5 أسباب تقود العالم للبحث عن مصادر للطاقة البديلة
يعيش العالم في الآونة الأخيرة خاصة في الدول الصناعية الكبرى مخاوف متزايدة نتيجة لتزايد أسعار النفط أو زيادة الطلب على مصادر الطاقة، لهذا السبب تسعى العديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى إيجاد وتطوير مصادر بديلة للطاقة.
تاريخيا، بدأ الإنسان رحلة البحث عن مصادر الطاقة منذ آلاف السنين، حيث استخدم الإنسان الأول الأخشاب ومخلفات النباتات والحيوانات لأغراض بدائية مثل طهي الطعام والتدفئة. اكتشاف كميات هائلة من الفحم لاحقا شكل تحولا جذريا في إنتاج الطاقة حول العالم، حيث استخدمه الإنسان الغربي في الثورة الصناعية وكوقود أساسي للمحركات والاستخدامات المنزلية في الفترة الممتدة من أوائل القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين. ثم جاءت مرحلة النفط، حيث بدأ كمنافس للفحم الحجري، ومع تطور تقنيات الحفر والإنتاج أصبح النفط المصدر الأساس للطاقة في حياتنا اليومية.
هذا السرد البسيط لتطور مصادر الطاقة يعكس سعي الإنسان الحثيث لإيجاد مصادر جديدة تتناسب مع تطور الحياة وازدياد احتياجات الإنسان. نتيجة لهذا البحث المتواصل تنوعت المصادر اليوم لتشمل ثلاثة مصادر تقليدية رئيسية هي النفط، الغاز، والفحم الحجري، وهو ما يسمى بالوقود الحفري Fossil Fuel.
الطاقة البديلة Alternative energy أو الطاقة المتجددة Renewable مصطلحان كثر استخدامهما في وسائل الإعلام خلال السنوات العشر الأخيرة. المصطلحان قد يعنيان الشيء نفسه، ولكن لمزيد من الدقة فإن مصطلح الطاقة المتجددة يشمل كل ما هو منتج من مصدر لا ينضب، أي متجدد طبيعيا Naturally occurring، كمثال لذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. أما مصطلح الطاقة البديلة فالمقصود به كل ما هو منتج من مصدر غير تقليدي، أي غير النفط أو الغاز، أو الفحم، وليس بالضرورة أن يكون متجددا، كمثال لذلك الطاقة النووية.
بهذا التعريف فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يعتبر النفط أو الوقود الحفري عموما ضمن مصادر الطاقة المتجددة؟ فمعروف أن النفط يتكون طبيعيا نتيجة للتراكم المستمر للمخلفات العضوية وتعرضها للضغط والحرارة العالية في باطن الأرض.
وفي الواقع إن معدل استهلاك الوقود الحفري اليوم يفوق بكثير معدل التكون. بعض الدراسات تقدر أن معدل الاستهلاك اليوم يعادل مليون ضعف معدل التكون، لهذا فإن المخزون الحالي سينضب حتما إذا استمر معدل الاستهلاك على ما هو عليه الآن.
هناك خمسة أسباب رئيسية للنشاط المحموم اليوم في البحث عن مصادر بديلة للطاقة وبالتحديد المتجددة منها. هذه الأسباب يمكن تلخيصها في الآتي:
1) ارتفاع أسعار الوقود التقليدي (النفط والغاز)، حيث قفز سعر برميل النفط بما يقارب 180 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية فقط. هذه الزيادة أثرت بشكل مباشر في مستوى حياة الإنسان، خصوصا في العالم الغربي، نتيجة لارتفاع تكاليف الحياة اليومية. على سبيل المثال ففي بريطانيا ارتفعت فاتورة الكهرباء والغاز المنزلية إلى أكثر من الضعف خلال السنتين الأخيرتين.
2) القلق العالمي من جراء تزايد انبعاثات الغازات الحرارية Green house gases التي تنتج بشكل رئيسي نتيجة لحرق الوقود التقليدي. الغازات الحرارية، التي يعد ثاني أكسيد الكربون من أخطرها، لا تتسبب في ارتفاع الحرارة فحسب، بل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في صحة الإنسان وتتسبب في خلل التوازن البيئي. لهذا ظهرت القوانين والآليات اللازمة للحد من انبعاثات هذه الغازات مثل اتفاقية كيوتو Kyoto agreement التي بموجبها التزمت أكثر من 169 دولة بخفض انبعاثاتها الغازية بنسبة 5 في المائة عما كانت عليه عام 1990 بحلول عام 2012. جدير بالذكر أن بعض الدول كبريطانيا مثلا لديها برنامج أكثر طموحا بخفض انبعاثاتها الغازية بنسبة 20 في المائة للفترة الزمنية نفسها.
3) ازدياد الطلب العالمي على الطاقة نتيجة لزايد عدد المنشآت الصناعية ومركبات التنقل. يتوقع الخبراء أن يتواصل التزايد بمعدل 4 في المائة سنويا، عند أخذ هذا في الاعتبار، إضافة إلى نقصان المخزون العالمي فمن المتوقع نضوب المخزون من الوقود الحفري في فترة تراوح بين 30 إلى 50 عاما في أحسن تقدير.
4) المخاوف من أن تؤدي بعض الكوارث الطبيعية أو الحروب إلى تعطيل الإنتاج في حقول النفط الرئيسية أو توقفها لفترات طويلة. أقرب مثال على ذلك هو إعصار كاترينا في خليج المكسيك عام 2005، حيث أدى الإعصار إلى تحطم ما يقارب 30 منصة إنتاج بحرية وإغلاق أكثر من تسعة مصاف نفطية.
5) أسباب سياسية تتعلق باهتمام بعض الدول خصوصا الولايات المتحدة وأوروبا بتأمين الإمدادات المستقبلية من مصادر الطاقة دون الاعتماد على مناطق إنتاج بعينها كالشرق الأوسط مثلا.
للأسباب المذكورة أعلاه نشط العلماء والباحثون حول العالم خصوصا في الدول الغربية على إيجاد مصادر جديدة للطاقة بحيث تتوافر فيها أربعة شروط رئيسية، هي:
* السلامة في الاستخدام والإنتاج.
* التكلفة المناسبة.
* التجدد أو الاستدامة.
* عدم الإضرار بتوازن البيئة أو صحة الإنسان.
أحد أنشطة الدول في مجال الطاقات المتجددة أو البديلة هي الولايات المتحدة، حيث تم صرف ما يقارب 102 مليار دولار العام الماضي في مجال البحوث المتعلقة بالطاقات المتجددة. لا غرابة في هذا، إذا علمنا أن الوقود الحفري يمثل 85 في المائة من مصادر الطاقة الأمريكية، أما نسبة الـ 15 في المائة المتبقية فتتوزع بين الطاقة النووية بنسبة 8 في المائة والطاقات المتجددة بنسبة 7 في المائة.
مع الأسف ليس هناك إحصائيات متوافرة عن الميزانيات المخصصة للبحوث في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط، ولكن يبدو أن هناك اهتماما متزايدا للاستفادة من هذه الطاقات البديلة في الفترة الأخيرة في منطقة الخليج العربي، خصوصا الطاقة الشمسية.
أحد أكبر التحديات أمام استخراج الطاقة من مصادر متجددة هو تكلفة الإنتاج. من الناحية التقنية فقد قطع العلماء شوطا لا بأس به في إثبات فاعلية الإنتاج لعدد لا بأس به من مصادر الطاقة المتجددة، ولكن تبقى التكلفة النهائية عالية مقارنة بأسعار الوقود التقليدي.
مثال على ذلك، استطاع فريق من الباحثين البريطانيين إنتاج وقود عضوي سائل Biofuel عالي الجودة بواسطة حرق الكتل الحيوية Biomass في مفاعلات عالية الحرارة. تصل نسبة التحول في هذا المفاعلات إلى أكثر من 90 في المائة، ولكن بتكلفة عالية جدا. هذا المثال يوضح أنه في ظل الارتفاع المتزايد في أسعار النفط والبحوث المستمرة في تطوير جودة استخراج الطاقة من مصادر متجددة، سيأتي اليوم الذي سيصبح فيه إنتاج الطاقة مثل هذه المصادر مجديا اقتصاديا.
* محاضر في الهندسة الكيميائية في جامعة أستون البريطانية