الآن أصبح ذلك السخام في خطر. لسبر براون، مؤسس معهد سياسات الأرض يحذر في كتابه بعنوان الخطة ب Plan B قائلاً: الأراضي الزراعية في العالم تفقد الطبقة العليا للتربة من خلال التعرية بدرجة أسرع من معدل تكوين التربة الجديدة، مما يقلل من إنتاجية الأرض كصفة متأصلة فيها. وفي الأماكن التي تتعرض لقدر كبير من فقدان هذه التربة، فإن الأرض المنتجة تتحول إلى أرض قاحلة.
تأثرت الأراضي الزراعية في أنحاء العالم المختلفة، من البراري التي يزرع فيها القمح في الولايات المتحدة إلى الأراضي الملوثة بالمواد الكيماوية في شرق أوروبا والصين. ولكن المشكلة أصبحت حادة بدرجة أكبر في إفريقيا، حيث المزارعون يحرثون في تربة هي الأقدم تربة العالم، وهم أعجز من أن يتخذوا ما يلزم لحماية أهم مصدر لديهم.
هذه المشكلات ليست جديدة. فبعض علماء الآثار يؤكدون أن الحضارات مثل حضارة المايا وجزر إيسترونورس الذين استقروا في جرينلاند انهارت بسبب استنزاف التربة، الذي تسبب فيه الاستخدام المفرط، أوقطع الغابات أو تغير المناخ. وأخيرا، فإن العواصف الغبارية التي حدثت في الثلاثينيات في أمريكا، كانت بمثابة إنذار قوي بالمخاطر.
الشيء الذي تغير هو ضغط السكان: فهنالك الآن أكثر من 6.5 مليار شخص على كوكب الأرض، وهو عدد تشير التقديرات إلى أنه سيرتفع ليصل إلى تسعة مليارات في منتصف هذا القرن. وعلى الرغم من أن العلماء يقدرون أن هنالك أراضي خصبة كافية لم تتم زراعتها ستظل باقية حتى عام 2020، إلا أن توفير الغذاء للعالم يتطلب أن تظل الحقول الحالية مننتجة.
مشكلة تدهور التربة ظلت تتفاقم منذ عدة عقود، ولكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال العامين الماضيين، دفع صناع السياسات لأخذ الأمر مأخذ الجد. هنالك تقرير صادر من مؤسسة التقييم الدولي لعلم الزراعة والتقنية، تبين منه أن معدل زيادة الإنتاجية - يتضاءل، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن جزءاً كبيراً من أسباب ذلك، يعود إلى تدهور جودة التربة.
يقول بارفيز كوهافكان، مدير إدارة الأراضي والمياه في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في روما: تدهور الأرض مرتبط بالتأكيد بأزمة الغذاء. وهي ليست تهديداً مباشراً أو وشيكاً [مثل تغير الامدادات والضغوط المرتبطة بالطلب] وإنما سيكون لدينا المزيد والمزيد من المشكلات، في ظل تضاؤل إمكانية تعويض الأراضي التي فقدت خصوبتها في العديد من الأماكن".
الأسباب الكامنة وراء تدهور التربة متنوعة كتنوع التربة نفسها. وفي الولايات المتحدة، هنالك حماية للتربة يتم تطبيقها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما اضطرت الحكومة الاتحادية لاتخاذ إجراء للمحافظة على التربة. ومع ذلك، فإن المزارعين في أمريكا الشمالية، لا يزالون يفقدون التربة الصالحة للزراعة بمعدل 1 في المائة في السنة، حسبما ذكر ديفيد مونتجومري، وهو مهندس جيولوجيا ومؤلف كتاب السخام: اندثار الحضارات Dirt: The Erosion of Civilisations . وتحدث الخسائر غالباً من خلال التعرية التي تسببها المياه، حيث إن الانهمار الشديد للأمطار أو حتى الري، يؤدي إلى إزالة الطبقة العليا للتربة ويجرفها في مجرى الأنهار والسدود. وهنالك دراسة تم نشرها في مجلة العلوم في التسعينيات من القرن الماضي، وجدت أن تعرية التربة تكلف اقتصاد الولايات المتحدة نحو 44 مليار دولار في السنة.
وفي أستراليا، التي تعتبر من أهم البلدان في العالم في مجال إنتاج القمح، فإن الملوحة المتزايدة للتربه تعتبر مشكلة خطيرة، حيث يضخ المزارعون المزيد من المياه من الطبقات الصخرية في باطن الأرض، وفي ظل استخدام السماد والمبيدات الحشرية على نحو مكثف، على مدى سنوات طويلة، الأمر الذي أدى إلى ذلك الدمار.
الاتحاد الأوربي يتشاور حول إصدار تعليمات حول التربة لمعالجة هذه القضية. وحسب ما ورد في "أطلس التربة" الذي تم نشره في 2005 من قبل مركز الأبحاث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي، فإن المكونات العضوية في ما يقارب 75 في المائة من التربة في جنوب أوروبا - وهو مقياس للخصوبة - منخفضة بدرجة تدعو للقلق. يقول إروين جونس، عالم أبحاث في المركز وأحد المؤلفين للأطلس: التربة مصدر غير متجدد، ونحن في حاجة إلى اتخاذ تدابير لحمايتها.
وفي إسبانيا وإيطاليا على وجه التحديد، فإن تعرية التربة بواسطة المياه والرياح تمثل مشكلة خطيرة. إن ازدياد جنوح الأراضي الزراعية، نحو الخروج من دائرة الأراضي الصالحة للزراعة يؤدي إلى تفاقم المشكلة: عند أخذ المحاصيل من المزارع، فإن التربة تكون مكشوفة ومعرضة للتعرية حتى تنبت فيها الحشائش والنباتات البرية.
وفي الدول التي انضمت للاتحاد الأوروبي، فإن أكثر من ثلث الأراضي متأثرة بتدهور التربة، حسب ما ورد في أطلس التربة. وفي الصين، في غضون ذلك، فإن التلوث الصناعي هو أحد الأسباب الرئيسة في ذلك. فالأنهار التي تغير لون مياهها فصار أسود، بسبب المخلفات الصناعية التي تصب في تلك الأنهار، لا تبشر بخير للأراضي الزراعية، فيما للطلب المتزايد على المياه كذلك تأثيره المدمر، ما يجعل الصحراء تبتلع المناطق الجافة التي كانت في يوم من الأيام أراضي خصبة.
إفريقيا هي التي تعاني أكثر من غيرها. يقول كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة في حديثه بمناسبة انطلاق التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا، في العام الماضي الذي يتولى هو رئاسته: التربة في إفريقيا هي من بين أفقر أنواع التربة في العالم، والتربة عندما تكون فقيرة تنتج محاصيل فقيرة. لقد كان معدل إنتاجية الحبوب في إفريقيا جنوبي الصحراء هو أقل من 1.3 طن للهكتار في 2000، مقارنةً بالإنتاجية في آسيا التي تراوح بين 2.9 و3.4 طن. وفيما إنتاجية الحبوب في المناطق الأخرى من الدول النامية، ارتفعت بنسبة 1.2 و2.3 في المائة من 1980 إلى 2000، ارتفعت إنتاجية الحبوب في إفريقيا بنسبة 0.7 في المائة فقط في السنة، حسب ما ذكر البنك الدولي.
إن التربة في إفريقيا تعاني العديد من السلبيات.أولاً، فالقارة هي قارة قديمة من الناحية الجيولوجية، وظلت موطناً للناس منذ مدة طويلة. والتربة القديمة رقيقة وغالباً ما ينقصها التكوين اللازم للاحتفاط بالمياه والمواد الغذائية. فاللون الأحمر القاني الذي يميز تربة هذه القارة ويشكل صعوبة أخرى: فمثل هذه التربة مشبعة بالحديد، الذي "يحوي" الفوسفور، مما يجعله غير متاح للنباتات. كما أن التربة في إفريقيا غالباً ما تنقصها عناصر أساسية من المواد الغذائية، مثل النتروجين والبوتاسيوم، إضافة إلى مواد أقل أهمية مثل الزنك، كما يقول أوتو إسبارجارين، رئيس مركز المعلومات العالمية عن التربة في المركز الدولي للتربة والمعلومات.
هذه المشكلات تفاقمت بسبب الممارسات الزراعية السيئة. ويوضح كوهافكان ذلك قائلاً: المزارعون مدفوعون باحتياجاتهم العاجلة لتوفير الغذاء والدخل. ونتيجة لذلك، فهم يزرعون الألغام في مصادر رزقهم. حيث يستنزفون رأسمالهم، ولا يستطيعون الاستثمار مرة أخرى في هذه الموارد.
الممارسات الزراعية التقليدية التي كان من شأنها المحافظة على التربة، تبددت تحت ضغط تأمين الغذاء لعدد كبير من الأفواه. يقول كوهافكان: لم يعد باستطاعة الأنظمة التقليدية أن تلبي الطلب من الأعداد المتزايدة للسكان. وأضاف قائلاً: "لقد اختفى الأسلوب المتبع في ترك الأرض بوراً، وأصبحت مساحة المزارع صغيرة، وبالتالي فهي لا توفر دخلاً كافياً للناس من أجل إطعام أنفسهم والاستثمار في المستقبل. إن عدم توفر الأمن فيما يتعلق بملكية الأرض في بعض المناطق يؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث لا يرغب الناس في الاستثمار في مستقبل أراض لا يملكونها أو ربما يتم إخراجهم منها، واختتم حديثه بالقول: تدهور التربة مشكلة هيكلية، وليست مشكلة مؤقتة.
و نتيجة لذلك، حسبما ذكر المركز الدولي لخصوبة الأرض والتنمية الزراعية، فإن إفريقيا تفقد نحو ثمانية ملايين طن من المواد الغذائية في التربة في السنة، بينما تدهورت أكثر من 95 مليون هكتار من الأراضي، ووصلت إلى درجة انخفضت فيها الإنتاجية بدرجة كبيرة.
وكما لاحظ انطلاق التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا "فإن النتائج المترتبة على مثل هذا التبديد الخطير للتربة في دائرة مفرغة من تدهور الإنتاجية، وازدياد هوة الفقر عمقاً، والتدهور المتزايد لقاعدة الموارد الطبيعة التي يعتمد عليها المزارعون.. وفيما تتدهور التربة وتنخفض إنتاجية المزارع، فإن المزارعين الفقراء يتجهون نحو إزالة غابات السافنا، حيث تبدأ الدورة مرة أخرى".
المزارعون الأفارقة هم ضمن أقل المزارعين استخداماً للأسمدة في العالم، فهل شحن ملايين الأطنان من المواد الكيماوية المستخدمة في تحسين التربة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا سيكون هو الحل؟ الأمر ليس بسيطاً بهذه الدرجة، كما يحذر أسارجارين: إن التربة نفسها لا تتحمل مثل هذه الأسمدة، لأن مقدرتها على الاحتفاظ بالمواد الغذائية ضعيفة جداً.
وقال: يمكنك أن تصب السماد في الأرض على هذا النحو ولكن معظمه ستجرفه المياه. وحتى إذا تم استخدام كميات كبيرة من السماد في تربة متدهورة، فإنها ستستغرق قروناً لاستعادة عافيتها، كما يقول. وهنالك مشكلة كامنة، وهي أن كثرة استخدام الأسمدة يمكن أن تنتج عنه مشكلات، مثل مشكلة حموضة التربة كما حدث في بعض الأماكن مثل أوروبا وأستراليا.
ومع ذلك فإن الإفراط في استخدام الأسمدة مشكلة لا يستطيع معظم المزارعين الأفارقة سوى أن يحلموا بها. فالكثيرون منهم ينقصهم الدخل اللازم لشراء حتى كميات صغيرة، والبنيات التحتية التي تعتبر أمراً مسلماً به لدى المزارعين في الدول المتقدمة – توفر بنوكا تقوم بتقديم قروض وتنتظر حتى يتم بيع المحاصيل ليتم تسديد تلك القروض، إلى جانب توافر شبكات يعتمد عليها من الجهات التي توفر الإمدادات الزراعية – كل ذلك نادراً ما يتوافر في إفريقيا.
و ماذا عن السماد الطبيعيي؟ مرة أخرى، فإن التربة الفقيرة جداً بدرجة لا تستطيع الاحتفاظ بالمواد الغذائية الصناعية، لا تستطيع أن تحتفظ بالمواد الغذائية الطبيعية كذلك، وبعضها ستجرفه المياه. إن استخدام الفضلات الحيوانية يتطلب كذلك أراضي كافية لرعي الماشية، وهو أمر غير ممكن دائماً – ويشير بعض الخبراء إلى أن الرعي الجائر في الأراضي غير المناسبة، أدى إلى تفاقم مشكلة التعرية والتصحر.
وتتفق آراء الخبراء بأننا إذا أردنا أن نوقف تدهور التربة، فإن الإجابة ستكون خليطا من استخدام الأسمدة وتحسين طرق
وأساليب الزراعة.
يقول روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، عند إعلان مبادرة هذا العام، تم منح التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا مبلغ 164.5 مليون دولار من مؤسسة بل وملندا جيتس الخيرية، و15 مليون دولار من مؤسسة روكفلر الخيرية لإنشاء برنامج لصحة التربة للقارة: نحن في حاجة إلى ثورة خضراء في القرن الـ 21 تلبي الاحتياجات الخاصة والمتنوعة لإفريقيا، ويجب أن يكون وراءها استثمارت ضخمة في الأبحاث في مجال التقنية، وإشاعة الوعي وإدارة تعمل على استدامة خصوبة الأرض، وسلسلات الإمدادات الزراعية والري وقروض صغيرة للمزارعين في الريف، وسياسات لتقوية فرص السوق، بينما تساعد على تأمين سكان الريف من عوامل التعرض للمخاطر وعدم الاستقرار.
ولكن الدروس المستفادة لا تقتصر على إفريقيا وحدها، فتحسين طرق الزراعة أمر مطلوب في جميع أنحاء العالم لضمان حصر التعرية في أضيق نطاق، والمحافظة على محتويات التربة من المواد الغذائية. يقول ستيف ماك جراث، العالم الذي يعمل لدى معهد روثامستد، وهو مركز للأبحاث الزراعية: يمكن تعليم المزارعين على أساليب زراعية أفضل. وهنالك مثال واحد وهو الزراعة دون حرث، يقول جوليان لتل، رئيس مجلس إدارة "أيه. بي. سي" إن ذلك يتطلب خليط من دورة زراعية تتم إدراتها بعناية، واستخدام محاصيل ثانوية لمنع نمو الحشائش، إلى جانب "استخدام مبيدات الحشائش بطريقة حكيمة".
إدارة المحافظة على التربة في الولايات المتحدة التي تم إنشاؤها بعد الدمار الذي أحدثته العاصفة الغبارية، ظلت تعلم الناس أساليب مماثلة منذ عدة سنوات، إلى جانب استخدام السماد الطبيعي واستخدام السماد الصناعي. وهنالك أساليب أخرى بسيطة، مثل الحرث على طول خطوط الارتفاع في الحقول بحيث لا تجرف المياه سطح التربة معها، وزراعة صفوف من الأشجار للوقاية أو حفر قنوات صغيرة كحدود للحقل.
إن ثلاثة أقدام من سطح التربة تمثل الأساس للحضارة البشرية. والحاجة الملحة لإطعام سكان الأرض البالغ عددهم تسعة مليارات نسمة، من شأنها أن تستنزف هذه المصدر إلى أقصى حد.