"شارع العصارات" مكان للموضة وآخر الصيحات الشبابية
تجمعات واستعراضات شبابية تختلف معها زاوية الرؤية فتختلف تفاصيل المشهد وتبقى العناصر شبه متقاربة، مشاهد يمكن أن تترجمها عين المبدع إلى أفلام سينمائية ترصد تاريخا وتقدم رؤية للماضي وبدايات النهضة الحضارية التي مرت في العاصمة الرياض قبل أكثر من 40 عاما، تقترب تلك المشاهد من الواقع اليومي فما يراه جيل الثمانينيات من مشاهد يومية على امتداد شارع التحلية من تقليعات و مسايرة للموضة ورغبة في لفت الانتباه تعيد لهم شريطا من الذكريات التي مرت بهم وعاشوها في أيامهم في تلك الفترة.
اختفت الملامح المميزة لشارع "العصارات" سابقا شارع "الإمام عبد العزيز بن محمد"حاليا، ذلك الشارع الأشهر في مدينة الرياض في زمانه. يمتد بداية من مستشفى الملك سعود "الشميسي" سابقا حتى يصل إلى شمالا شارع الملك سعود، ولم يبق من الزمن الماضي الجميل سوى آثار عمرانية تنتظر دورها لتغادر ذلك المكان وتمحو ما يحفز الذاكرة على الحركة والرجوع إلى الوراء، للوقوف على البدايات وجزءا من بقايا التاريخ الحديث، يترك شارع العصارات ذكريات لا تنسى ومواقف تبقى ما بقي أصحابها و يتناقلها الرواة مشافهة أو مكتوبة وإن كانت قليلة.
سبب التسمية
يذكر جيل الثمانينيات الهجرية أن السبب الذي جعل الناس تطلق عليه اسم شارع العصارات يعود إلى انتشار محال بيع العصير والوجبات الخفيفة"السندوتشات" التي لم تكن معروفة من قبل، حيث وصل عدد تلك المحال إلى أكثر من 15 محال تتنافس في تقديم تلك الوجبات الشهية.
أندية العاصمة.. هناك
يقف عبد الله الصعيب أمام بوابة نادي الهلال القديمة التي تقع داخل الحي وفي بداية شارع العصارات من جهة الشمال، ويسترجع الصعيب ذكرياته الممتدة في ذلك الملعب ومع النادي حينما كان يمارس لعبته المفضلة كرة اليد كأحد اللاعبين المسجلين في النادي، وترجع تلك الذكريات إلى أكثر من 30 عاما مضت وكأنها حدثت بالأمس، ويمر الصعيب مع ذلك شارع العصارات مشيا على قدميه متجها إلى ناديه المفضل كل يوم حرصا على حضور التمارين، متجاوزا مقر نادي النصر وكذلك مقر نادي الشباب الذي لم يكن بمساحة نادي النصر، ورغم انشغاله بالنادي إلا أن المشاهد اليومية التي تمر أمام عينية على طول ذلك الشارع بقي الكثير منها عالقا في ذاكرته وخاصة عندما يكون عائدا إلى المنزل.
ويتذكر الصعيب منظر الأطفال وهو واحد منهم وهم يقفزون ويلعبون ويتدافعون مستمتعين بمياه النافورة التي تتوسط الشارع بالقرب من مستشفى الشميسي قبل تركيب الكباري، فكانت مسبحا مفضلا لهم دون مقابل مادي أو خجل من المارة، وإلى جانب تلك المواقف كانت التجمعات الشبابية التي تتخذ من محال العصارات الممتدة على الطريق مكانا للالتقاء وتبادل الأحاديث حيث كان مقصدا لهم من مختلف الأحياء والشوارع مشهدا مألوفا لدى الصعيب في تلك الفترة. فتحت السينما أبوابها مجانا أما عبد الله الصعيب ليشاهد الأفلام المصرية والأجنبية في وسط العاصمة الرياض، فمنسوبو النادي كانت لهم معاملة خاصة تسمح لهم بحضور العروض السينمائية ومتابعة أحداثها.
عروض سينمائية
يصف ماجد الخليوي أحد الشباب الذين عاصروا تلك الفترة المشهد اليومي للعرض السينمائي حينما تفتح سينما نادي النصر أبوابها أمام الجمهور ابتداء من الصالة التي لم تكن مغلقة ما يساهم في تخفيف روائح الدخان المتصاعد من أفواه الحضور المتكدسين أمام الشاشة كما أن الفضاء المفتوح لها يقلل من ضوضاء الكراسي الحديدية المتحركة المتجاورة حينما يتفاعل الحضور مع الأحداث المعروضة، وتتعالى أصواتهم مع كل مشهد من المشاهد غير المألوفة، ويضيف الخليوي أن الصالة بأسلوبها المكشوف أتاحت الفرصة لأصحاب المباني المجاورة من الاستمتاع بالأفلام المعروضة من خلال جلوسهم في الأسطح ومتابعة العرض والتخلص من دفع قيمة التذاكر التي تتراوح بين 3 و5 ريالات حسب نوع الفيلم، وفي مقابل ذلك تنازلوا عن سماع أصوت الممثلين حيث لا يصل الصوت إلى تلك الأماكن.
ويقارن الخليوي الحركة في ذلك الشارع بما يشاهده في شارع التحلية حاليا حيث يجد تشابها كثيرا، فالعصارات كان المكان المفضل للشباب لاستعراض سياراتهم المتنوعة وخاصة الكشف التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت، إلى جانب ذلك تشاهد الملابس المختلفة، كلبس البنطلون والكعب العالي مبينا أن شباب ذلك الوقت يتبعون الموضة وما يستجد فيها من الأفلام السينمائية التي كانت المصدر الوحيد تقريبا للثقافة الخارجية.
عصارة "أبولو"
يذكر حيزان الحيزان المعلم في معهد العاصمة النموذجي تلك أسماء العصارات التي كان يغص بها الشارع، حيث تعكس الثقافة وتتفاعل مع الأحداث حيث ظهرت عصارة "أبولو" في ذلك الوقت نسبة إلى الرحلة الفضائية الأمريكية، كما يؤكد ما قاله الخليوي حول الاستعراضات الشبابية التي كانت تميز شارع العصارات، مشيرا إلى أنه الشارع الوحيد في الرياض الذي يوفر جوا مميزا ، ويتيح حرية للأهالي للاستمتاع بأوقاتهم، فهو أشبه بشارع التحلية في الوقت الحالي، وينظر الحيزان إلى الشارع من جانب آخر فهو مجمع لعشاق الرياضة في ذلك الشارع حيث الأندية الكبار النصر والهلال والشباب يقول إن شارع العصارات شارع الرياضة ففيه يجتمع اللاعبون، ومنه نحصل على نتائج المباريات التي تقام في مناطق مختلفة فلم تكن هناك وسائل إعلامية تنقل الحدث الرياضي.
بقايا من الماضي
أغلقت بعض المحال التجارية التي كانت في زمانها أشبه بالمراكز التجارية، يعلل صاحب المطعم راجو الذي أمضى أكثر من 15 عاما في شارع العصارات سبب ذلك بأنها أصبحت لا تتناسب وشروط البلدية، ويضيف أن كثير من المحال تركها أصحابها لقلة الزبائن وقربها من الكباري التي لا تساعد على وقوف المارة، ويبين أن العمل في هذا الشارع بدأ يقل كثيرا عما كان عليه منذ زمن يعود إلى ما يزيد عن السنوات العشر.