ولاء الموظفين لشركاتهم يعرقل صفقات الاندماج في اليابان

ولاء الموظفين لشركاتهم يعرقل صفقات الاندماج في اليابان

صحيح أن سياسة الحكومة اليابانية المتبعة والمعلنة قد هدمت كافة الحواجز في الأسواق الرأسمالية وفتحت جميع القنوات في أسواق العمل، إلاّ أن البيئة الاجتماعية في اليابان وولاء الموظفين الأصيل لصاحب العمل القديم يلعب دوراً استراتيجيا مهما للشركات المحلية والأجنبية في عمليات الاندماج والاستحواذ بشكل أكثر فعاليةً مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة وأوروبا.
وانطلاقا من هذه العلاقة، وضعت شركة الأوراق المالية نيكو كورديال في مخططاتها بضعة أشهر أخرى لإنجاز التكامل والاستحواذ على بنك "طوكيو ستار"، وكذلك وضعت إدارة شركة التكنولوجيا "سوفت بنك" العامل الزمني نفسه نصب عينيها تمهيدا للاندماج مع شركة الاتصالات الجوّالة "جي. فون"، التي اشترتها بمبلغ 15 مليار يورو.
وبالمثِل، تتعامل شركتا التجهيزات المكتبية "كونيكا" و"مينولتا" بحذر كبير مع اندماجهم المكلّف أربعة مليارات يورو في قيادة مسار العمل، فقد استطاعت الإدارة الجديدة الناجمة عن اندماج الشركتين العريقتين عام 2003 تحقيق أهداف الاندماج من الناحية الرأسمالية خلال ثلاثة أشهر، إلاّ أنها عرقلت من الناحية الوظيفية حيث استطاعت أخيرا وبعد عامين من المفاوضات إقناع نقابات الشركة بنقل أربعة آلاف موظف. وتحسبا لهذه الخلفية عملت شركات الأدوية اليابانية على إتمام صفقات الاندماج بكل هدوء وواقعية.
وفي المقابل رفعت عدة شركات يابانية أخرى شعار "الاندماج شيء والعمل الجماعي شيء آخر"، في وقت تمر فيه البلاد حاليا بموجة اندماج مجهولة الشكل والحجم والمحيط ولكن بحجم مالي يبلغ 200 مليار يورو في السنة. ومن بين الشركات اليابانية التي تنتهج هذه النظرية المعاكسة شركة كانون لتصنيع آلات التصوير، التي ترفض الاستحواذ على أية شركة أخرى منافسة ربما بسبب الأرباح السنوية الهائلة التي تحققها سنة تلو الأخرى وميزانيتها الضخمة.
المبدأ نفسه تنتهجه أيضا شركة تويوتا لصناعة السيارات، فقد كان باستطاعة هذه الشركة العملاقة قبل عامين التهام شركة "ميتسوبيشي" المتدهورة لكنها غضت بصرها عن هذا الأمر كليا. ويقول هيروشي أوكودا رئيس مجلس إدارة "تويوتا" عن هذا الأمر: "نحن نولي البيئة الاجتماعية الخاصة بنا كل العناية والاهتمام، كما أننا لا نجلب لأنفسنا مشاكل الآخرين". ويرى أوكودا أن نمو الشركة بقوتها الذاتية هو الطريق الأمثل.
وبطريقة مشابهة لهذه النظرية يفكّر أيضا فوجيو ميتاري رئيس مجلس إدارة شركة كانون، الذي رفض فكرة الاستحواذ على قطاع التصوير المتدهور لشركة "كونيكا مينولتا" شتاء العام الماضي، معربا عن رأيه بأن البيئة الاجتماعية للشركة لها سعرها، وهذا السعر يكون أحيانا غالي الثمن.
هذا الفكر الجديد في صفقات الاستحواذ اليابانية واجهته بكل صعوبة شركات أجنبية ضخمة مثل "دايملر كرايسلر" و"فودافون" و"جنرال موتورز"، وهي الشركات التي جرت أذيال الخيبة من اليابان بعد أن كانوا قد دخلوها بكل قوة وجبروت متجاهلين التجربة الناجحة لشركة رينو الفرنسية التي استطاعت أن تكسب السوق اليابانية لصالحها من خلال استحواذها على شركة "نيسان"، حيث قامت بتأسيس بيئتين اجتماعيتين لها وفحفظت بذلك للشركة اليابانية ماء وجهها وانتشلتها في الوقت ذاته من هاوية الإفلاس.
أما الشركات الألمانية والأمريكية فقد اكتوت بنيران العظمة والغطرسة، فمجموعة "دايملر كرايسلر" تنازلت منذ عامين عن التزاماتها وتعهداتها تجاه "ميتسوبيشي موتورز" والتي كلفتها ملياري يورو. وتليها بعد ذلك "جنرال موتورز" التي انفصلت عن التزاماتها وتعهداتها تجاه "سوبارو" و"إيسوزو" و"سوزوكي"، واستثمرت العائد المقدّر بثلاثة مليارات يورو في إعادة إصلاح نفسها.
ولكن ثمن الانسحاب كان غاليا لشركة فودافون فالشركة البريطانية تعد العدة حاليا لبيع شركة "جي. فون" لشركة "سوفت بنك" اليابانية. فالبريطانيون فشلوا خلال الأعوام الخمسة الماضية في تلبية الاحتياجات الكثيرة للمستهلك الياباني المتعطش دائما لكل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا، فاستسلمت "فوادافون" ورفعت الراية البيضاء في آذار (مارس) الماضي، وتنازلت عن الشركة الفرع اليابانية لصالح شركة "سوفت بنك للتكنولوجيا المتطورة"، التي تسعى من جانبها من خلال استثمارات كبيرة ونفقات ضخمة إلى التنافس على عرش سوق الهواتف الجوالة ضد شركتي "إن. تي. تي" NTT و"كي. دي. دي. آي" KDDI.
وتعطي "سوفت بنك" مثالا يحتذي في كيفية الوصول إلى القمة في اليابان، فمنذ عقدين ونصف استطاع مؤسس الشركة ماسايوشي سون الارتقاء بشركته المتواضعة حينها إلى طبقة الشركات اليابانية الضخمة، وذلك من خلال شرائه للمئات من الشركات الصغيرة. ولكنه بجانب هجومه القوي على الأسواق الرأسمالية، أبدى سون الكثير من الاهتمام تجاه موظفيه.
هذه الحيطة والرعاية بالموظفين مهمة جدا في عمليات الاستحواذ في اليابان. فالأمر طبيعي جدا بين الشركات اليابانية أن يتحفّظ أحد أطراف الشركتين المندمجتين على ثقافته البيئية لمدة طويلة. شركة "نيسان" لصناعة السيارات مثلا استحوذت في منتصف الستينيات على المنافس المحلي "برنس"، ولكن حتى ثمانينيات القرن الماضي كان موظفو شركة برنس مازالوا متمسكين بكتابة اسم شركتهم السابقة على ملابس العمل بدلا من اسم "نيسـان". وكذلك أيضا في المجموعة المالية لشركة ميتسوبيشي والتي تُعد حسب ميزانيتها أكبر بنك في العالم يوجد الكثير مما يسمي بحلقات الأصدقاء، حيث تضم كل حلقة الموظفين من كل شركة مُستحوذة يتميزون بالانتماء التام إلى البيئة الاجتماعية لشركتهم القديمة.
وهذه المشكلة ليست حديثة العهد على الشركات اليابانية، فبنك "داي. إشي كانجيو" الذي تأسس عام 1971 أدار لسنوات طويلة قسمين أسسهما لشؤون الموظفين، قسم لموظفي شركته السابقة "داي. إشي" وقسم آخر للشركة المُستحْوذة السابقة "نيهون كانجيو". ويذكر أن بنك "داي. إشي. كانجيو" قد اندمج قبل أربعة أعوام مع البنك الصناعي الياباني و"فوجي بنك" معا، مؤسّسين مجموعة ميزوهو، والطريقة نفسها اتبعتها أيضا شركة اليابان الحديد والصلب "نيبون ستيل" بعد اندماجها مع شركتي الحديد والصلب "ياواتا" و"فوجي" اللتين تم تأسيسهما في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

الأكثر قراءة