محمد بن أحمد العقيلي .. كشف خبايا الأزمنة وبحث عن زاد العقول على ظهر حمار وشعره استهوى الفرنسيين!

محمد بن أحمد العقيلي .. كشف خبايا الأزمنة وبحث عن زاد العقول على ظهر حمار وشعره استهوى الفرنسيين!

محمد بن أحمد العقيلي .. كشف خبايا الأزمنة وبحث عن زاد العقول على ظهر حمار وشعره استهوى الفرنسيين!

أديب ومؤرخ وشاعر وكاتب أثرى المكتبة المحلية والعربية بمؤلفات أدبية وتاريخية عدة بالإضافة إلى مجموعة شعرية كاملة ضمت دواوينه الأربعة، أفنى عمره في البحث والتأليف، جاب أرجاء الوطن والعالم بحثاُ عن مخطوط يفيد الآخرين، دخل شعره مرحلة العالمية عندما ترجمت له قصيدة بالفرنسية ونشرت في صحيفة "لوموند".
ومثلما نجح في مجال التأليف والبحث فقد نجح في أعماله الوظيفية التي أوكلت إليه، وسجل له أنه أول من أسس داراً للأيتام في جيزان قبل أي مكان في المملكة، كما كان سباقاً في تأسيس نادي جيزان الأدبي.
عُرف عن الشاعر والمؤرخ والأديب محمد بن أحمد العقيلي بثقافته الواسعة وبارتحاله إلى داخل الوطن وخارجه حتى لو كان ذلك على ظهر حمار بحثاُ عن زاد للعقل، كما أن عشقه للكتاب وتراث المنطقة وتاريخها جعله يملك مكتبة عامرة تُعد من أكبر مكتبات المملكة وأهداها لجامعة الملك سعود ليستفيد منها الجيل الحالي والأجيال المقبلة.
عاصر العقيلي الأحداث التي صاحبت توحيد المملكة، وعُدّ شاهد عيان عايش فترة التوحيد، ولمس عن قرب التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية التي شهدتها البلاد منذ تأسيسها، ولعشقه لوطنه فقد غطى الشعر الوطني قرابة ثلث مجموعته الشعرية، كما ظهر جلياً في شعره البعد القومي، وأحسّ الشاعر بالألم العربي وعايش قضايا العروبة، وأدمت أعماقه وخزات الاستعمار المغروسة في جسد الأمة، كما ساءته النوايا الاستعمارية الدنيئة فانطلق في ثورة عارمة يفجر آلامه وينادي بالحرية والكفاح ويأسو جراح المنكوبين.
عشق العقيلي وطنه الصغير جيزان مثلما عشق من قبل وطنه الكبير، فقد حملها بين جوانحه وأسكنها عقله وقلبه ليخرجها إلى العالم درة مصونة وتاريخاً مليئاً بالحياة.
جازان إني من هواك لشاكي
أفتنصتين لبلبل غناك؟
قال عنه الأديب إبراهيم صعابي: العقيلي الذي عرف بـ (هزار جازان) في كلماته شجى ولإيقاعات قائده هديل، ينقلك في القصيدة الواحدة من روض إلى روض أكثر اخضراراً ومن زهرة إلى أخرى أزكى عبيراً وشذا. كان شعره ومازال – بنبضه الحي – يتمشى بين جوانحنا وينفث سحره وبهاءه في أعماق الوجدان. أجل فهو شاعر رائد، وشاعر مجدد في عصره، يجري الشعر في وجدانه، وعلى لسانه جريان الدم في أوردة الحياة وشرايينها، جريان النفس في عالم عبق يشع صفاء ونقاء. عرفته مؤرخاً جلدا يقضي الساعات الطوال دون كلل أو سأم. أخلص نفسه وقلمه لخدمة التاريخ في شتى جوانبه، فأخرج لنا الدرر، وكشف خبايا الأزمنة، فقدم لمنطقته ولمملكته ولأمته خلاصة فكرة، وضوء عينيه من أجل إضاءة لغابر دثره الزمن، أو ألقي في غياهب النسيان. جاء العقيلي ليخرج لنا تاريخ المنطقة بأسلوب الأديب الأريب، وصبر المؤرخ الواعي الواثق من مصادر معلوماته، الحكيم في تعامله مع الأحداث، الخبير بمراحل التاريخ وأزمتها.
ونظراً لتعدد اهتمامات الأديب والشاعر الراحل محمد بن أحمد العقيلي وإثرائه المكتبة العربية بعدة مؤلفات تجاوزت الثلاثين مؤلفاً لها قيمتها التاريخية والأدبية فقد عُد أحد عمالقة الفكر في البلاد العربية وهرماً شامخاً من أهرام الثقافة والعلم والأدب، وشاعراً كتب 112 قصيدة ومقطوعة وأصدرها في مجموعة شعرية كاملة ضمت دواوينه الأربعة وقدم لها الشاعر بمقدمة شعرية بينت موضوعات شعره ومصادره وإلهاماته وأبرز المؤثرات في شعره. ولعل الشعر الوطني غطي قرابة ثلث مجموعته، وتمحورت وطنياته في موضوعات تتداخل فيما بينها في طبيعة المادة الشعرية، ولعل أهمها الإعجاب بشخصية الإمام الموحد الملك عبد العزيز، ورثاء الملوك السعوديين، وبث فيها كثيراً من رؤاه الوطنية، كما رصد مظاهر التنمية ومعطياتها في البلاد.
ولعل من قصائده التي سجلت الأحداث قصيدة الرحلة "الملكية" وقالها بمناسبة الجولة الاستطلاعية التي قام بها المغفور له الملك عبد العزيز على ربوع نجد على متن طائرة سعودية بطيارين سعوديين، ومنها:
على صهوات الجو قد حلقوا سربا
وفي عالم الأفلاك قد زاحموا الشهبا
مضوا فوق أثباج السديم وأمعنوا
يشقون أمواج الأثير وقد عبا
وحول متاهات الكواكب حوموا
يخفون بالمصور قد ملأوا عجبا
وأنت على أفق الغمام محلق
ترود الأماني الغر والأمل الرحبا
فجست سماء أرض تكاد صخورها
تشع حماساً أو يمور الثرى دعبا
مررت على أرجائها متنقلا
تنقل بدر التم قد صدع السحبا
واحتلت الطبيعة مساحة في موضوعات شعر العقيلي فقد ارتبط الشاعر ببيئته فوصف جبالها وسهولها وسواحلها وشواطئها وتغني بما شهدته بعض معالمها من أمجاد وتنمية .. ففي قصيدته "جبل فيفا أو لبنان تهامة" تفنن الشاعر في عرض صوره البديعة عن المنطقة وما تحتويه من طبيعة ساحرة بكر تخلب الألباب وتملك الأفئدة:
فيفا هل لي بأن أجلوك للفكر
في معرض الفن كالرسام للصور
طود يناغي النجوم الزهر قد كسيت
أرجاؤه بوريف الظل والشجر
يغدو الغمام عليها كل آونة
يسح منهمراً عن ريق المطر
والبدر يرسل من إشعاعه أنفا
على الجداول والأنهار والغدر
وللغصون حفيف خافت همست
في مسمع الليل همس الخائف الحذر
ولم يقف العقيلي عند حدود الطبيعة الخاصة ببلاده بل استهوته بعض عناصرها التي شاهدها في بعض رحلاته خارج وطنه فوصف لندن وباريس وألمانيا وإسبانيا وسان فرانسيسكو وشلالات نياجرا وجزر هاواي، كما عبر العقيلي من خلال الشعور الوجداني عن خلجات قلبه ورفيف جوانحه بقصائد عدة ولعل أجمل غزلياته تلك القصيدة التي قالها عندما مر الشاعر وقت الغروب في أطراف جيزان فشاهد حسناء تحاول إشعال مصباحها الغازي والريح تطفئه وكانت القصيدة بعنوان "نظرة في الغسق"
مررت على عجل مسرعاً
وقد غمر الأفق لون الغسق
فشاهدت بين ثنايا الطريق
وميض شعاع أنار الثقب
فأعجبني منظر فاتن
تقاصر خطوي له وانقضب
أعز زهاه الصبا واقفا
يكاد له الحسن أن ينتسب
تحاول إيماض مصباحها
وقد غار منها فما يلتهب
فقلت لنفسي: لماذا العناء
لزهي الجمال؟ وماذا التعب
وما حاجة البيت نحو الضياء؟
والنور من وجهها ينسكب
بقيت الاشارة إلى أن الأديب والشاعر العقيلي ولد عام 1336هـ في صبيا ودرس على يد المدرس محمد خميس باجبير، ثم على يد والده مبادئ الفقه والنحو، ثم درس على يد الشيخ أحمد الأهدل في صبيا، ثم في حلقة الشيخ عقيل بن أحمد بجيزان واختير مديراً لدار الأيتام بجيزان عام 1375هـ ثم مديراً لمكتب العمل، وطلب إحالته إلى التقاعد والتفرغ لإدارة أعماله الخاصة بالإضافة إلى العلم والأدب والتأليف، ترجمت له قصيدة بعنوان (بطولة ديجور) إلى الفرنسية ونشرت في جريدة (لوموند) وصدر له عدة مؤلفات منها:
ديوانا السلطانين دراسة وتحليل وتحقيق عام 1374هـ، المخلاف السليماني في التاريخ السياسي والاجتماعي ثلاثة أجزاء صدر عام 1378هـ، الشاعر الجيزاني ابن هتيمل دراسة وتحليل وتحقيق عام 1385هـ، الشاعر الجيزاني ابن شاجر دراسة وتحليل وتحقيق عام 1385هـ، التصوف في تهامة دراسات عام 1389هـ، المعجم الجغرافي عن منطقة جيزان عام 1389هـ، الأدب الشعبي في الجنوب، دراسات ونصوص عام 1389هـ، الأنغام المضيئة (شعر) عام 1392هـ، الآثار التاريخية في منطقة جيزان 1399هـ، أضواء على الأدب والأدباء في منطقة جازان عام 1400هـ، نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود العبد الرحمن بن أحمد البهكلي وتكملة الحسن بن أحمد بن عاكس تحقيق ودراسة صدر عام 1402هـ، معجم اللهجات المحلية دراسات لغوية مقارنة صدر عام 1403هـ، سوق عكاظ في التاريخ 1404هـ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته العلمية والعملية 1404هـ، أفاويق الغمام (شعر) صدر عام 1402هـ.
حصل العقيلي عام 1394هـ، على ميدالية الريادة الذهبية من مؤتمر الأدباء السعوديين الأول، وأهدى الراحل مكتبته العظيمة إلى جامعة الملك سعود عام 1408هـ.

الأكثر قراءة