سألت صديقي لماذا لا تفكر في إكمال دراساتك العليا، فها هي ذي جامعاتنا أخيرا ربما تحت ضغط الحاجة أو إغراء المال أخذت تشرع أبوابها أمام الراغبين من جميع المؤهلات ومختلف التخصصات، وأنت بفضل الله لا ينقصك الاستعداد العلمي ولا الاستعداد المالي، وجميل أن يستثمر المرء في ذاته فينمي قدراته ويوسع مداركه ويزيد من مهاراته ومعارفه، وكما يقولون إذا لم تتجدد فسوف تتبدد، لم يمهلني صديقي كثيرا حتى أطلق تلك الزفرة التي شعرت بلسعتها في وجهي ثم ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وصاح بي قائلا : إننا في زمن العلاقات وليس زمن الكفاءات، فدع عنك إهدار الوقت واستنزاف الجهد وضياع المال، فالنتيجة معروفة سلفا، أن نشاهد في بعض إداراتنا تلك البيئة الإدارية التي تغلب المصالح الخاصة وتنتشر بها المحسوبيات ليس لديها سوى معيار واحد لتقييم موظفيها هو مستوى علاقاتهم الشخصية برؤسائهم، فبقدر قربك من المسؤول وبقدر كونك مطية للمدير وبقدر استغلالك من الرئيس فإنك الرجل المناسب لكل المناصب في ذلك النوع من الإدارات، ولا تستغرب أن دخلت يوما بعض الإدارات الحكومية فوجدت أن مساعد المدير العام تاجر ملابس جاهزة أو أن مدير الشؤون الإدارية والمالية مقاول معماري أو أن رئيس الشؤون الإدارية ميكانيكي أو أن صاحب الابتدائية مشرف، أما إذا بحثت عن ذوي الكفاءة والخبرة فعليك بالأماكن المزوية والمواقع البعيدة والأقسام المهملة كالأرشيف أو المستودعات أو المحطات أو الورش أو اللجان أو غيرها من المنافي العديدة التي يتم وأدهم فيها في هذه الإدارات باسم مصلحة العمل والمصلحة العامة دونما حسيب أو رقيب، وأنا هنا لا ألوم هؤلاء المتنفذين فما هم إلا مستفيدون من وضع خاص جدا وفره لهم نظام الخدمة المدنية، هذا النظام الذي يسهم في بعض أنظمته إلى قتل المواهب واخفاء الإنجازات، هذا النظام الذي لم يرحمنا من قصوره وجموده سوى تلك المكرمات الملكية الكريمة التي تأتينا بين الحين والآخر كالبلسم الشافي فتخفف عنا بعض ما نجده منه، فعن أي كفاءات تتحدث يا صديقي، ومن ذاك الذي يهتم ؟ أخرستني الإجابة بحقيقتها المرة وصراحتها المؤلمة وصدقها الصارخ، حقا إنه زمن العلاقات وليس زمن الكفاءات.
أحمد محمد اليماني
عضو الجمعية السعودية للإدارة