Author

لهيب الاحتكار في مستقبل التقنية

|
تحتفل "مايكروسوفت" هذا العام بمرور 30 عاما على إنشائها، منذ أن بدأها الفتى بيل جيتس وهو في الـ 19 من عمره، الذي يحتفل هو بدوره الآن ببلوغه الـ 50 من العمر، حيث أنشأ هذه الشركة في خطوة تستهدف تحقيق حلم طالما راوده، حلم أن يكون كل مكتب يحتوي على جهاز حاسب آلي يكون معينا على أداء الأعمال، وعلى الرغم من أنه لا يوجد الآن في العالم سوى ستة مليارات جهاز حاسب آلي، إلا أن هناك أكثر من مليار جهاز بالفعل، وهو إنجاز لم يكن ليتحقق إلا من خلال الإيمان بهذه الفكرة والعمل الجاد على تطبيقها، ولم يكن تحقيق الحلم سهلا بالشكل الذي توقعه بيل جيتس في ذلك الوقت، فقد كان عليه تذليل العقبات كافة التي تقف في طريق حلمه، ولكنه يؤكد الآن أنه يقترب فعلا من تنفيذ حلمه كاملا على أرض الواقع، ويعتقد أنه بانتهاء العقد المقبل سيكون كل شيء قد تحقق فعلا بكافة التفاصيل الصغيرة ودون أي استثناءات. وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر إلى حد بعيد في حكمها على جيتس باعتباره شخصا معطاء جديرا بالاحترام أو مؤسس إحدى أكبر الشركات الشيطانية العابرة للقارات في العالم، سيظل بيل جيتس أحد أهم رموز العصامية الذين بنوا أنفسهم بأنفسهم وبذلوا الكثير لتحقيق تطلعاتهم. أما بالنسبة لأمثالي الذين لا يبرئون تهمة "مايكروسوفت" بأنها تتعمد انتهاج أسلوب احتكاري، أوصلها إلى التحكم في 90 في المائة من أجهزة الحاسب الآلي حول العالم، فإن تطلعات جيتس تزيدهم قلقا وتوجسا، حيث ستكون "مايكروسوفت" بمثابة القلب في الحياة الرقمية العصرية، فبينما تتحكم "مايكروسوفت" الآن في برامجها في طريقة تفكير وإدارة معظم الشركات، فإنها تخطط لبناء عالمها الخاص حيث إنها تنفق حاليا مئات الملايين من الدولارات لتكوين صور تفصيلية ثلاثية الأبعاد تتسم بأنها حقيقية غير متخيلة لكل شبر على الأرض كخريطة جديدة للعالم تسمح لأي شخص بأن يوجد في أي مكان من العالم بشكل افتراضي من خلال شاشة حاسبه، حيث يمكنك أن تتمشى في شوارع لندن وأن تشاهد السلع المعروضة في متاجرها، ويمكنك كذلك معرفة أحوال المرور، ولكن ليس من خلال صور تقليدية ثنائية الأبعاد، إنها إمكانية انتقال افتراضي في عالم حقيقي تراه بكافة تفاصيله أمامك، وباختصار فإن "مايكروسوفت" لن تتحكم فقط في تسعة من كل عشرة أجهزة حاسب منزلية فقط، ولكنها أيضا ستتحكم في الشارع الذي تمشي فيه والمتجر الذي تشتري منه بضائعك، ولن تكون قادرة على احتكار الحياة التقنية فقط ولكنها أيضا ستنشئ عالما افتراضيا جديدا سوف نكون مجبرين على التعامل معه سواء شئنا أم أبينا، لأنه قد يكون أفضل وأسرع وأكبر. على الرغم من ذلك الشعور الغامض بالخوف من ذلك المستقبل الذي راح بيل جيتس يرسمه وكأنه يرى تفاصيله حية أمامه، وعلى الرغم من أن هذا الخوف له ما يبرره في عالم يستأسد فيه الاحتكار بشكل قد يأكل ثمرات التقنية وعالمها الوردي في أي لحظة، إلا أنني أجد نفسي متشوقا لرؤية هذا العالم الذي يحكي عنه جيتس، وأتشوق أكثر لعالم يبرز فيه عقل عربي يمكنه أن يحدد ملامح آماله المستقبلية ويشكل بالجرأة ذاتها التي يمارسها جيتس، بدلا من أن تكون كل العقول العربية جزءا من إمبراطورية بيل جيتس وممتلكات "مايكروسوفت" التي لا تغيب عنها الشمس! أما المغزى العميق الذي توفره لنا هذه القصة الطويلة التي لم تنته حتى الآن فيمكن فهمه من مقارنة بداية الحكاية بآخرها، فبيل جيتس لم ينتظر أحدا حتى يختار هدية الاحتفال بيوم ميلاده، لقد اختارها هو بنفسه، وخطط لامتلاكها، وهي العالم بأسره!!
إنشرها