مشروع الملك: تحقيق الاستقلالية في معيشة الإنسان
<a href="mailto:[email protected]">dubyani@aleqt.com</a>
المتتبع لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، منذ تسنمه مقاليد الحكم في آب (أغسطس) 2005 يلاحظ أن المواطن هو العنصر المشترك في معظم القرارات التي يتخذها أو يوجه بالعمل على سنها لتكون معدة للتطبيق في مرحلة لاحقة. وهذا القول ليس من باب المديح والثناء الذي وإن حدث فهو في مكانه وليس ابتذالا, لكن تجنبا لمحاولة تصنيفه في ذلك الباب سنسند قولنا بأن المواطن عنصر رئيس في قرارات الملك إلى جملة من الوقائع التي تتجاوز في عددها وسقف طموحها الفترة التي مضت على تولي الملك مقاليد الحكم.
فالخطاب الملكي الذي استهل به حكمه قبل نحو 270 يوما, تعهد فيه الملك بوضوح بأن مطمحه هو العدالة وتحقيق المساواة بين كافة فئات شعبه, وهنا يبرز استحضار المواطن كعنصر أساس في الخطاب الملكي الأول.
ثم جاء الخطاب الثاني في مطلع نيسان (أبريل) الماضي, وما بين الخطابين فترة من الزمن والقرارات, ليؤكد الملك أمام مجلس الشورى, أنه عازم على توسيع نطاق التنمية وتعديل العطب الذي يكون قد أصابها, ونحن نعلم أن المستهدف هنا هو العنصر الإنساني, استنادا إلى أن معظم التحليلات التي تناولت ثورة (وثروة) التنمية التي حدثت في بلادنا خلال العقود الماضية, تشير إلى أن ثمة خللا في تلك الثورة لجهة اهتمامها بالإنسان. وكأنما الملك – وربما بالقطع – يعني معالجة هذا الأمر. وهنا أيضا يقف المواطن على رأس الأهداف المتوخاة من الخطاب الملكي أمام مجلس الشورى.
وفي الخطاب ذاته عرج الملك على عدة عناصر ذات علاقة مباشرة بالمواطن, فتحدث عن نهجه في محاربة الفساد ورفع كفاءة العمل (مستعينون بالأكفاء من الرجال والنساء لتحقيق هذا الهدف), وفي هذا المقام يبرز عنصر الإنسان باعتباره مستهدفا ومحركا للهدف في الوقت ذاته.
يقول كارنيس لورد في كتابه "الأمير الحديث.. ماذا يحتاج القادة أن يعرفوه حاضرا", وهو كتاب حديث, إن أهداف القائد الناجح تتركز في أربعة عناصر: رفاه وسعادة المجتمع, تحقيق الأمن الداخلي والخارجي, الاستقرار السياسي, والكرامة والشرف لشعبه. وبحسب المعطيات التي لمسها الشعب من الملك عبد الله, فهذه العناصر تتحقق بصورة مباشرة في بعضها وصور ذات أثر متوسط وبعيد المدى في صور أخرى. خذ مثلا رفع رواتب موظفي الدولة ورفع سقف مستحقات التقاعد وتحويل الصرف من سنوي إلى شهري, تصب في قناة الرفاه والسعادة المباشرة, في حين أن تحريك قناة الاستثمار وفتح الوظائف المترتبة عليه يعطيان نتائج غير مباشرة لكنهما يرميان في نهاية المطاف إلى الرفاه. وفي هذا المقام تحضر الجولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى شرق آسيا في كانون الثاني (يناير) الماضي, حيث أسفرت الزيارة عن تعاقدات افتقدها الاقتصاد السعودي عدة عقود, أولها استقطاب الاستثمار الأجنبي الذي يفتح معه فرصا وظيفية للمواطنين, وثانيها استحضار تجارب تلك الدول في تحقيق الرفاه, وثالثها نقل التقنية التي تمنح الاستقلالية الاقتصادية مع مرور الوقت. وعندما تتحقق هذه الأهداف, تصبح معيشة المواطن في جزء كبير منها مرتبطة بالاقتصاد المحلي وليس رهنا لتقلبات السياسة والجغرافيا السياسية في الخارج, فلا يشكل بعدها سعر النفط هاجسا كبيرا لمستوى تكلفة المعيشة ولا تصطدم السلع المتوافرة في الأسواق بالقلاقل التي قد تحدث بين فترة وأخرى في مناطق العالم, على أن ذلك لا يعني الانعزالية بل الاستقلالية الاقتصادية التي تحقق (بالطبع) استقلالية القرار السياسي.
يعني أن مشروع عبد الله يعتمد الإنسان كمحرك فهو بقدر ما يتلقى من المؤثرات الإيجابية يعطي نتاجا إيجابيا ربما ينعكس هذا النتاج في حينه وربما يكون مختزلا يظهر عند الحاجة إليه, فعندما يضطر أي سياسي على رأس الدولة لاتخاذ قرار تاريخي قد يمس في جزء منه شعبه, فإنه يرتكز عادة لتمرير القرار, إلى المؤثرات الإيجابية التي أحدثها في الشعب خلال الفترة الماضية ويكون الشعب أو الإنسان وحدة تكاملية تؤيد أو ترفض القرار باستقلالية تامة لا تراعي إلا ضمان استمرارية الكيان الذي حقق لها هذه الرفاهية. التاريخ يعرض كثيرا من الوقائع التي ثأر فيها الشعب من قائده برفضه قرارات حرب مثلا أو قطع علاقات ليس لأن ذلك الشعب يرى خطأ في القرار بقدر أنه لم يكن مختزلا لتأثيرات إيجابية يستند إليها ذلك القائد فحدث الثأر بدل التأييد أو الرفض على أسس واقعية. استنفدت المساحة دون يأخذ الحديث عن مشروع الملك عبد الله حقه أو بعض حقه, فهناك قراراته المتعلقة بسوق الأسهم وتعديل سياسة الطرح لتكون الأغلبية مخصصة للشعب فيما تحتفظ الحكومة بحصة الأقلية فقط, وهناك مشروع الإسكان الشعبي الذي اعتمده بتكلفة تتجاوز عشرة مليارات ريال, حيث يبدأ هذا العام بمبلغ 2.4 مليار ريال وهو مبلغ من فائض الميزانية ثم القرار التاريخي الشعبي بتخفيض أسعار البنزين والديزل.. وغيرها كثر.