شواطئ الخليج: 8 ملايين متر ملوثة بالنفط تحتاج إلى 1.2مليار ريال لتنظيفها

شواطئ الخليج: 8 ملايين متر ملوثة بالنفط تحتاج إلى 1.2مليار ريال لتنظيفها

التلوث البيئي في الوطن العربي ومنطقة الخليج تحديدا ليس وليد اليوم بل هو امتداد لمسببات متتالية، كان من أهمها انسكاب أكثر من 11 مليون برميل من الزيت الخام في مياه الخليج خلال حرب الخليج الأولى، مما شكل كارثة بيئية أسهمت بشكل كبير في القضاء على الحياة الفطرية والثروة السمكية، إضافة إلى تدمير مساحات شاسعة من المسطحات الطينية في شواطئ الخليج.
هذا ما أكده لنا عدد من الخبراء في مجال الحفاظ على البيئة، مضيفين أن التلوث النفطي تسرب إلى جوف الأرض بفضل طبيعة المياه الخليجية الراكدة مما زاد من نسبة التلوث البيئي والمخاطر الصحية الناجمة عنه مستقبلا.
ولفت الخبراء الذين التقتهم "الاقتصادية" في استطلاع حول الخطر البيئي الذي يهدد شواطئ الخليج، إلى أن تلوث شواطئ الخليج شمل مساحة بطول 122 كيلو مترا وعرض 14 مترا ومساحة إجمالية قدرت بنحو 35 كيلو مترا مربعا، مشيرين إلى أن نسبة التلوث في الخليج العربي مضاعف 47 مرة عن أي موقع آخر ملوث في العالم. إلى التفاصيل:

هنا الأرصاد وحماية البيئة

يؤكد الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز الرئيس العام لرئاسة الأرصاد وحماية البيئة، أن هناك اهتماما كاملا من قبل الدولة بقضايا البيئة وكل ما يتعلق بحمايتها وصون مواردها الطبيعية والعمل على التنسيق الإقليمي بين جميع دول الخليج من اجل الحفاظ على البيئة البحرية من الملوثات المختلفة ومراعاة الظروف القائمة والتهديدات المتوقعة على البيئة البحرية.
وقال إن هناك تنسيقا مستمرا بين الرئاسة والجهات المعنية في الدول المطلة على مياه الخليج العربي في هذا الشأن.

تلوث السلسلة الغذائية للأحياء البحرية

وأكد الأمير تركي بن ناصر أن السواحل الشرقية للسعودية أصابها أكبر تلوث نفطي شهده التاريخ خلال حرب تحرير الكويت عام 1991، حيث زحف على شواطئها ما يقارب 11 مليون برميل من النفط الخام ملوثة ما يزيد على 800 كيلو متر على امتداد الساحل الشرقي.
وقال إن بقع النفط لا تزال تحت مساحات شاسعة من رمال الشواطئ بسماكة تصل إلى 11 سنتيمترا، معتبرا أن ذلك يشكل مصدر تهديد للموارد الطبيعية البحرية في الخليج العربي خاصة إذا ما علمنا أن سلسلة الغذاء للأسماك تبدأ من الأحياء الدقيقة في الشواطئ والشعب المرجانية وبالتالي فإن الأضرار تتعمق يوما تلو الآخر.

الطرف المتسبب يتحمل

وأفاد الأمير تركي بن ناصر أنه في ظل القرار الدولي الذي أصدرته الأمم المتحدة والقاضي بأن يتحمل الطرف المتسبب في حرب الخليج عام 1991 أعباء وتكاليف الآثار الناتجة عن هذه الحرب ومنها الأضرار البيئية التي لحقت بالمنطقة, فقد تقدمت السعودية ممثلة بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة مطالبة بالتعويض عن الأضرار البيئية المتمثلة في الآتي: الأضرار البيئية على الشواطئ الملوثة بالزيت والمناطق البحرية، الأضرار البيئية على المناطق البرية، والأضرار البيئية الناتجة عن احتراق آبار النفط وآثارها في الصحة العامة.

مسح للشواطئ والمناطق البرية الملوثة

وبين الأمير تركي أن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات بدعم السعودية قامت بعدد من الدراسات شملت المناطق البحرية ومسح الشواطئ والمناطق البرية والآثار البيئية في الصحة العامة لمعرفة وتقدير الضرر الذي لحق ببيئة السعودية, وقد أنهت الرئاسة العديد من هذه الدراسات والتي ستدعم نتائجها موقف السعودية في مطالباتها بإزالة التلوث وتأهيل المناطق المتضررة.
وِأشار إلى أن السعودية حرصت على إزالة الأضرار البيئية وكان لذلك الأولوية بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ولما يمثله من أبعاد إنسانية لحماية الأحياء والموارد الطبيعية, كما أن أهمية تنفيذ وتفعيل قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص سيكون حافزا لخلق بيئة أكثر نقاء في السنوات المقبلة كما أنه تم إيضاح أهمية إزالة التلوث ومعالجة المناطق المتضررة وما يمثله من أضرار في الحاضر والمستقبل.

تأخر التنظيف يفاقم المشكلة

وقال الأمير تركي إن السعودية تعول على الموارد الطبيعية البحرية في المستقبل خاصة مع تزايد عدد السكان ونزوح العديد منهم باتجاه المناطق الساحلية, ويعتبر قطاع الرعي من أهم القطاعات الإنتاجية في السعودية ومن هذا المنطلق فإن ما نتج من حرب الخليج من تلوث على شواطئ السعودية وأضرار لحقت بالغطاء النباتي للمناطق البرية سوف يؤدي إلى آثار سلبية سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو بيئيا إذا لم يتم تنظيف المناطق الملوثة ومعالجة المناطق المتضررة وإعادة تأهيلها بيئيا.
كما أن التأخير في التنظيف والمعالجة سوف يزيد من كلفتها لاحقا حيث إن آثارها تتعمق مع مرور الوقت والأمر يتطلب إزالة أكثر من ثمانية ملايين متر مكعب من الرمال الملوثة بالزيت على طول شواطئ السعودية للساحل الشرقي، حيث أوضحت الدراسات أنها لن تزول بشكل طبيعي قبل 200 عام.
وزاد: إن عمليات تلوث المناطق الساحلية سمة سائدة وظاهرة عامة في جميع الدول المتقدمة والنامية بما فيها سواحل الخليج العربي عموماً وساحل المنطقة الشرقية في السعودية خصوصاً، وقد بدأت المملكة في تشديد الاهتمام بحماية هذه السواحل من التلوث البيئي بإصدار القوانين والأنظمة من قبل الجهات المختصة ومتابع هذه الظاهرة خاصة بعد حربي الخليج الأولى والثانية بعمل الدراسات والأبحاث البيئية من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث والهيئات الدولية للمحافظة على بيئة السواحل الخليجية للمملكة عامة، والسواحل الحساسة بيئياً خاصة.

1.2 مليار حجم التعويضات

وأكد الأمير تركي أن هناك فريقا علميا سعوديا يقوم حاليا بدراسة البيئة البحرية في المنطقة الشرقية باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد RS ونظم المعلومات الجغرافية GIS، لتحديد أنواع ومصادر التلوث البيئي.
ولفت الرئيس العام لرئاسة الأرصاد وحماية البيئة إلى أن السعودية تطالب بتعويضات عن الخسائر التي لحقت بها بيئيا، والتي تقدر بنحو 1.2 مليار ريال، علما أن التأخر في صرف التعويضات والتأخر في تنظيف البيئة سيرفع الخسائر إلى الضعف على السعودية ودول الخليج.

جهود "أرامكو"

وبما أن شركة أرامكو السعودية التي تعد من أكبر الشركات المطلة على الخليج العربي الذي تعاني شواطئه من التلوث، ولما لها من علاقة وطيدة بالبيئة البحرية، فلنا أن نتناول دورها في الحفاظ على البيئة وما بذلته من جهود في هذا الشأن، لا سيما وأن لها اطلاعا مباشرا على حوادث التسرب وما يتعلق بنقل النفط.
يقول محمد الفتوح من العلاقات العامة في شركة أرامكو السعودية، إن "أرامكو" تقف دوماً على أهبة الاستعداد للمشاركة في أية جهود من أجل الحفاظ على البيئة، بدءاً من وضع خطط الطوارئ إلى تقديم المساندة التشغيلية للتعامل مع أي تلوث نفطي قد ينجم عنه مخاطر بيئية.

أجهزة للكشف عن التسرب

وفيما يتعلق بدور الشركة في تلوث مياه الخليج بالنفط، فقد أوضح الفتوح أن خطة أرامكو السعودية البيئية تضمنت التأكد من أن أعمالها لا تسبب أي أخطار على البيئة أو الصحة العامة، وتهتم اهتماماً كاملاً في أداء أعمالها بحماية الأرض والهواء والماء من التلوث، مشيرا إلى أن الشركة تعمل كذلك على تطبيق أساليب لا تؤثر في البيئة، والتخلص من النفايات والحد من تكاليفها عن طريق تقليل مصادر النفايات وإعادة استخدام النفايات وتدويرها، كما تبنت الشركة المثل القائل" درهم وقاية خير من قنطار علاج" حفاظاً على الماء الذي هو أهم مورد في الخليج العربي والبحر الأحمر.
وقال إن شركته بذلت جهوداً كبيرة للحد من حوادث انسكاب الزيت في مياه الخليج العربي، فمن ضمن الإجراءات التي تتبعها في هذا الصدد، استعمال أجهزة كشف التسرب، ومراقبة نظم الإغلاق الآلي من المصدر، وعدم السماح للسفن التي لا تلتزم بالمعايير القياسية من الرسو في موانئ الشركة.

مراجعة اللوائح وأنظمة الموانئ

وتابع قائلا: إن "أرامكو" تقوم بمراجعة لوائح وأنظمة الموانئ للتأكد من أنها قد تضمنت آخر الإرشادات الخاصة بالمعاهدة الدولية للبحار والصناعة النفطية، واستحدثت نظاما يتيح لها استرجاع تكاليف الاستجابة لحوادث انسكابات الزيت من مالك السفينة المتسببة في الحادث.
كما تطبق الشركة نظام "لويدز" الذي يمنع الناقلات التي لا تتبع المعايير القياسـية وتتسبب في حوادث التلوث النفطي أو توجد بها جوانب قصور خطرة تتعلق بالسلامة، من العودة إلى موانئ الشركة، ما لم تحصل على ما يثبت إصلاحها الخلل الذي تسبب في حدوث الانسكاب.

فريق سريع الاستجابة

وبين الفتوح أنه إدراكاً من "أرامكو" لاحتمال وقوع التلوث النفطي في أي زمان ومكان، قامت الشركة بإعداد خطط طوارئ للاستجابة لمكافحة التلوث بمناطق أعمال الشركة المختلفة، وقامت بتشكيل فرق عمل رسمية يناط بها مسؤولية الاستجابة في الحالات الطارئة، ويتم التنسيق في هذا الصدد مع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.
كما قامت الشركة بإصدار تعليمات وإرشادات عامة تتعلق باستخدام المشتتات الكيميائية لمكافحة التلوث في الحالات الطارئة، وفقاً لبرتوكـول المنظمـة الإقليمية لحمايـة البيئـة البحريـة ( ROPME) وتمشياً لما ورد في الخطة الوطنية للتلوث النفطي.

سفن ومعدات لمكافحة التلوث

وقد وفرت شركة أرامكو السعودية لهذا الغرض المعدات والسفن الخاصة بمكافحة التلوث في كل مناطق السعودية الواقعة على ساحل الخليج العربي والبحر الأحمر، كما شرعت في تدريب الكوادر السعودية على استعمال تلك المعدات والأجهزة، فضلاً عن إجراء التدريبات العملية بصفة دورية، لاختبار كفاءة فرق العمل والمعدات والأجهزة وخطط الطوارئ التي وضعتها الشركة لمكافحة التلوث النفطي في الحالات الطارئة، ورفع كفاءتها، وجعل تأهيلها وجاهزيتها عالية.
ويشير الفتوح إلى أن مشاركة أرامكو السعودية السريعة والشاملة في مكافحة التلوث إبان حرب الخليج عام 1991م كان له أكبر الأثر في منع حدوث كارثة بيئية واقتصادية في المنطقة، إذ ساعد الانتشار الفوري للرجال والمواد والتعاون الوثيق بين الجهات الوطنية والمؤسسات الصناعية على مجابهة التحدي الكبير المتمثل في أكبر انسكاب زيت شهده العالم.

أقل تلويثا من الأوروبيين

ورغم كل ما ذكر عن الخطر البيئي الذي تحمله مياه الخليج، إلا أن الدكتور سعد النميري مستشار الهيئة الاتحادية للبيئة في الإمارات، كان متفائلا بالوضع البيئي في منطقة الخليج من منطلق أن ملوثات البيئة الخليجية أنظف بكثير وأقل تضرراً من ملوثات البيئة في مناطق أخرى.
وقال: إن المصانع في منطقة الخليج خاضعة لإشراف دقيق وتحت احتياطات دقيقة ويستخدم في هذه المصانع أحدث المعدات وأكثرها تقنية على مستوى العالم وبالتالي لا تسبب تلوثا بيئيا يصل إلى درجة المخاطر الصحية.

مركز عربي لتدريب الكوادر

وفي الوقت الذي قلل فيه النميري من الأخطار المحيطة بالبيئة البحرية والشواطئ، بقوله: إن الوضع في منطقة الخليج أفضل من بعض المناطق في أوربا، إلا أنه قال: إن المنطقة العربية بحاجة إلى وضع معايير وسجل بيئي والتركيز على تحفيز القطاع الخاص في مجال تمويل وتنفيذ المشاريع ووضع برامج للتحكم، مؤكدا أهمية إيجاد مركز عربي مرجعي يقوم بتدريب الكوادر البشرية للقيام بمهام التفتيش الصناعي والرصد الذاتي.
وقال النميري إن منطقة الخليج العربي وبعض الشواطئ العربية شهدت مناورات بحرية دولية بهدف الحفاظ على البيئة البحرية والمحميات الطبيعية بمشاركة 17 دولة عربية وأجنبية من بينها السعودية، وتضمنت المناورات تجارب عملية للقيام بتطهير عدد من بقع الزيت الوهمية باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لمقاومة التلوث البحري والقضاء على بقع الزيت الوهمية، وكذلك استخدام الحواجز المطاطية وسفن الخدمة ومعدات مكافحة التلوث.

مفاعل ديمونة

ويتفق الدكتور صهيب الشريف من سورية مع الدكتور نجيب علي عبد الله السودي من اليمن، على وجود تلوث بيئي في الشواطئ العربية وتزداد نسبته في الشواطئ الخليجية نتيجة للظروف التي مرت بها منطقة الخليج العربي، متهمين إسرائيل بأنها مصدر الخطر البيئي الحقيقي للوطن العربي بأكمله وليس للشواطئ فقط، حيث إن المفاعل النوووية "ديمونة" سبب مخاطر بيئية جمة وسبق أن حصل من هذا المفاعل تسريبات دون تحرك من المجتمع الدولي الذي يغض الطرف عن هفوات وحماقة إسرائيل, على حد وصفهم.
وطالب المختصون من الشركات والمؤسسات العربية الكبرى الإسهام في تنظيف البيئة العربية وتنقية أجواء المدن والشواطئ البحرية لصناعة مستقبل عربي خال من المخاطر الصحية التي تهدد المجتمع العربي على المدى البعيد.

شواطئ دبي نموذجا

وقالوا بصوت واحد صحيح أن قضية التلوث قضية عالمية تعاني منها كبريات المدن والعواصم في العالم، لكن التلوث الخطير الذي تشهده الشواطئ العربية وفي مقدمتها الشواطئ الخليجية، يحتم علينا أن نتحرك بشكل جاد وعلى مختلف الأصعدة، كما حصل لدى مسؤولي مدينة دبي حيث أحضروا فرقاً عالمية متخصصة ونجحوا في احتواء المخاطر وحولوا شواطئ مدينة دبي إلى مرافئ للمتنزهين والسياح وأصبح شاطئ دبي الأكثر نظافة والأكثر نقاء خليجياً بل عربياً وعالميا.

الأكثر قراءة