنا هذا أم في عصر آبائنا، إذ لا توجد إحصائيات قديمة، لكن المؤكد أن في السابق كانت هناك حلول سريعة لمشكلة الطلاق, فلا تبقى المطلقة، وتجد نصيبها في الزواج سريعاً، مما يدلل على قدرة المجتمع لعلاج هذه المشكلة".
وأوضح بوخمسين أن هنالك تحديات ما بعد الطلاق، والتي من ضمنها التحدي الأسري، فعندما يتم الطلاق وينفصل كل طرف عن الآخر ويذهب ليشق طريقه لوحده، تبرز مجموعة من القضايا لتفرض نفسها على الطليقين، وهي الأمور المرتبطة بشؤون الأسرة، ومن كل جوانبها وأبرزها "الأم والأبناء"، ويكون الأبناء هماً مشتركاً بين الطليقين، فإما أن يكونوا في حضانة الأم، وإما أن يأخذهم الأب تحت رعايته إذا كانوا كباراً، حيث يحكم الشرع بأحقيته لذلك. "المطلقة وأسرتها"، فحينما تطلق الزوجة فإن الحالة الطبيعية وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية هي عودتها إلى بيت أبيها، ورغم أن هذا البيت عاشت فيه سنين عمرها إلى أن تزوجت، إلا أنه حين عودتها لن يكون الوضع كما كان في السابق، وسنجد أن تعامل الأهل معها يختلف عن تعاملهم معها في صباها وقبل زواجها. "أسرتا المطلقين"، وهنا يتعاطف أهل كل طرف مع ابنهم لتبدأ معركة وصراع في بعض الأحيان يخرج الطرفان الرئيسان منه ويتولى إدارته أطراف من الأسرتين ليتحول النـزاع من نزاع بين الزوجين إلى نزاع بين أسرتين، فيكون الطلاق سبباً للعداوة والشحناء والسباب والمهاترات. الأب والأبناء وهنا تكمن حيرة الأب في تربية أبنائه أشد من الأم، فالأم هي الأقدر على رعاية الأبناء، لذا من المهم ألا يبعد الأبناء عن أمهم ويحرص على إبقاء التواصل مع زوجته المطلقة من أجل التفاهم والتشاور حول أمور الأبناء، كما من المهم الالتفات إلى الأبناء، وذلك بتخصيص وقت أكثر لشؤونهم ليسد فراغ الأم، الذي يشعر به الأبناء. وأيضاً حينما يعزم الأب على الزواج، عليه ألا يبحث فقط عن زوجة له، بل يحرص أن تكون هذه الزوجة مؤهلة لتكون إما لأولاده من ناحية العطف والرعاية وما إلى ذلك, "التحدي النفسي"، فالمطلقة تواجه تحدياً نفسياً لما يولده الطلاق من إحباط وحالات نفسية عديدة وأبرزها صدمة الطلاق, القهر والغبن, الاكتئاب والحزن, القلق, التحدي المالي, التحدي الاجتماعي. وتتمثل المأساة الاجتماعية في عدة أمور "النظرة السلبية للمطلقة, فقدان المكانة الاجتماعية, الأعراف والتقاليد, والتحدي الأخلاقي"، إذ للإنسان حاجات غريزية لا يستغني عنها، سواء كان رجلاً أم امرأة، كما هو محتاج إلى الطعام أو النوم أو الهواء أو الماء، كذلك فهو محتاج أيضاً إلى الإشباع الجنسي، لذا تستلزم مجموعة من الحلول وهي التحلي بالصبر والإيمان, تجنب النظرة الحرام, عدم الانفتاح المخل, الانشغال بأمور مفيدة.
معالجة الحرمان العاطفي
وذكر العقيد الدكتور محمد إبراهيم السيف أستاذ مناهج البحث والدراسات الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية، أن النظام الأساسي للحكم في المجتمع السعودي في المادة الأولى، ينص على أن دين البلاد هو الدين الإسلامي والدستور هو كتاب الله سبحانه وتعالى, كما نصت المادة 33 من نظام الحكم على الآتي "تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله. والمتمعن في النظام الأساسي للحكم في المجتمع السعودي يلاحظ خصائص وسمات اجتماعية دقيقة، تجعلنا نقول أن هذا النظام لا يعكس موقفاً ولا يعبر عن سياسة فقط، وإنما يجسد منهجاً عاماً لأسلوب الحياة في المجتمع السعودي. ومن الأمور التي ينبغي أن يدركها الباحث في علم الاجتماع، أن الأنظمة السياسية عادة لا تصاغ باتجاه سياسي فقط، بل تنمو وتظهر وتصاغ باتجاه مجموعة معقدة من العوامل الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والثقافية والمحلية. ونعزي فشل عدد كبير من الأنظمة السياسية في كثير من بلدان العالم المعاصر، إلى استعارة نظام حكم أو جزء منه حظي بنجاح في دولة أخرى ويسعى لتطبيقه في مجتمعه، وإنما يجب أن تصاغ مواد نظام الحكم لكل بلد وفقاً لواقع مجتمعة واحتياجاته. ومن أهم الأبعاد الاجتماعية التي روعيت عند صياغة نظام الحكم في المجتمع السعودي، قراره الخاص بمقومات المجتمع السعودي، على أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد, كما تحرص الدولة على توثيق أوامر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، وإن الأسرة نواة ووحدة رئيسة للمجتمع السعودي، وهو يختلف عن كثير من الأنظمة السياسية المعاصرة.
وذكر العقيد السيف أن العوامل المؤثرة على حرمان الزوجة عاطفياً وتعرضها للطلاق, كثرة المشاكل والاختلافات بين الزوجين بسبب وجود فارق عمري أو عدم تجانس فكري, عدم الإشباع الجنسي للزوجة, فقدان الزوجة المودة والرحمة من الزوج, ضعف غيرة الزوج على الزوجة, عدم الاهتمام بمتابعة الأولاد, كثرة مشاغل الزوج وتغيبه خارج المنزل, سهر الزوج وعدم جلوسه مع الزوجة ليلاً.
كما يوصي ويقترح السيف لمعالجة مشكلة الحرمان العاطفي عند المرأة السعودية، أن تكون الأسرة هي الخلية الرئيسة للمجتمع، ينبغي على مؤسسات المجتمع دعم ومساندة الأسرة منذ المراحل الأولية من بنائها والتخطيط لفتح مكاتب استشارات أسرية في الأحياء، تلحق بالمساجد، لتقديم التوجيه والنصح والإرشاد للأزواج والأولاد في الأحياء في مشكلاتهم الأسرية, وضع ضوابط عند مأذوني الأنكحة في المحاكم الشرعية، تحدد عمر الفتاة المناسب للزواج، وتكشف حرية اختيارها وعدم إكراهها على الزواج, تدخل مؤسسات المجتمع الدينية والاجتماعية لإيجاد قناة مناسبة لتزويج الفتيات بأسلوب شرعي ومقبول، بعد أن تأكد ضعف الدور الأسري في هذا الجانب، وزيادة مشكلة العنوسة في المجتمع. ينبغي على وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية إنشاء مكاتب خدمات إرشادية للراغبين في الزواج، تكون مهمتها المساعدة في اختيار شريك أو شريكة الحياة، من حيث التكافؤ نسبياً، من حيث المستوى التعليمي والثقافي والوسط الاجتماعي والمهني والدخل والمستوى الديني والخلقي والنضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي وتقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة وتربية الأبناء. ينبغي على مؤسسات المجتمع التربوية التعليمية والإعلامية اقتراح خدمات وبرامج تربوية تطبيقية هادفة وإجرائية تتمثل في توجيه الآباء ببرامج الإعلام المتنوعة، بإتباع أساليب معاملة أبوية سوية مع الأبناء، لخلق شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، مما ينعكس على إتباعها أساليب سوية في التعامل الزوجي, الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية والجامعية, الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات علم النفس وعلم الاجتماع, التركيز في المناهج الدينية في المرحلة الثانوية والجامعية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق وعقد ونفقة وحقوق متبادلة بين الزوجين.