دراسة: الإمارات وقطر والكويت ليست مهيأة للعملة الموحدة في 2010
أكدت دراسة أعدتها إدارة الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي أن ثلاث دول خليجية من بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهي: السعودية، البحرين، وعُمان هي المؤهلة حاليا للانضمام إلى الاتحاد النقدي الخليجي المحدد له عام 2010.
ووفقا للدراسة التي كشف عن نتائجها الدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي في مؤتمر صحافي أمس في دبي، فإن دولتي قطر والإمارات لا تستوفيان معيار التضخم، بينما لا تستوفي الكويت معيار صرف العملات. وفي حين لم تفصح الإمارات العربية بعد عن آخر البيانات المالية، فإنه من غير المرجح أن يتجاوز دين الحكومة المركزية ودين الحكومة العامة الحد المطلوب. وبالتالي، إذا لم تتم تسوية الاستثناءات الحالية للمعايير أو في حال لم تنخفض معدلات التضخم إلى المستويات المطلوبة بحلول (2010) ستكون البحرين، السعودية، وعُمان هي الدول الوحيدة المؤهلة حالياً للانضمام إلى الاتحاد النقدي.
الموقف من معايير التقارب النقدي
وتناولت الدراسة بالتقييم جميع المعايير المطلوبة للتقارب النقدي والخطوات التي اتخذتها كل دولة، وقالت إنه لكي يتسنى وضع الاتحاد النقدي الخليجي موضع التنفيذ، فإنه لا بد من أن تؤخذ في الاعتبار ثلاث قضايا أساسية ترتبط بالسياسة النقدية، وهي:
* يجب أن يكون التضخم أبرز الأولويات في جدول أعمال السياسة النقدية. ففي الماضي، وفرت سياسة ربط سعر الصرف بالدولار أساساً صلباً لاستقرار النقد والأسعار. وأما اليوم، وفي ظل التغييرات الهيكلية، والزيادة المستمرة للتنويع الاقتصادي والتجاري، وانتقال المحور الرئيسي للشراكة التجارية والاستثمارية نحو آسيا، إضافة إلى ضعف الدولار في الأسواق العالمية، فقد أصبح الوضع يقتضي تغيير السياسة النقدية نحو كبح التضخم، خاصة أن هذه السياسة تركز على إبقاء التضخم ضمن مستويات محددة ومعلنة.
* ستحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاستثمار في بناء وتعزيز قدراتها الإحصائية لتوفير بيانات اقتصادية ومالية متناسقة وقابلة للمقارنة، سعياً إلى دعم الاتحاد النقدي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة.
لكي يتحقق الاتحاد النقدي الخليجي ويحقق الأهداف التي قام من أجلها، فإنه سيحتاج إلى استثمارات داعمة في البنية التحتية للقطاع المالي (بما في ذلك البنية القانونية والتنظيمية)، إضافة إلى تطوير أنظمة الدفع وربط أسواق النقد بأسواق رأس المال.
وهناك عامل آخر ينبغي التركيز عليه، وهو إذا كانت معايير التقارب الاقتصادي الضرورية لعملية الاندماج النقدي تنسجم حقاً مع الطبيعة الخاصة لمنطقة الخليج. ففي حين تمثلت العقبة الرئيسية أمام قيام الاتحاد النقدي الأوروبي في الوحدة المالية، تبين أن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بفائض كبير في الأموال العامة؛ فضلاً عن أن أسعار الفائدة على المدى القصير لا يمكنها أن تختلف كثيراً نظراً للارتباط بالدولار.
قطر تسجل أعلى معدل للتضخم
وفيما يتعلق بمعيار التضخم أوضحت الدراسة أنه يجب ألا تتجاوز معدلات التضخم 2 في المائة فوق متوسط معدلات التضخم المرجحة في كل من دول مجلس التعاون الخليجي، غير أن معدلات التضخم تواصل ارتفاعها المستمر منذ عام 2003، مظهرة تبايناً أكبر بين الدول. وأصدرت معظم الدول بيانات حول مؤشر أسعار المستهلك حتى بداية الربع الأول من عام 2008، وبيانات حول الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2007. ولكن بيانات مؤشر أسعار المستهلك لدولة الإمارات تنتهي في 2007، غير أن أعلى معدل للتضخم هو من نصيب قطر، بينما تستأثر مملكة البحرين بأدنى معدل.
وبلغ معدل التضخم المرجح في دول مجلس التعاون الخليجي 6.91 في المائة في عام 2007، بينما كان المتوسط البسيط لمعدلات التضخم 7.29 في المائة، وبالتالي فإنه يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد النقدي ألا تزيد معدلات التضخم فيها على 8.91 في المائة. وقد تجاوزت دولتا قطر والإمارات هذا الحد في عام 2007، وفقاً لآخر إحصائيات.
وفيما يتعلق بمعيار سعر الفائدة أوضحت الدراسة أنه يجب ألا تتجاوز أسعار الفائدة قصيرة الأجل 2 في المائة فوق متوسط أدنى ثلاثة معدلات في كل دولة".
واتضح من خلال الدراسة أن أدنى ثلاثة معدلات فائدة في الربع الأول من 2008 بحسب ترتيبها التصاعدي هي: 2.29 في المائة لدولة قطر، و2.50 في المائة لدولة الكويت، و2.52 في المائة للسعودية؛ أي بمتوسط قدره 2.44 في المائة وهذا يجعل حد سعر الفائدة 4.4 في المائة، وليس مستغرباً استيفاء جميع دول الخليج العربية لمعايير سعر الفائدة، نظراً لحاجة أسعار الفائدة في الأسواق النقدية لهذه الدول باستثناء الكويت التي ربطت عملتها بسلة عملات أجنبية إلى اتباع سياسة سعر الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من أجل الإبقاء على الارتباط بالدولار الأمريكي
استيفاء معايير عجز الميزانية وسعر الصرف
وبالنسبة لمعيار "احتياطي النقد الأجنبي يجب أن يغطي واردات البضائع لأربعة أشهر على الأقل , تتألف الأصول الاحتياطية للبنك المركزي من الذهب، وحقوق السحب الخاصة والحساب الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، وأصول العملات الأجنبية والأوراق المالية، وأظهرت الدراسة أن جميع البلدان لديها احتياطيات أجنبية كافية لتغطية واردات البضائع لأكثر من أربعة أشهر.
أما معيار عجز الميزانية السنوية فيجب ألا يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي, ويتضح أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي سجلت فائضاً مالياً بفضل الإيرادات المرتفعة لسلع الطاقة، وقد نشر صندوق النقد الدولي تقديرات لعام 2007 ارتكزت على أحدث البيانات التي وفرتها سلطات دولة الإمارات، ومن المرجح لهذه التقديرات أن تكون دقيقة إلى حد ما، علماً أن فائضها المالي لعام 2006 بلغ 72.466 مليون درهم، أي 12.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن هنا فإنه يمكننا أن نؤكد بثقة كبيرة أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تستوفي هذه المعايير.
أما معيار الدين العام فيجب ألا تتجاوز نسبة الدين العام 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للحكومة العامة و70 في المائة للحكومة المركزية. وقالت الدراسة إنه تبعاً لـ دليل صندوق النقد الدولي، فإن الفرق بين دين الحكومة العامة ودين الحكومة المركزية يظهر في نظام الضمان الاجتماعي (خاصة صناديق التقاعد) ووحدات الميزانية الإضافية مثل صناديق الثروة السيادية. وتدل حقيقة أن الرقم الذي يورده المعيار لدين الحكومة المركزية هو أكبر من دين الحكومة العامة على أن هذه الوحدات مرشحة لأن تدير فائضاً كبيراً في دول مجلس التعاون الخليجي.
ويظهر من الدراسة أن معظم الدول لم تنشر آخر الأرقام في ما يخص دين الحكومة المركزية. وقد اقتصر تقديم أرقام 2007 على كل من السعودية وعُمان فقط، بينما تعود آخر بيانات متوفرة بالنسبة إلى البحرين إلى عام 2006 وتبلغ 23.68 في المائة كذلك، لم يتسن لنا الحصول على معلومات من المصادر الرسمية بالنسبة لدول الكويت، قطر، والإمارات. ولكن بيانات البحرين، الكويت، وقطر متوافرة من مؤسسة التصنيف الدولي "ستاندرد آند بور" التي تستطيع النفاذ إلى البيانات الرسمية أما بالنسبة إلى الإمارات، فلا تتوافر أي بيانات لعام 2007 ويمكن القول إن الدول جميعها ما عدا الإمارات (التي لا تتوافر بيانات عنها) تستوفي معيار دين الحكومة المركزية.
وفيما يتعلق بمعيار سعر الصرف، فإن عملات دول المجلس ما عدا الكويت مرتبطة بالدولار، ولذلك فهي جميعها تستوفي معيار صرف العملات. وتؤكد الدراسة أن معايير تقارب الأداء الاقتصادي لدول الخليج العربية بصورة عامة مستوفاة من معايير "ماستريخت"، إلا أن صلة هذه المعايير بواقع منطقة مجلس التعاون الخليجي تبدو محدودةًً للغاية، مضيفة أن فائدة تحديد العجز المالي والديون للدول التي تتمتع بفائض مالي وتدير فائضاً حالياً ضخماً بفضل الإيرادات المتزايدة لسلع الطاقة، تقتصر على المديين القريب والمتوسط.
وبالمثل، فإن ربط العملات الوطنية بالدولار الأمريكي ووجود شرط واضح يمنع المراجحة ويضمن بقاء أسعار الفائدة قصيرة الأجل متقاربة جداً يعنيان أن معيار سعر الفائدة مستوفى بدرجة كبيرة. كما أن المعدلات قصيرة المدى ترتكز بصورة أساسية على سعر الفائدة الذي يحدده المصرف المركزي، ما يعني أيضاً أنه يمكن للدولة أن تستوفي مثل هذا المعيار بسهولة حتى في غياب الربط، أي بإمكان المصرف المركزي جعل سعر الفائدة منخفضاً إلى حد مناسب قبل الموعد النهائي. وتركز معايير "ماستريخت" في الواقع على سعر فائدة لمدة عشر سنوات، يحدده السوق لا السلطات.
3 عناصر لإطلاق الاتحاد النقدي
ويبقى معيار التضخم مهماً، إلا أن التقارب جارٍ بمعدلات مرتفعة خلافاً لما كانت عليه الحال بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ويُعزى هذا الأمر إلى حقيقة أن معيار سعر الصرف يرتبط بمعيار التضخم، نظراً إلى أن الحاجة إلى الإبقاء على الارتباط بالدولار الأمريكي تفرض سياسة نقدية متساهلة وتجردها من إحدى أدواتها القوية لكبح التضخم. وأما بالنسبة إلى الدول الأوروبية، فقد كان اختبار التضخم ملزماً وفرض حالة من الانضباط. وكان على العملات الأوروبية إبان سعيها للتوحد تحت مظلة اليورو أن تبقى ضمن هوامش تقلبات أسعار صرف ضيقة مقابل بعضها بعضاً، وليس مقابل عملات خارجية.
وبصورة أساسية، فقد تم إيجاد الاتحاد النقدي الأوروبي لوضع حد لسباق خفض قيمة العملة الذي كان يهدد حيوية السوق الأوروبية المشتركة. وكانت عمليات الخفض الدورية نتيجة للسياسة المالية المتساهلة في دول مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وبدرجة أقل في فرنسا. ولذلك، برزت الحاجة إلى إقامة اتحاد مالي وفرض تقارب أسعار الفائدة طويلة المدى على الدين العام، وبالتالي في معدلات التضخم.
وفي المقابل، فقد برز إلى الوجود شبه اتحاد نقدي في مجلس التعاون الخليجي لعقود طويلة، حيث حافظت العملات الوطنية على ارتباطها بالدولار الأمريكي. وسيعزز الاتحاد النقدي الخليجي هذا الالتزام ويوسع نطاق مكاسب استقرار العملات بحيث يشمل الأسواق المالية، والقطاعات الاقتصادية، والمواطنين من خلال تعزيز العلاقات التجارية (في ما يخص السوق الخليجية المشتركة) وجذب الرساميل الدولية.
وحددت الدراسة ثلاثة عناصر ضرورية لإطلاق الاتحاد النقدي الخليجي بنجاح أبرزها:
* إطار حكومي ومؤسسي يكفل صدور قرارات شفافة وفاعلة وسلسة بخصوص السياسة النقدية وسياسات المصارف المركزية، أي فيما يتعلق بطريقة عمل المصرف المركزي لمجلس التعاون الخليجي.
* مجموعة من الإحصاءات المتناسقة والموثوقة التي يتم الإفصاح عنها في الوقت المناسب لإدارة السياسة النقدية وتوجيه الوسطاء الماليين والاقتصاديين.
* نظام دفع يضمن سعر فائدة موحد والتحويل السريع للأموال عبر دول مجلس التعاون الخليجي.
واختتمت الدراسة بالقول "حالما يتم استيفاء هذه الشروط، يمكن أن ينطلق الاتحاد النقدي الخليجي بغض النظر عن أي معايير تقارب، وحتى أنه يمكن إصدار الأوراق النقدية بعد سنوات من إطلاق الاتحاد النقدي، كما كانت عليه الحال مع منطقة اليورو.