يرى كثيرون أن وقائع التعايش مع الطواحين الهوائية أعقد من مجرد كونها قضايا خاصة بالطاقة النظيفة، والحصول على أموال سهلة المنال. ولدى الناس مشاعر مختلطة إزاء الحجم الهائل لهذا المشروع، والسرعة التي يتم إنشاؤها بها.
ففي حافة سهل بجوار منزله يتكئ جون يانسي على شاحنته ويقول "أنصتوا"، حيث يتردد صدى الصفير المتكرر لتوربينات الرياح في الجو. وتستمر اللوحات المعدنية المصقولة البيضاء المكونة لمراوح التوربينات بالدوران، كما لو كانت تؤدي رقصة على طريقة الغرباء المسلحين عبر الأراضي الممتدة. ويحدق يانسي في هذه الطواحين، وتظهر بعض ملامح الغضب والألم على وجهه. وهو يعرف تماماً أن هذه الأبراج المستقبلية تصب الطاقة في الشبكة الكهربائية العامة، كما أنه يدرك أن مجتمعه تبناها على نطاق واسع. وهو كذلك يكره المشهد، والصوت معاً، حيث يقول إن الطواحين تجعل نومه متقطعاً، وتغزو منزله، وكذلك وعيه. وهو لا يطيق رؤية الظلال العملاقة للمراوح الجبارة خلال ساعات النهار.
ولكن أكثر ما يكره ابن هذا المزارع الضجر الذي يبلغ 48 عاماً من عمره، في هذه المراوح، هو أن والده الذي يملك معظم الأراضي هناك، وقع عقداً مع الشركة المالكة للطواحين الهوائية لإنشاء سبع منها على أراض يانسي. ويتمتم قائلاً "لقد باعني والدي". ويعيش يانسي في بيت تحيط به أشجار الصنوبر على طريق يانسي، حيث تشاركه فيه زوجته، مارلين، وأطفاله الثلاثة. وهنالك على السياج علامات تشير إلى وجود الفراولة الطازجة، كما ترعى الخيول في حقل أشد انخفاضاً.
وهنالك كذلك عدد من العربات التي تسير منحدرة على طريق قريب. وتظهر من الجانب الخلفي مناظر خلابة لمنطقة الاديرونداكس. غير أن المشهد تغير بصورة دراماتيكية منذ عام 2006، حيث أصبح طريق يانسي الآن محاطاً بالطواحين الهوائية. وظل يانسي وعدد من إخوته يرجون إد يانسي بأن يترك أراضي الأسرة على حالها. غير أن هذا اليانسي الكبير أشار إلى دور المال، حيث يتقاضى ما لا يقل عن ستة آلاف دولار سنوياً مقابل كل طاحونة هوائية. غير أن يانسي الابن لا يريد لا المال، ولا هذا الإرث، ويقول "أريد فقط أن أنام بهدوء.
يمتد سهل "تج هل" في منطقة أعلى من هذه القرية التي يعيش فيها نحو أربعة آلاف شخص، وهو عبارة عن بر في المنطقة الشمالية يتكون من عدة آلاف من الأفدنة، حيث تهب الرياح مباشرة من بحيرة أونتاريو، كما تشتد العواصف الثلجية في هذا الجزء من الولاية خلال فصل الشتاء. وبين ليلة وضحاها، وصلت إلى السهل قوافل من الشاحنات التي تحمل الأبراج البيضاء العملاقة، حيث بدأت أعمال صب الأسمنت، وتم إنشاء طرق جديدة على مدى عامين، واشتعلت القرية بالنشاط. وتنتصب 195 طاحونة هوائية في الوقت الراهن في هذه السهل، حيث يبلغ ارتفاع الواحدة منها 400 قدم، ويمتد طول أذرعها إلى 130 قدماً، وتدور بسرعة 14 دورة في الدقيقة.
جلب مشروع "مابل ردج" الذي يكلف 400 مليون دولار، والذي يعد الأكبر من نوعه في ولاية نيويورك، المال والوظائف، وشهد الرخاء الفريد في هذه المنطقة التي لم تكن تعرف شيئاً من ذلك. وجلب معه خلال الفترة الأخيرة كذلك مشهداً من الأهمية، حيث أصبحت بلدتا ماتنسبيرج وهاريسبيرج المتجاورتان موقعين جديدين للطواحين الهوائية، كما أنهما تلامسان الآن عصر الرخاء. غير أنه مقابل كل هذه الطاقة النظيفة، والمتجددة، فإن لهذه الطواحين تكلفتها التي لا تقتصر على الأمور المتعلقة بمنظر المنطقة. ويتساءل جون يانسي الذي ظلت أسرته تفلح أرض هذا السهل لعدة أجيال "هل يستحق الأمر تدمير الأسر، وتحريض الجار ضد جاره، والوالد ضد ولده، وهل يستحق الأمر تدمير طريقة حياة كاملة؟".
هنالك أسئلة مشابهة تتم إثارتها عبر الولاية وريفها بينما يصارع المزيد من البلدات الأموال الجديدة، وطواحين الهواء. ويرى كثيرون أن لهذه التغييرات ما يبررها. وفي ظل الارتفاع المستمر لأسعار النفط والطاقة، وزيادة المخاوف فيما يتعلق بالتغير المناخي، فإن طاقة الرياح تصبح بديلاً جذاباً. وكشفت وزارة الطاقة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة تقريرا يتحدث عن احتمال أن تزود طاقة الرياح، الولايات المتحدة بـ 20 في المائة من احتياجاتها الكهربائية بحلول عام 2030. ولا تنتج طواحين الهواء الأمريكية الآن سوى أقل من 1 في المائة من الحاجات الأمريكية من الكهرباء. وينتج مشروع مابل ريدج كهرباء تكفي لسد حاجة نحو 100 ألف منزل، وهناك مشاريع طاقة رياح أخرى في مناطق متعددة من هذه الولاية. ويتحدث بيكنز عن إنشاء مشروع طاقة رياح بتكلفة عشرة مليارات دولار ليكون الأكبر من نوعه عالمياً في منطقة اللسان الأرضي في تكساس، ويبدو أن الجميع يتحدثون عن طاقة الرياح.
ويدرك يانسي أبعاد هذا المشروع، فهو كهربائي يعرف عن التوربينات أكثر مما يعرف عنها أي شخص عادي. وساعد في تركيب عدد منها في سهل "تج هل". وكذلك فإن بإمكانه أن يتحدث عن الخصائص الفنية للمحرك الذي يبلغ حجم الشاحنة في أعلى البرج، حيث غرفة المحرك، ونظام الكمبيوتر المتطور الذي يسمح بتعريض الشفرات للرياح. ويتحدث كذلك عن طاقة الإنتاج البالغة 1.5 ميجاواط بتقدير، واحترام. وهو يرى أن لهذه التوربينات مكانها حيث لا يعيش الناس، كما أنه يتهم شركات الرياح باستغلال كبار السن من أمثال والده.
وشأنهم شأن الكثير من جيرانهم، فإن أفراد عائلتي يانسي واجهوا صعوبات في تصديق ما يقوله مسؤول مبيعات شركة التوربينات الهوائية حين جاء إلى البلدة في المرة الأولى عام 1999. وكان هنالك حديث قبل ذلك عن وجود الغاز الطبيعي في ذلك السهل، ولكن لم يظهر أي أثر لذلك. وافترض الناس في ذلك الوقت أن مشروع طاقة الرياح سيلقى المصير ذاته. ويقول جون يانسي "إن أحداً لم يكن يصدق أن الأمر سوف يتحقق".
إن الأمور المالية المتعلقة بطاقة الرياح تسبب الكثير من الإرباك لعدد كبير من السكان المحليين، حيث كانوا يعتقدون في البداية أنهم سيحصلون على الكهرباء مجاناً بمجرد تركيب الطواحين، بينما الحقيقة هي أن الطاقة المولدة تباع إلى شركات الكهرباء التي تنقل تلك الطاقة إلى الشبكة العامة.
وعلى الرغم من أن الرياح ذاتها مجانية، إلا أن الشركات تتكبد تكاليف إنشائية عالية، حيث تكلف كل طاحونة هوائية مبلغ ثلاثة ملايين دولار. وتستفيد الشركات في ولاية نيويورك من أن سلطات الولاية تريد أن يتم إنتاج 25 في المائة من الحاجة الكهربائية من خلال الطاقات المتجددة بحلول عام 2013. وتحصل تلك الشركات كذلك على تخفيضات ضريبية اتحادية إضافة إلى خصومات "الطاقة الخضراء" التي تأتي في صورة كوبونات يمكن بيعها في أسواق الطاقة.