النسيان من أسباب الترخص
والسبب السادس من الأسباب المبيحة للترخص النسيان, وهو ترك الشيء عن ذهول وغفلة وهو خلاف التذكر, وقد يطلق على ترك الشيء عن تعمد, ومنه قول الله تعالى: "ولا تنسوا الفضل بينكم" والمراد به هنا هو عدم استحضار الشيء وقت الحاجة إليه من غير آفة في عقل المكلف ولا تمييزه وهو مرادف للسهو. والنسيان من الأعذار الشرعية بين العبد وربه. قال الله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". وفي الحديث أن الله عز وجل قال إجابة لهذا الدعاء "قد فعلت" وفي رواية قال "نعم" أخرجه مسلم وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ـ أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وغيرهم.
ففي الآية والحديث دلالة على رفع حكم النسيان سواء في الدنيا أو الآخرة, ففي الآخرة رفع الإثم وفي الدنيا رفع الفساد والبطلان, وهذا رحمة من الله بالناس ورفع للحرج عنهم لأن المحاسبة على ما يقع من المكلف نسيانا وسهوا نوع من تكليف ما لا يطاق, إلا أنه ينبغي التفريق في ذلك بين ما كان من حقوق الله تعالى وما كان من حقوق العباد.
فحقوق العباد لا يعتبر النسيان عذرا في إسقاطها بل يسقط الإثم, أما الضمان فواجب لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاضاة, وأموال العباد محترمة لحاجتهم إليها ففي إتلافها من غير ضمان حرج شديد وضرر بالغ تضيع به المصالح, ولو قيل به لادعى كل متلف أنه كان ناسيا وتلك فوضى لا تليق بمقام التشريع المطهر. وكذلك الضمان يعتبر من الجوابر التي تجبر ما حصل من المكلف نتيجة نسيانه, والجوابر لا تسقط بالنسيان كمن باع طعاما ثم نسي أنه باعه فأكله فلا إثم عليه ويلزمه ضمان ما أتلفه. وأما حقوق الله تعالى فهي مبنية على العفو والمسامحة ولذلك يعتبر النسيان عذرا في سقوط الإثم الأخروي وإن كان يمكن تداركه وجب عليه تداركه إذا ذكر كمن نسي الصلاة حتى خرج وقتها فلا إثم عليه إلا أنه يجب عليه قضاؤها إذا ذكر لقول النبي, صلى الله عليه وسلم, من نسي صلاة ونام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ـ أخرجه مسلم, وكذا الحكم بمن نسي الصيام أو الحج أو الكفارات والنذور فلا يسقط بنسيانه بل يجب فعله حين تذكره. أما إذا كانت العبادة المنسية تفوت ولا يمكن تداركها كالجهاد والجمعة وصلاة الجمعة فإن وجوبه يسقط بفواته بسبب النسيان.